23/02/2010 - 19:21

الحرم الابراهيمي الشريف: سطو في وضح النهار../ نواف الزرو

الحرم الابراهيمي  الشريف: سطو في وضح النهار../ نواف الزرو
في ظل صمت وفرجة وغفلة وحيادية العرب، وفي ظل صمت أو تواطؤ المجتمع الدولي، وتحت وطأة وتضليل ضجيج استئناف عملية المفاوضات، وفي ظل مشهد الاغتيالات الصهيونية المنهجية ضد القيادات الفلسطينية،
تقدم حكومة الاحتلال بقيادة الثلاثي نتنياهو-باراك-ليبرمان على اتخاذ قرار استراتيجي بالاستيلاء جهارا نهارا على الحرم الإبراهيمي في مدينة خليل الرحمن، وكذلك على مسجد بلال بن رباح (قبة راحيل) في بيت لحم، ولا يتحرك احد في العالم العربي باستثناء بيانات رفع العتب من هنا وهناك.

كما تتعرض الضفة الغربية بعامة، ومدينة القدس بخاصة إلى هجوم استعماري استيطاني تهويدي صهيوني كاسح يهدف بالعنوان الكبير الصريح إلى: تدمير مقومات الاستقلال الفلسطيني أولا، ثم تهويد وتطويب الضفة والمدينة المقدسة تحت السيطرة والسيادة الإسرائيلية إلى الأبد ثانية، كي لا تقوم قائمة للرواية التاريخية العربية الإسلامية في فلسطين.

أهل الخليل لم يناموا فأعلنوا الإضراب الشامل واشتبكوا مع قوات الاحتلال احتجاجاً على إعلان قرار الاستيلاء على الحرم، وهذا كان دأبهم دائما في التصدي لمخططات الاحتلال.

القرار الإسرائيلي ليس استهلاكيا للمستوطنين ولوبيهم في الحكومة والكنيست، وإنما هو قرار جاد وخطير وينطوي على دلالات صراعية غريب أن لا يلتفت لها احد، فهذا القرار يأتي في سياق تلك الخطة التي أعلنها نتنياهو أمام "مؤتمرهرتسليا للأمن والمناعة القومية" في مطلع شباط/2010حيث قال "إن ضمان وجودنا متعلق ليس فقط بمنظومات السلاح أو قوة الجيش أو قوة الاقتصاد أو بقدرتنا على التجديد، أو التصدير، وبكل مكامن القوى تلك التي تعتبر هامة جدا، بل متعلقة قبل كل شيء بما نحمله من معرفة ومشاعر وطنية، والذي ننقله لأبنائنا، وفي جهازنا التعليمي".

وأعلن أن خطته تشمل أيضا إقامة دربين للمشاة، إلى جانب "درب إسرائيل" القائم، "درب تاريخية" تصل بين عشرات المواقع الأثرية، ودرب "المسيرة الإسرائيلية" الذي سيصل بين عشرات المحطات المتعلقة بتاريخ "الييشوف" اليهودي"، كما تشمل الخطة تحويل مبان قائمة إلى مواقع أثرية، وإقامة مواقع توثق مسيرة الاستيطان، ومتاحف صغيرة ونصب تذكارية، وتنص الخطة على تهويد 150 موقعا أثريا لربطها "بمسار تاريخي توراتي" مشترك من شمال البلاد إلى جنوبها بغية تعريف الأجيال الناشئة بالتراث اليهودي والصهيوني.

الأحزاب اليمنية والجماعات الاستيطانية سارعت إلى إبداء سرورها، وقال رئيس المجلس الإقليمي للمستوطنين، داني ديان "إن القرار هو انجاز هام وتاريخي للشعب اليهودي". بل أبعد من ذلك هناك شبه إجماع توراتي سياسي استراتيجي صهيوني على خطة نتنياهو التي تهود التاريخ بعد أن تم تهويد الجغرافيا.

إذن- فان قرار السطو على الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال يأتي في سياق الخطة النتنياهوية الرامية إلى تهويد المعالم الدينية والتراثية والتاريخية العربية في فلسطين، بعد أن كانت تلك الدولة قد سطت على الجغرافيا الفلسطينية من بحرها إلى نهرها، في إطار اختراع دولة "إسرائيل".

وليس ذلك فحسب، فوفق كمٍ كبيرٍ من المعطيات والأدبيات الصهيونية، هناك شبه إجماع سياسي حول اعتبار المدينة "مدينة الآباء والأجداد" و "يحق لليهود السكن فيها"، وتقف دولة الاحتلال الصهيونية بكل ثقلها وراء هذا الموقف السياسي شبه الإجماعي، فقد كان أشار استطلاع للرأي العام الإسرائيلي إلى "أن 73% من الإسرائيليين يشعرون بارتباط –مشاعري وأيديولوجي ديني تجاه مدينة الخليل"، ويعتبرونها "مدينة الآباء والأجداد/ يديعوت احرونوت".

