31/10/2010 - 11:02

الاستيطان أكثر من عقبة على طريق المفاوضات../ د.أحمد مجدلاني

الاستيطان أكثر من عقبة على طريق المفاوضات../ د.أحمد مجدلاني
انتهت، مساء الاثنين الماضي، جولة المفاوضات الثانية، والتي من المفترض وحسب ما اتفق عليه في أنابوليس ان تعيد إطلاق العملية التفاوضية على ملفات وقضايا الحل النهائي. وان كان يمكن ان يطلق على هذه الجولة كما الجولة الاولى بأنها استكشافية لاستطلاع مدى جدية حكومة أولمرت بإطلاق هذه العملية دون وضع العقبات والعراقيل أمامها، وبخاصة الإعلان عن بناء وحدات استيطانية جديدة داخل القدس وخارجها، أم ان هذه الحكومة ستغلب السلام باعتباره خيارا استراتيجيا ومصلحة لكافة الأطراف ويمكن صنعه الآن بعيدا عن سياسة الاملاءات وفرض الأمر الواقع.

النتائج التي تمخضت عنها الجولة الثانية، رغم الجدل المتعالي الأصوات داخل الساحة الفلسطينية، ليس على مبدأ المفاوضات وإعادة إطلاقها وان كان للبعض وجهة نظر بالمفاوضات من أساسها، وإنما على إجراء المفاوضات في ظل استمرار الحكومة الإسرائيلية في المضي بقرارها ببناء 307 وحدات في جبل أبو غنيم وكذلك الإعلان عن بناء نفس العدد تقريبا في مستوطنة معاليه ادوميم.

هذا الجدل الذي انطلق ومازال يدور حول تكتيك العملية التفاوضية ارتباطا بالاستراتيجية التفاوضية والقائمة على التمسك بالمرجعيات الدولية وقرارات الشرعية الدولية للعملية السياسية، ومن هنا فقد كان هذا الجدل يدور حول الذهاب للمفاوضات في ظل استمرار تعنت حكومة أولمرت ورفضها للقرارات الدولية، او تعليق العملية التفاوضية وتحميل حكومة أولمرت مسؤولية إفشال العملية التفاوضية قبل ان تنطلق.

وهذا الجدل ينطلق أساسا من انه لا يمكن الجمع ما بين المسار التفاوضي ومسار بناء المستوطنات، وبالتالي فإن استمرار العملية التفاوضية في ظل بقاء ونشاط المسار الاستيطاني فهذا يعني قبولا بالتوازي ما بين هذه المسارات، وهذا ما تريده حكومة أولمرت الآن من خلال إعلاناتها المتكررة ان البناء في جبل أبو غنيم لا يتناقض والتزاماتها بوقف الاستيطان باعتبار ان القدس هي جزء من أراضي إسرائيل وخاضعة لسيادتها.

هذا التفسير الذي تقدمه حكومة أولمرت لا يعني سوى شيء واحد وهو إخراج القدس من قضايا الوضع النهائي سلفا، واعتبار ان الإجراءات الإسرائيلية قانونية وشرعية وبموافقة الطرف الفلسطيني الذي واصل العملية التفاوضية في ظل استبعاد القدس كقضية تفاوضية، وكذلك في ظل مواصلة سياسة مصادرة الأراضي والاستيطان عليها، في حين ان جوهر العملية التفاوضية والقائمة على قرارات الشرعية الدولية التي تشكل مرجعية لها تقوم على ضمان انسحاب إسرائيل عن الأراضي التي احتلت عشية عدوان الخامس من حزيران عام 1967.

وأيا كان الاجتهاد التفاوضي سواء كان بالمقاطعة او التعليق او بالمشاركة وخلق استعصاء تفاوضي والتمترس عند النقطة الاولى من جدول الأعمال وهي وقف جميع النشاطات الاستيطانية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه إلى أي مدى يمكن ان يستمر هذا الموقف؟ وهل من الممكن ان يحقق الغرض المطلوب منه باستدعاء تدخل دولي فاعل لإنقاذ العملية التفاوضية من الانهيار قبل ان تبدأ ؟ وما هي حدود وقدرة التدخل الدولي وخصوصا الإدارة الأميركية؟ وهل هي جادة ومعنية بنجاح العملية السياسية والوصول فعلا للسلام في المنطقة ؟ وكذلك الحال هل الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الحالية معنية بالسلام ؟ وهل هي قادرة على اتخاذ قرار تاريخي واستراتيجي بصنعه؟ وما هي الحدود الممكنة التي تستطيع الذهاب إليها؟ في ظل رهان كافة القوى المشاركة فيها على الانتخابات القادمة سواء كانت المبكرة أم الاعتيادية مطلع عام 2010، خاصة ان القدس تشكل عامل إجماع قوميا لدى جميع الأحزاب الصهيونية، وبالتالي فرهان أولمرت وباعتباره رئيسا لبلدية القدس سابقا هو على لعب ورقة القدس الكبرى كما كان خطط لها بإحداث تغييرات ديمغرافية كبيرة فيها لجعلها ذات أغلبية يهودية وتقليص عدد الفلسطينيين إلى اقل من 20% من عدد سكانها.

