31/10/2010 - 11:02

أسطورة "المغرب العربي الكبير" وواقع الحدود../ ياسين تملالي*

أسطورة
تمخّض جبل الوحدة المغاربية عشرين سنة فولد فأراً. عشرون سنة مرّت على ميلاد «اتحاد المغرب العربي» ولا دليل على وحدة مغاربية ولا على شبه وحدة. لا دليل، ولو قمّة سياسية واحدة منذ قمة تونس في نيسان / أبريل 1994. منذ «وُلد» الاتحاد في 17 شباط / فبراير 1989 بإمضاء معاهدة مراكش (هل تحقّق الأطباء يومها من أنه لم يولد ميتاً؟)، وقّع أعضاؤه الخمسة نحو ثلاثين اتفاقية، «لكنهم لم يصدّقوا أكثر من سبع منها»، وحتى «هذه الاتفاقيات السبع لم تترجم بعد على الأرض».

لست أنا، المتشائم سليط اللسان، قائل هذا الكلام. قائله سعيد مقدم، الأمين العام للمجلس الاستشاري المغاربي.

وقد يُقال إن المهم ليس تصديق اتفاقيات هي حبر على ورق، وإن الحركية الاقتصادية الحقيقية هي التي تجعل الوحدة المغاربية واقعاً ملموساً. ماذا عن هذه الحركية؟ شبه منعدمة. فالتبادلات التجارية بين دول الاتحاد المغاربي مثلاً ضعيفة لا تتعدى 1،2 في المئة من إجمالي تبادلاتها (إحصائيات 2006)، هذا فضلاً عن أن المواد الطاقوية تمثّل قرابة نصفها (45،5 بالمئة).

وقد يُقال إن هشاشة الاندماج الاقتصادي لا تدل بالضرورة على عدم صدق نوايا الوحدة، وخصوصاً أن هذا الاندماج هو أساساً مطلب للرأسمالية العالمية، عبّر عنه بوضوح المدير العام لصندوق النقد الدولي، دومينيك شتراوس كاهن، حين دعا البلدان المغاربية إلى أن «تطبّق في ما بينها نموذج علاقات كل واحد منها مع أوروبا».

ما الدليل على صدق نوايا الوحدة إذاً؟ «حرية تنقّل الأشخاص»، وهي أحد أهداف الاتحاد المغاربي بنص المادة الثانية من معاهدة مراكش؟ الجواب أن هذه الحرية تدهورت بصورة ملحوظة منذ 1989، ولنحكم على ذلك: الحدود البرية بين الجزائر والمغرب مغلقة، لم تفتح منذ 1994 سوى مرة واحدة، في 20 شباط / فبراير 2009، لتعبرها قافلة تضامن بريطانية مع فلسطينيي غزة.

ويؤدي إغلاق الحدود إلى حدوث حالات عبثية نكتفي بذكر واحدة منها. فلكي يصل ساكن مدينة مغنية الجزائرية إلى وجدة المغربية، على الجهة الأخرى من الحدود، عليه أن يسافر أولاً إلى وهران، عاصمة الغرب الجزائري (180 كيلومتراً)، وأن يستقل منها طائرة تحط به في الدار البيضاء في المغرب (500 كيلومتر)، وأن يقطع بعد ذلك 400 كيلومتر شرقاً كي يصل وجدة، وكان بمقدوره أن يصلها في نصف ساعة لو لم يكن الاتحاد المغاربي محض أسطورة.

كذلك الحال بالنسبة إلى تنقّل الأشخاص بين تونس والجزائر. إذا استثنينا الطائرة، ما هي وسائل النقل العمومي المتوافرة بين البلدين؟ الجواب: وسيلة واحدة، يسميها الجزائريون والتوانسة «التاكسي الكلانديستان» (سيارة نقل غير قانونية). إذا أردت أن تعبر الحدود براً، فلا خيار لديك سوى أن تستقل إحدى هذه التاكسيات، وأن تتظاهر أمام الجمارك والشرطة الحدودية بأنك من أقرباء السائق أو أصدقائه، فلا حافلة لنقل الركاب ولا قطار ولا تاكسي جماعي بين «القطرين الشقيقين الذين اختلطت دماء شعبيهما في مجزرة ساقية سيدي يوسف الاستعمارية، في فبراير 1958».

هل وضع حرية تنقل الأشخاص أحسن حالاً على الحدود بين الجزائر وليبيا؟ لا، صحيح أن السلطات الليبية ألغت في حزيران / يونيو 2008 تعليمة كان حاملو الجنسيات المغاربية بموجبها مجبرين (كغيرههم من السياح) على إثبات امتلاكهم 1000 يورو وهم يدخلون جنة الجماهيرية العظمى. لكن: هل خمد توجّس السلطات الليبية الأسطوري من «الأشقاء المغاربيين»؟ لا، فهي مثلاً لا تزال تكيل للجزائريين من سكان المناطق الحدودية تهم الانتفاع من النظام الصحي الليبي، ناسية أن سفاراتها في كل الأقطار العربية تسمي نفسها «مكاتب الأخوّة»، وأن أبسط واجبات الأخوّة التكفل بالأخ المريض.

أما شرطة الحدود الليبية، فحدث ولا حرج عن فظاظتها، فقد سبق لها مراراً أن احتجزت مواطنين مغاربيين لا لذنب سوى رغبتهم في عبور التراب الليبي. لا دليل طبعاً على أن هذه الاحتجازات لن تتكرر، فالتكهن بمزاج حكام طرابلس رابع المستحيلات، وليس من المستبعد أن يفرضوا التأشيرة على «الأشقاء» وقد هددوا بذلك غير مرة.

كثيراً ما يُقال إنّ السبب الرئيسي في صعوبة تجسيد الوحدة المغاربية هو «عدم تفاهم الجزائر والمغرب على حل لمسألة الصحراء الغربية». وينمّ هذا الكلام عن سوء نية واضح: هل يفسر استعصاء حل هذه المسألة انعدام المواصلات البرية بين الجزائر وتونس؟ هل يفسر صعوبة التنقل بين الجزائر وليبيا وضعف التبادلات التجارية بينهما؟ كفى المغاربيين كذباً على أنفسهم.

الحقيقة أن عدم تسوية المشكل الصحراوي ليس سبب أزمة العلاقات المغاربية بل أحد أبرز تجلياتها. فإذا كان الهدف الأسمى هو تلاشي «الحدود التي وضعها الاستعمار» (بالمناسبة، هي كانت موجودة قبله)، فما يهم إذا كانت الصحراء الغربية صحراوية أو مغربية أو جزائرية؟
"الأخبار"

التعليقات