31/10/2010 - 11:02

التحدي الذي يطرحه التجمع وازدواجية الجبهة الديمقراطية../ د.أمنون راز*

التحدي الذي يطرحه التجمع وازدواجية الجبهة الديمقراطية../ د.أمنون راز*
قبل عدة أسابيع نشرت نداء طالبت فيه بتشكيل قائمة تحالفية عربية. واعتقدت، كغيري، أنه بمثل هذه القائمة فقط يمكن طرح تحد مهم أمام المجتمع الإسرائيلي، واستغلال المعركة الانتخابية لخوضها انطلاقا من الأسس المشتركة لكافة الأحزاب المختلفة، مثلما تم التعبير عنها في الوثائق التي طالبت بدمقرطة الدولة.

ولكن تم إفشال هذه المحاولة، وخاصة من قبل الجبهة الديمقراطية. واستغل ناشطو الجبهة هذه الفرصة من أجل التحريض ضد التجمع الوطني الديمقراطي، وإبراز الفروق بين توجه الجبهة "الاجتماعي"، وبين توجه التجمع الذي جرى وصفه بـ"القومي المتطرف" و"الانعزالي". وقد أكدوا بذلك على مدى عمق موقف "سحب الشرعية" والحوار الاستعماري لـ"المعتدلين" مقابل "المتطرفين".

برأيي، فإن هذا الانقسام هو جزء من انتصار السياسة الإسرائيلية، والتي كان هدفها تقسيم الشعب الفلسطيني، إلى "مواطنين" و"سكان الضفة الغربية وقطاع غزة" و"لاجئين"، وإلى "فتح" و"حماس"، وإلى أحزاب إسرائيلية. والآن، وبدلا من الوقوف صفا واحدا في مواجهة التطرف والعنف الإسرائيلي، فإن الأحزاب العربية تصارع بعضها البعض.

ويبدو لي، كيهودي يطمح إلى خلق حوار حقيقي وخلق واقع من المساواة والشراكة، أنه تم تفويت فرصة تاريخية. أضف إلى ذلك أنه بعد أيام معدودة وقفت كل هذه الأحزاب سوية وكل على حدة، ضد "البوغروم" العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، وضد الاعتقالات والتحقيقات التي أجريت مع متظاهرين عرب في أعقاب ذلك. وسوف يقفون، سوية وكل على حدة، في كل الصراعات المركزية التي سوف تشغلنا بعد الانتخابات.

واتضح لاحقا أن معارضة الجبهة للوحدة لا تعكس فروقات عميقة، وتشير إلى معارضة الجبهة لأي خروج عن الإجماع. تجدر الإشارة إلى أن عضو الكنيست دوف حنين، وفي كل فرصة، وسواء طلب منه أم لم يطلب، يبادر إلى التأكيد على أن الجبهة ليست حزبا عربيا، كما سبق وأن بادر إلى تمييز الجبهة عن باقي الأحزاب العربية، التي اعتبرها: انعزالية وسلفية، في حين أن الجبهة متنورة.

ويعود الأساس في ذلك إلى توقعات الجبهة بحصول زيادة معينة في قوتها في الشارع اليهودي، على خلفية النجاح النسبي لدوف حنين في الانتخابات لرئاسة بلدية تل أبيب. وأشير هنا أن ذلك لا يزعجني، خاصة وأن مبدأ الشراكة المتساوية بين اليهود والعرب هو بنظري هدف سام عملت لأجله طيلة حياتي.

والسؤال هو ما هو الثمن مقابل ذلك. ويتضح أن الثمن باهظ جدا. فالجبهة هي بالطبع حزب عربي، وكان عدد مصوتيها العرب في الانتخابات السابقة يشكل أكثر من 95% من مصوتيها، وهذه النسبة، على ما يبدو، لن تتغير بشكل ملموس في هذه المرة، بالرغم من احتمال أن الكثيرين ممن خذلهم اليسار الإسرائيلي سيجدون الجبهة مكانا مريحا لهم. غالبية الصراعات التي سيخوضها أعضاء الكنيست سوف تتركز حول قمع الأقلية العربية ومقاومة الاحتلال. وفي جميع هذه القضايا سوف يقف أعضاء الكنيست من الجبهة مع باقي أعضاء الكنيست العرب سوية، لوحدهم.

إن تعريف الجبهة على أنها "ليست عربية" لا يشير إلى "حركة يهودية عربية"، لأن البيانات الإعلامية للجبهة في الشارع العربي والشارع اليهودي مختلفة تماما. وباسم "الشراكة" فهي تفصل بين اليهود والعرب، بل تستمر، ضمنا، في خط الشطب المطلق لخصومها العرب.