كما يتطلب الأمر طرح بعض التساؤلات حول جاهزية وقدرة الطرف الفلسطيني على إدارة هذه العملية التفاوضية الصعبة والقاسية؟ وتحمل الضغوط الخارجية في ظل الانقسام ليس السياسي فحسب وإنما الديمغرافي وكذلك التشكيك في وحدانية تمثيل القيادة الفلسطينية للشعب الفلسطيني.

ان طرح هذه الأسئلة ونقاشها ليس من موقع الترف الفكري او الفنتازيا السياسية، وإنما انطلاقا من أهمية إجراء جردة حسابات دقيقة وصولاً لصياغة تقدير موقف يمكن ان يسهم بوضع استراتيجية وتكتيكك تفاوضي، ويسهم أيضا بوضع خيارات او سيناريوهات مختلفة للعملية السياسية والنتائج المتوقعة عند كل خيار من الخيارات.

المشكلة الأساس في طرف المعادلة الآخر هي ان حكومة أولمرت غير جاهزة وغير معنية بالتوصل إلى صنع سلام في هذه المرحلة، وهي تعتقد ان هذه المرحلة هي من أفضل الأوقات التي تمر بتاريخ إسرائيل ومن الممكن استثمارها لفرض تسوية تتفق والرؤية الاستراتيجية للأمن الإسرائيلي القائم على الهيمنة والتوسع. وهذا الاعتقاد الذي ربما يجمع عليه غالبية قادة إسرائيل بصرف النظر عن تلاوينهم السياسية والفكرية ينطلق من المعطيات التالية :

- ان الإدارة الأميركية عاجزة وضعيفة وهي غير قادرة على إدارة الأزمات المتفاقمة التي تواجهها في المنطقة، علاوة على إنها فشلت في تكتيل موقف دولي لعزل او ضرب إيران وحملها على وقف برنامجها النووي كما ان فرص فوز الحزب الجمهوري وعودته للحكم باتت ضعيفة ارتباطا بهذه الأزمات، لذلك لا ترى حكومة أولمرت ان الإدارة الأميركية جادة او قادرة على فرض ضغوط عليها لإنجاح العملية التفاوضية كأساس لنجاح مؤتمر أنابوليس والذي يشكل حجر الزاوية في المشروع الأميركي للخروج من أزمات المنطقة، والذي يشكل النجاح فيها احد العوامل الأساسية المساعدة في قدرة الحزب الجمهوري الانتخابية.

- الموقف العربي وان بدا متماسكا حول شروط المشاركة في أنابوليس وتمسكه بمبادرة السلام العربية، وادارته للضغوط الأميركية ومحاولة توظيفها الخطر النووي الإيراني لابتزازه لبناء جبهة عريضة تضمهم وإسرائيل تحت قيادة الولايات المتحدة لعزل إيران وضربها، رغم ذلك فإن الموقف العربي الذي يعاني من ثغرات كثيرة تتصل بترجمة مبادرة السلام لخطة عمل ذات آليات محددة، يمكن ان تحدث تأثيرا وفاعلية في الموقف الإقليمي والدولي.

- أزمة الوضع الفلسطيني الداخلي وانقسامه، والتذرع بعدم قدرة القيادة الفلسطينية على ترجمة الاتفاقيات التي توقعها بسبب ضعفها وعدم سيطرتها على الوضع وخروج قطاع غزة من تحت سلطاتها الفعلية.

ان جملة هذه المعطيات التي ذكرت، تدلل ان خيار الاستيطان هو الخيار الأساس لدى حكومة أولمرت، وان خيار التأزيم او الاستعصاء التفاوضي من خلال الاشتباك التفاوضي قد يفي بالغرض لجلسة او جلستين قادمات إلا انه قد لا يعطي الجدوى المتأملة منه على المدى البعيد.

وقد يصبح رفع وتيرة التأزيم قبل زيارة الرئيس بوش للمنطقة أوائل الشهر القادم، وتعرية أية إجراءات تجميلية قد تلجأ لها حكومة أولمرت برفع بعض الكرافانات المتناثرة هنا وهناك كدلالة على الالتزام بخطة خارطة الطريق بإزالة ما يسمى المستوطنات العشوائية، قد يكون الإسراع بهذه الخطوات ذوا أهمية بالغة حتى لا ينقلب الموقف في ضوء التحركات الإسرائيلية وقدرة قوى الضغط الصهيوني في أميركا على التأثير على الإدارة الضعيفة من ابتلاع طعم تنفيذ التزامات خطة خارطة وإحداث انقلاب بالموقف الأميركي والدولي للضغط علينا للمضي بالمفاوضات رغم بقاء واستمرار المسار الاستيطاني في القدس وغيرها.

التعليقات