31/10/2010 - 11:02

الذهنية الصهيونية والسلام المزعوم!/ إعتراف الريماوي

-

الذهنية الصهيونية والسلام المزعوم!/ إعتراف الريماوي
المتبصر جيدا في الممارسة "الإسرائيلية" سواء الحالية أو التاريخية، يلمس حجم التضليل والتزوير الذي تخيطه في ممارستها وإعلامها، وهنا لا نريد الغوص بعيدا في تجليات الذهنية الصهيونية في "فبركة" وإحاكة القضايا والأحداث وإدارتها بوجهين، الأصل فيهما دوما يعبر عن النظرة الكولونيالية العنصرية لهذا الكيان والآخر سياسي إعلامي يهدف التضليل وترويج الذات.

فمنذ إتفاق أوسلو عام 1993 وما تمخض عنه من تطبيقات وإتفاقات جزئية حتى ما قبل إندلاع الإنتفاضة الحالية عام 2000، نلمس أن "إسرائيل" لم تطلق سراح الأسرى ووسعت الإستيطان بشكل جنوني وبقيت تسيطر على المعابر والحدود، وحولت التجمعات السكانية الفلسطينية "مناطق A" إلى معازل وكنتونات، ناهيك عن القضايا الرئيسية مثل اللاجئين والقدس والدولة والسيطرة على الثروات ... إلخ والتي كلها خضعت للتأجيل مع تأكيد "إسرائيل" دوما على موقفها الرافض لحلها حتى وفق القرارات الدولية.

ومع كل هذا فقد إستطاعت هذه الدولة الإحتلالية ترويج ذاتها "كدولة سلام" وإظهار الفلسطينيين كعنصر يخضع لإختبار النجاح أو الرسوب من حيث صلاحيته للسلام أم لا، وبقيت "إسرائيل" تسيطر على كل شيء ولم يتغير جوهرها من حيث حقيقتها كدولة إحتلال، وكان المتغير هو الحال الفلسطيني، الذي أضحى مطلوبا منه إثبات الذات في تحمل متطلبات السلام! وإلا سيضحي إرهابا بعد أن كان حركة تحرر وطني بشرعية دولية.

"إسرائيل" إعترفت بشريك فلسطيني "للسلام" بحكم إتفاق أوسلو، وعندما إقتربت نهاية المرحلة الإنتقالية لإتفاق أوسلو في أيار1999، وفشلت بعدها محادثات عرفات – براك في قمة كامب ديفيد، أخذت "إسرائيل" تسحب إعترافها تدريجيا بالشريك الذي إعترفت به! وأخذت تحرض على الفلسطينيين بكل أنحاء العالم وتدعي بعدم وجود شريك للسلام !! فقد كانت تهدف "إسرائيل " من وراء إتفاق أوسلو وغيره، لخلق وضع جديد يتجلى بشكل يمكن تسميته سلام أو حل للصراع، على أن يبقى جوهره بدون الحل الحقيقي للقضايا الرئيسية للصراع، وأن لا يتجاوز ثمن ذلك أكثر من الخروج من أقل الأراض الفلسطينية ذات الإنفجار السكاني، والإحتفاظ بباقي الأراض تحت الإحتلال، وبعد ذلك فليسمي الفلسطينيين هذا الكيان بما يشاؤون من دولة إلى إمبراطورية!، ما دامت الحقيقة غير ذلك، بل تجلب "لإسرائيل" وجها حسنا ومكانة طبيعية في المنطقة والعالم.

وبعد أن اندلعت الإنتفاضة الفلسطينية عام 2000 كتعبير عن تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه التي لم تنجزها حقبة إتفاق اوسلو، فقد إستمرت "إسرائيل" بالتحريض ضد الشعب الفلسطيني وعدم اهليته للسلام، وداست دباباتها وصواريخها ما تم التغني به مسبقا كنتاج لإتفاق أوسلو مادام لا يخدم أهدافها، وطبعا أمعنت "إسرائيل" في وصم الشعب الفلسطيني ومقاومته بالإرهاب مستغلة التطورات العالمية من أحداث 11 أيلول 2001 وما تلاها من هجمة أمريكية تحت عنوان ما يسمى الحرب على " الإرهاب"، وما نجم عنه من إحتلال لأفغانستان ومن ثم العراق، والدعم الأمريكي بلا حدود "لإسرائيل"، الأمر الذي أفضى لخلق شرعية أمريكية "لإسرائيل" في حربها على الشعب الفلسطيني، مدعية عدم وجود "شريك" للسلام ! وكان رحيل ياسر عرفات جزءا من هذه السياسة الصهيونية المدعومة أمريكيا.

وقد رأينا مؤخرا، بعد تفكيك الإحتلال لمستوطناته بغزة، وإعادة إنتشاره فيها، وما رافقه من إعلام صهيوني يبرز التضحية والخسارة "الإسرائيلية" العظمى من أجل " السلام"، وكان خطاب شارون أمام الأمم المتحدة باللغة التلمودية والأسطورية مترجمة بلغة السياسة البراغماتية في إظهار "إسرائيل" بوجودها وحقها وحبها للسلام وترويجا لهذه الخطوة التي هي فعلا قد تكشفت وأظهرت أن غزة تعيش حالة السجن الكبير وهي محاصرة من الإحتلال برا وبحرا وجوا!! ومقابل ذلك نالت " إسرائيل" مديح العالم وهرولة العديد من الأنظمة العربية والإسلامية للتطبيع معها، وكل ذلك دون تغير جوهري على طبيعة "إسرائيل" كدولة إحتلال.

واليوم تعود النغمة ذاتها، ليلحنها وزير الحرب "الإسرائيلي"، بعدم وجود شريك فلسطيني للسلام، بل يتجاوز ذلك ليقول :"السلام مع الجيل الفلسطيني الحالي مستحيل"، فهذه الأقوال، تنسجم مع الرؤية الصهيونية الأشمل، ومع الذهنية التي أتت بإتفاق أوسلو ونفته بآن وفقا لمصلحتها، تتقاطع مع التحريض على الشعب الفلسطيني دوما بأنه إرهابيٌ، وبإظهار الذات بسلامية ووداعة متناهية! مستمدا كل ذلك من الإرث الصهيوني القديم الجديد في إظهار الذات بالضحية والآخر بالجلاد، لكسب التعاطف وتضليل الرأي العام ليكن النقطة الأولى للإنقضاض وراء أهداف أخرى وهكذا...

فأي سلام يتحدثون عنه؟ أهو دخول الشعب الفلسطيني حربا أهلية؟ وحينها يتحقق الحلم "الإسرائيلي" الواهم في عدم اهلية الشعب الفلسطيني، أم هو الإستسلام لكل ما يريدون إملاءه على الشعب الفلسطيني؟! وبذلك أيضا يتحقق الحلم نفسه وتقر حينها بوجود "شريك" ؟! فحقيقة أين، وما هو السلام الذي تريده "إسرائيل" ؟! من خلال سنوات الصراع الطويلة، ومن خلال إدراك الذهنية الصهيونية وأهدافها الحقيقية، لا يمكن أن تقدم "إسرائيل" على سلام حقيقي بإستحقاقاته الضرورية، وعليه سنبقى نواجه إدعاءاتهم السلامية، وأخاديعهم، إلا إذا أعتبرت وتعلمت هذه "الدولة" شيئا من عبر ودروس التاريخ!!؟

التعليقات