وفي المقابل، ومن أجل الحصول على تأييد في الشارع اليهودي، فإن الجبهة على استعداد للتنازل عن الصراع القومي للعرب في البلاد، وإخفاء الموقف القومي لجزء كبير من مصوتيها عن اليهود. وهي تساهم في خلق أوهام كاذبة حول المجتمع المدني من خلال تجاهل الأساس المركزي للقمع، وهو الأساس القومي. ولكن لا يمكن الحديث عن مساواة وعدل من خلال تجاهل الأساس المركزي لغياب المساواة والعدل، كما يفقد الحديث عن "البرنامج الاجتماعي" أي معنى له.

وقد تم التعبير عن ذلك خلال الانتخابات لبلدية تل أبيب، حيث تجاهلت الجبهة بشكل مطلق مسألة حقوق الأقلية العربية، الأمر الذي دفع مؤيديها العرب في يافا إلى التنافس في قائمة منفصلة سوية مع قائمة التجمع الوطني الديمقراطي. وهناك تم وضع اتجاه الجبهة القطري كحزب "غير عربي"، وفي الواقع كـ"حزب يهودي". وتقترح الجبهة على مصوتيها اليهود هوية مريحة تقوم على قيم لا يمكن عدم التماثل معها، وتقوم على إمكانية تجاهل القضايا الحقيقية التي تقف على جدول الأعمال.

وتجلى هذا الأمر بشكل واضح في دفتر صغير باللغة العبرية، قام ناشطو الجبهة بتوزيعه. تضمن الدفتر أمورا جميلة تستحق أن نوافق معهم عليها. العدل الاجتماعي ومساواة المرأة، كما يحتل موضوع حماية البيئة مساحة واسعة. ولكن أمرا واحدا هو غير واضح: لا يوجد ذكر للعرب، وإنما يرد ذكر "اليهود والعرب" سوية (إلى جانب الرجال والنساء) عدة مرات، ولكن ليس العرب كأقلية قومية، وبالتأكيد ليس كمجموعة تأسس تعريف الدولة على نفيها.

الجبهة لا تطالب حتى بشراكة حقيقية، وأما شعار الماضي "أخوة يهودية عربية" فقد تم استبداله بصياغة غريبة جديدة "العرب واليهود لا يريدون أن يكونوا أعداء"، وهو ما يمكن أن يناسب تسيبي ليفني أيضا. ولم يطرح السؤال عن الشروط التي يجب أن تتوفر حتى لا يكونوا أعداء. وهذا التغيير في الشعار يؤكد على التغيير الذي مرت به الجبهة من أجل إفشال وحدة الأحزاب العربية.

وفقط في الصفحة العاشرة في الدفتر يتذكرون في الجبهة أنه يجب الحديث عن حقوق العرب. ولكن ليس بشكل حقيقي، وإنما من خلال اقتباس أقوال من تقرير "لجنة أور"، الذي يتضمن: "أن الدولة لم تعمل بما فيه الكفاية، ولم تبذل الجهد الكافي، من أجل منح المساواة لمواطنيها العرب، وإزالة ظاهرة التمييز والاضطهاد".

لا يوجد للجبهة ما تقوله عن حقوق العرب في البلاد سوى ما ورد ذكره. ولا يوجد أي شخص في "ميرتس" أو "العمل" يرفض التوقيع على ذلك. لم يذكر أي شيء عن الأسس الواردة في تعريف الدولة والتي تبقي التمييز ضد العرب، مثل مصادرة الأراضي وهدم البيوت (التي تذكر ضمن الصراع الاجتماعي). وفي مكان آخر يتحدثون عن "حقوق الأقليات". لحسن الحظ لم يستخدموا شعار " اليهود وأبناء الأقليات لا يريدون أن يكون أعداء"، حيث أنه من الممكن أن يتم اقتراح ذلك كشعار لحرس الحدود.

في البرنامج السياسي للجبهة هناك توسع في الموضوع، خلافا لما ورد في الدفتر المذكور، ولكن في الفصل الخامس هناك فقط. حيث ترد صياغة منسوخة عن البرنامج الأصلي لـ"الانعزاليين في التجمع الوطني الديمقراطي": الاعتراف بالعرب كأقلية قومية، وتغيير طابع الدولة ورموزها. ولكن لا يتم ذكر هذه الأمور أمام اليهود، وإنما فقط يتفاخرون بقانون يمنع "انبعاث الغازات". والمشكلة أن السبب في عدم تمكن العرب (وليس فقط العرب) من التنفس في الدولة ليس بيئيا وإنما هو سياسي.

ولكن الأمور أخطر من ذلك. الجبهة لا تتردد في شطب ومحو الأحزاب العربية الأخرى بشكل مطلق. وفي الصفحة الخامسة من الوثيقة يظهر تصريح سياسي وحيد: "فقط الجبهة تقف ضد الحرب في الزمن الحقيقي، وليس لاحقا. وفي الحربين الأولى والثانية على لبنان، والحرب الحالية على قطاع غزة، كان الجبهة تقف لوحدها ضد الحرب".

