31/10/2010 - 11:02

أزمة في فتح أم انقلاب على الأهداف؟/ بلال الحسن

حركة التحرر الوطني الفلسطينية تتلاشى والسؤال كبف يتم بناؤها من جديد؟

أزمة في فتح أم انقلاب على الأهداف؟/ بلال الحسن
يودع الفلسطينيون العام 2005 أسوأ توديع، فهو ينقضي بينما يخيم فوق رؤوسهم البيان الأخير للجنة الرباعية الدولية (29/12/2005)، البيان الذي يتبنى الموقف الإسرائيلي الذي يدعو السلطة الفلسطينية إلى "ضرب البنية التحتية للإرهاب"، رافضا منهج الرئيس محمود عباس (ابو مازن) الذي يعتمد منهج "التهدئة" بالاتفاق مع الفصائل الفدائية كافة. وقد جاء هذا الموقف معطوفا على موقف آخر يدعو السلطة إلى منع ترشيح أشخاص لهم ماض في العمل العسكري ضد إسرائيل ولم يعلنوا بعد اعترافهم بحق إسرائيل في الوجود، وهو موقف يعني في هذه اللحظة منع اشتراك حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، إلا إذا أعلنت انصياعها للصيغة الأميركية ــ الإسرائيلية للتسوية.

لقد سبق للولايات المتحدة الأميركية أن أعلنت تأييدها لأربعة مواقف إسرائيلية ضد أربعة مطالب فلسطينية. أعلنت في لقاء شهير بين جورج بوش وآرييل شارون: تأييدها لعدم عودة إسرائيل إلى حدود 1967، وتأييدها لبقاء المستوطنات الكبيرة المحيطة بالقدس وضمها إلى دولة إسرائيل، وتأييدها للرفض الإسرائيلي لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وأخيرا تأييدها ليهودية دولة إسرائيل. وها هي الآن ومن خلال اللجنة الرباعية تنتزع قرارا يمهد الطريق لإرهاب فلسطيني داخلي (القمع)، أو لحرب أهلية فلسطينية، ويمهد الطريق أيضا لما هو أخطر: تحديد المنهج، وتحديد الأشخاص الذين يحق لهم أن يشكلوا السلطة الفلسطينية الجديدة. وتحديد المنهج وتحديد الأشخاص الذين لا يحق لهم أن يكونوا جزءا من السلطة الفلسطينية الجديدة. وبهذا الموقف تدخل الولايات المتحدة الأميركية ومعها اللجنة الرباعية، كطرف فاعل في أزمة حركة فتح وفي أزمة السلطة الفلسطينية. إنها تنحاز إلى جانب ضد آخر. وغدا تستطيع الولايات المتحدة الأميركية، واستنادا إلى قرار اللجنة الرباعية، أن تقول أنها لا تقبل بوجود هذا الشخص أو ذاك من حركة فتح، لأن له ماضيا عسكريا، أو لأن موقفه من حق إسرائيل في الوجود يشوبه الغموض.

إن المتمردين على حركة فتح سبق لهم وأن رفعوا شعارا يدعو إلى إسقاط قيادة حركة فتح التاريخية (اللجنة المركزية)، داعين إلى انتخاب قيادة جديدة من أعضاء الداخل (!!)، وقرار اللجنة الرباعية الجديد، والذي تفوح منه الرائحة الأميركية، هو، وبالرغم من صياغته الدبلوماسية، قرار يتبنى نهج الداعين إلى التخلص من حركة فتح التاريخية، واستيلاد حركة من نوع جديد، حركة مطواعة، تهتم بشؤون الداخل، وتقطع بينها وبين الشعب الفلسطيني في الشتات. والمطلوب من هذه الحركة الوليدة، والتي ستحمل أيضا إسم "فتح"، أن تتولى ضرب حركة حماس، وضرب كل تجمع شعبي انبثق عن حركة فتح التاريخية وساهم في الانتفاضة الأخيرة (نابلس، جنين، طولكرم، الخليل، غزة، رفح، خان يونس). وعليها بعد أن تنجز هذه المهمة الأولى أن تقدم على إنجاز المهمة الثانية، وهي مهمة التوقيع على التسوية السياسية التي تريدها إسرائيل، والتي بلورها آرييل شارون، ورسم حدودها من خلال بناء الجدار العازل، وهو الذي أعلن قبل أيام أن حزبه الجديد (كديما ــ إلى الأمام) سوف يقرر بعد الانتخابات الحدود النهائية لدولة إسرائيل.