وعن الموقف الرسمي الإسرائيلي في هذا الصدد نعود إلى أدبياتهم السياسية، فعندما كان أعلن نتنياهو عشية التوقيع على اتفاق الخليل قائلاً: "يجب أن أوضح أننا لا نترك الخليل وإنما نعيد الانتشار فيها، والجيش الإسرائيلي سيواصل السيطرة عليها"، و"أن الهدف يجب أن يكون ضمان استمرار الاستيطان اليهودي في الخليل من خلال السيطرة على الأماكن المقدسة"، و"أن مدينة الخليل هي المفترق الأكثر حساسية في النزاع القائم بين إسرائيل والفلسطينيين.. وأنها رمز العلاقة الوثيقة للشعب اليهودي بأرض إسرائيل"، فإنه في الحقيقة لم يكن يمثل نفسه وإنما كان يمثل تيارً سياسياً أيديولوجياً عريضاً يطالب بمواصلة تهويد مدينة الخليل ومواصلة السيطرة الإستراتيجية الإسرائيلية عليها.

ذلك هو الموقف الرسمي الإسرائيلي تجاه مدينة الخليل، وتلك هي السياسة العملية، التي طبقتها الحكومات العبرية المتعاقبة، على أرض الخليل منذ احتلالها في العام 1967.

وعلى أرضية هذا الموقف إزاء مكانة وواقع وحاضر ومستقبل الخليل ، فقد شهدت المدينة وشهد أهلها على مدى سنوات احتلالها الماضية، مشاريع ومخططات وحملات استيطان وتهويد وإرهاب احتلالي مستمرة مسعورة من جهة، ومسيرة نضال وتصد وتضحيات فلسطينية متصلة ذودا عن عروبة وإسلامية المدينة من جهة أخرى.

وفي سياق ذلك كان شارون وضع مدينة خليل الرحمن بعد المدينة المقدسة، على قمة أجندته التهويدية، لدرجة أن اعتبر "أن الجيب الاستيطاني في الخليل ورقة استراتيجية بيد إسرائيل"، ما ينطوي على مضامين ودلالات وتداعيات بالغة الخطورة على مصير المدينة.

فحينما تكون الخليل ورقة استراتيجية بيد "إسرائيل"، فإن ذلك لا يعني سوى أمر واحد: أن هذه المدينة الإبراهيمية المباركة تتعرض إلى اجتياح واكتساح تهويدي استراتيجي قد يحسم مصير المدينة ومستقبلها إلى أبد الآبدين.

ولعل قراءة أهم عناوين المشهد الماثل على ارض الخليل يشرح لنا المغازي والمخاطر الحقيقية وراء "أن تكون الخليل ورقة استراتيجية..."؟!
فالاستيطان اليهودي في الخليل هو أولا وقبل كل شيء استعمار وسلب ونهب وسطو مسلح ومصادرات وجدران عنصرية وحصارات وأطواق وحواجز وقمع وتنكيل.. والأخطر انه اجتثاث واقتلاع وإلغاء وترحيل - ترانسفير- لأصحاب الأرض والوطن والتاريخ والتراث...!.

فالمدينة القديمة وفق جملة من التقارير الفلسطينية والأجنبية تتعرض إلى عملية ذبح منهجية للتاريخ والحضارة والتراث والوجود العربي فيها.
والمدينة تحولت في الآونة الأخيرة إلى معسكر اعتقال للفلسطينيين هناك، وتتعرض على مدار الساعة إلى اعتداءات المستوطنين الإرهابيين المدججين بالأسلحة تحت سمع وبصر وغطاء الجيش.
وحرب الاستيلاء على المنازل العربية هناك لا تتوقف أبدا..
والجيش والمستوطنون عبارة عن حكومتين تبطشان بأهل المدينة بيد واحدة، إذ اقترف المستوطنون على سبيل المثال لا الحصر نحو ألف عملية مداهمة و 107 هجمات على أهالي البلدة القديمة خلال ستة أشهر فقط.
فالبلدة القديمة باتت في ضوء كل ذلك الوجه الحزين لمدينة الخليل.

واستيطانيا هناك نحو 27 مستوطنة يهودية على أراضي محافظة الخليل، و23 بؤرة استيطانية تمت إقامتها خلال السنوات الماضية وهي مرشحة لان تتحول إلى مستعمرات.
ويضاف إلى ذلك جدار العزل والضم والتهويد الذي يبتلع حسب التقارير الفلسطينية حوالي 52% من مساحة المحافظة تصوروا.. بينما سيبقى نحو 48% لأهل الخليل..

ومائيا.. فالخليل تحتاج إلى نحو -35- ألف متر مكعب من المياه، ولا يصلها سوى حوالي 5 آلاف متر مكعب فقط، وكل المياه هناك تذهب للمستعمرات اليهودية، والنسبة هي "30" لتر مياه للمواطن الفلسطيني مقابل -300- لتر للمستوطن اليهودي.

قدمت مدينة خليل الرحمن خلال انتفاضة الأقصى نحو 5000 آلاف بين شهيد وجريح ومعتقل، بينما هدمت جرافات الاحتلال آلاف المنازل، ناهيك عن اقتلاع عشرات آلاف الأشجار المثمرة وتخريب الأراضي الزراعية أو مصادرتها.

الخليل الحزينة التي تتعرض لهجوم صهيوني استراتيجي تسطر ملحمة صمود وبقاء وتحد عظيمة.. وعيون أهلها كما عيون أهل القدس وفلسطين تتطلع إلى أحوال بني يعرب على امتداد خريطة العرب...؟!!
فحينما يسطو الاحتلال على الحرم الإبراهيمي الشريف هكذا في وضح النهار على مرأى من العرب والمسلمين تتوقع خليل الرحمن منهم أن يتحرك فيهم نبض العروبة والإسلام...!

التعليقات