هل حقا لوحدها؟ ألم يكن هناك أحزاب أخرى تعارض الحرب؟ أم أن هذه الأحزاب ليست ذات صلة لكونها أحزابا عربية؟. وهكذا وبوقاحة وبدون خجل يؤسس ناشطو الجبهة لخط ليبرمان، ويسحبون شرعية الأحزاب العربية الأخرى. وهنا يكون الخط الذي يفسر لماذا يعكس رفض الوحدة موقف ليبرمان بالضبط: نزع شرعية الأحزاب الأخرى. وفي الواقع فإن ليبرمان لم يطلب شطب الجبهة الديمقراطية.

وعدا عن ذلك، لا يوجد أي شيء في الدفتر المذكور يشير إلى المواقف السياسية للجبهة. وعلى ما يبدو فإن ذلك ليس مهما بما فيه الكفاية، ففي البرنامج السياسي يكررون موقفهم المعروف "دولتين لشعبين"، وحتى يشيرون إلى التزامهم بحل عادل لقضية اللاجئين. لا يوجد إشارة إلى ذلك في الدفتر، كما أن موقفهم من عملية السلام ومن حصار قطاع غزة ومن حركة حماس غير واضح.

العرب غير موجودين في الصور المعروضة في الدفتر. هناك صورتان للمصور أليكس ليبك: صورة لجنود في عسقلان وهم مختبئون من صاروخ فلسطيني، أما الصورة الثانية فهي من حي الفقر في تل أبيب. لا يوجد عرب، قطاع غزة غير موجود، لا يوجد بيوت مهدمة في النقب، لا يوجد صورة لبلعين والتي هي المكان الوحيد الذي يجري فيه نضال يهودي عربي مشترك. ولذلك فإن الجبهة هي حقا "حزب غير عربي".

من يتجاهل العرب يتجاهل اليهود أيضا. ويتضح أن رفض الوحدة كان رفضا للتحدي الكامن في تعريف الدولة كدولة مواطنيها، من خلال الاعتراف بالفروقات القومية. هذا هو التحدي الذي يضعه التجمع الوطني الديمقراطي منذ تأسيسه، والذي غير الخطاب السياسي في إسرائيل، ووافق عليه قطاعات في الجبهة. ليست "انعزالية" وليس "تطرفا قوميا"، وإنما اعتراف بأنه لا يمكن الحديث عن المساواة بناء على نفي الوعي القومي. وحقيقة أن الجبهة تنضم إلى التحريض على "الانعزالية" تشير إلى الجبهة نفسها، وليس إلى التجمع.

أنا، كيهودي، أصوت للتجمع، وبالذات لأن التجمع لا يخفي ولا يطمس القضايا القومية، ولا يخفي مواقفه السياسية. التجمع هو حزب قومي عربي، وأنا أعتقد أن الاعتراف بالقومية العربية والحقوق القومية الفلسطينية هو شرط للاعتراف بالوجود اليهودي.

التجمع لا يمنحني هوية مريحة، بل يلزمني على العيش في تناقضات. التجمع يضع تحديا حقيقا يقتضي نقاشا واسعا. أن أؤيد حزبا عربيا ليس من خلال إلغاء الذات، وإنما من خلال الاعتراف بأنه يوفر المكان الوحيد الذي يمكن فيه مناقشة الهوية اليهودية. وفقط الموقف القومي هو الذي يعترف بحق تقرير المصير، ويلزمنا، نحن اليهود، على طرح السؤال حول كيف يمكن تعريف وجود يهودي يقوم على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين.

أدرك تماما حاجة التجمع إلى التنظيم كحركة عربية قومية. قالت حانا أرناديت ذات مرة أنه "عندما يحاربونك كيهودي، فأنت تقاتل كيهودي". وهذا صحيح هنا أيضا: عندما يكون أساس الصراع قوميا، فيجب أن نناضل باسم القومية. وعندها يكون أمام الغالبية واجب التعبير عن التضامن، وبذلك نشق الطريق نحو هوية تستند إلى الطموح للمساواة والشراكة.

التجمع يوجهنا نحو التصويت إلى موقف "ثنائي القومية"، الموقف من المساواة القومية والمدنية بين اليهود والعرب في البلاد. "ثنائية القومية" هي أكثر بكثير من "لا يريدون أن يكونوا أعداء". ويعني ذلك الاعتراف بالتنازل المطلوب كشرط لواقع ديمقراطي.

أنا أصوت للتجمع، وأنا على ثقة بأن التجمع القوي والمؤثر يستطيع أن يصمد أمام أولئك الذين يحاولون شطبه. أنا لا أصوت لحزب يتحدث بصوتين، ولا يتردد في مهاجمة خصومه بنفس اللغة التي تستخدمها الجهات المتطرفة.

التعليقات