أين يقف الرئيس محمود عباس من هذا الصراع المحتدم من حوله؟ هناك قراءتان لموقف عباس تستند كل واحدة منهما إلى شواهد مثبتة. قراءة أولى ترى أنه هو أيضا مستهدف في خطة القضاء على حركة فتح التاريخية باعتباره رمزا أساسيا من رموزها، ومن هنا الأنباء التي بدأ الترويج الإسرائيلي لها عن عزمه على الاستقالة. وقراءة ثانية ترى أنه يلعب لعبة مزدوجة، إذ يرعى القيادة التاريخية من جهة، ويتفاوض مع الداعين لإسقاط هذه القيادة من جهة أخرى، معتبرا أنه سيكون كاسبا في الحالتين، وسيكون مكرسا من قبل أي فريق فتحاوي يفوز في هذا الصراع. ولكن هناك من يرى أن الأوان قد فات على هذه اللعبة المزدوجة، وأن العاملين على ضرب حركة فتح التاريخية واستيلاد حركة فتح جديدة تتعاون مع المحتل وتقبل شروطه، قد قاموا حتى الآن بحركتي انقلاب لتحقيق هدفهم هذا. قاموا بحركة الانقلاب الأولى ايام الرئيس الراحل ياسر عرفات فيما عرف باسم (تمرد غزة)، واستطاع عرفات بما له من مكانة معنوية، وبمساندة حركة حماس لموقفه، أن يقضي على هذا التمرد في حينه. وقد تم إنجاز الإنقلاب الداخلي الثاني في الأشهر والأسابيع الماضية التي شهدت ما يسمى أزمة فتح وصراع القوائم الانتخابية فيها. وقد نجح هذا الانقلاب وأصبح مسيطرا، وتكرس نجاحه حين قبل الرئس عباس أن يتفاوض معه لصياغة قائمة جديدة لحركة فتح، بعيدا عن اللجنة المركزية والقيادة التاريخية التي تمثلها.

ويمكن أن نمضي بعيدا في تقصي تفاصيل الصراع وتطوراته، وفي وصف الوضع الجديد الذي سينشأ، ولكن من الأفضل بدلا من ذلك أن نحاول الوقوف عند القضايا الفلسطينية الاساسية التي ينتجها هذا الوضع.

لقد أدت اتفاقية اوسلو عمليا إلى إزاحة منظمة التحرير الفلسطينية عن واجهة الصراع، وحلت السلطة الفلسطينية عمليا محل منظمة التحرير الفلسطينية، وكان الرئيس عرفات آخر حلقة رابطة بين المؤسستين. وتم في غيابه الإجهاز على ما تبقى من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. تم الإجهاز على الاستقلال المالي لمنظمة التحرير من خلال ربط الصندوق القومي الفلسطيني بوزارة مالية السلطة. وتم الإجهاز على استقلالية الدائرة السياسية في منظمة التحرير، وعلى وزارة خارجية دولة فلسطين التي يتراسها فاروق القدومي (أبو اللطف)، وذلك من خلال ربط السفراء والسفارات بوزارة الشؤون الخارجية التابعة للسلطة.

وحاليا .... يؤدي الصراع القائم، إلى إزاحة حركة فتح التاريخية عن واجهة الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، وعن واجهة السلطة الفلسطينية، ويتقوى يوما بعد يوم، تيار يتطلع إلى حركة تسمى فتح ولكنها لا تتواجد إلا في الضفة الغربية وقطاع غزة. حركة تقطع بين "الداخل"الفلسطينيي و "الخارج" الفلسطيني، وتبدي استعدادها لقبول مواقف سياسية لم تكن حركة فتح التاريخية لتقبلها.

وحين يتحقق هذان الأمران، تكون حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وبالصورة التي عرفت بها، قد دخلت مرحلة تلاشيها. وهذا هو السبب الذي يدفع إلى القول بأن أزمة حركة فتح ليست أزمة تنظيمية داخلية، بل هي أزمة وطنية فلسطينية.

إن التجسيد العملي لبدء تلاشي حركة التحرر الوطني الفلسطينية، يتمثل في القضايا التالية:

أولا: انسداد أفق التسوية السياسية، واندفاع إسرائيلي نحو حل مفروض أحادي الجانب، ومن دون مفاوضات، أو تكون المفاوضات فيه من أجل القبول والتوقيع فقط.

ثانيا: انسداد أفق بناء دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وقيام كانتونات منفصلة، تقوم السلطة الفلسطينية فيها بدور "التقاسم الوظيفي". وقد تبلور ذلك عمليا منذ أن أعلن شارون خطته للانسحاب من قطاع غزة، والاستيلاء على القدس ونصف الضفة الغربية، من أجل رسم الحدود النهائية لدولة إسرائيل.

ثالثا: انهيار المؤسسة التي لعبت دورا تاريخيا بارزا في تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني السياسية، أي منظمة التحرير الفلسطينية، وهو انهيار يترافق مع تأكيدات إسرائيلية وأميركية على رفض البحث في حق العودة من حيث المبدأ، وهو الحق الذي يتعلق بمصير نصف الشعب الفلسطيني إن لم يكن أكثر.
وعلى ضوء هذه الحقائق المرة، فإن على من يتصدى لأية مناقشة حول الوضع الفلسطيني، أن يطرح على نفسه السؤال المركزي: كيف يمكن إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية؟ ما هي الآلية المطلوبة؟ ما هي الشعارات الأساسية اللازمة لإعادة البناء؟

إنه وضع صعب. وإنها لمهمة صعبة. ولكن هذا هو المدخل المنطقي الوحيد للبحث والمواجهة، وإلا سنكون قد دخلنا في ما يشبه دول الطوائف، حيث النتيجة معروفة سلفا.

_______________
الرباط 29/12/2005

التعليقات