31/10/2010 - 11:02

العرب يفاوضون “إسرائيل” وأمريكا لا تفاوض أحداً/ عصام نعمان

-

العرب يفاوضون “إسرائيل” وأمريكا لا تفاوض أحداً/ عصام نعمان
ليس من تقاليد أمريكا مفاوضة أعدائها بل محاربتهم. قد تتواصل مع أعدائها في الكواليس، لكن قلّما تفاوضهم في العلن. المفاوضة تكون مع الأصدقاء، أي مع الدول الصديقة أو الدول غير المعادية، أما الدول العدوّة فإن المصارعة هي طريقة أمريكا في التعامل معها.

خلافاً لأمريكا، تحرص “إسرائيل” على مفاوضة أعدائها. مردّ ذلك إلى كونهم لا يعترفون بها. فالتفاوض دليل على الاعتراف، وهو أمر عزيز على قلب “إسرائيل” لأنها زُرعت قسراً في أرض العرب الذين ثابروا زمناً طويلاً على عدم الاعتراف بها.

قبل زيارة أنور السادات للقدس وتوقيع معاهدة الصلح المصرية “الإسرائيلية”، كانت أمريكا تحث العرب دائماً على مفاوضة “إسرائيل”. لكنها تخلّت عن هذا التقليد عقب اعتراف حكومات مصر والأردن والسلطة الفلسطينية بالكيان الصهيوني. أمريكا اليوم تحثّ “إسرائيل” على عدم مفاوضة سوريا أو أنها تتقبل ذلك منها على مضض وتبدي في شأنه شتى التحفظات. كذلك تتحفظ أمريكا عن التواصل القائم بين “إسرائيل” وحزب الله عبر ألمانيا لتحرير الأسرى اللبنانيين، وتبدي عدم ارتياحها للتواصل القائم بين “إسرائيل” و”حماس” عبر مصر لتبادل الأسرى بين الجانبين.

فوق ذلك، حرصت كوندوليزا رايس، عشية انعقاد مؤتمر استوكهولم حول العراق على التأكيد، عبر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، على عدم اعتزامها الاجتماع بنظيرها الإيراني منوشهر متكي والسوري وليد المعلم.

هل امتناع أركان إدارة بوش عن التفاوض مع العرب (وإيران) مردّه إلى أنها تعتبرهم أعداء؟

يبدو أن الأمر كذلك. فإدارة بوش ما زالت، رغم عثراتها واخفاقاتها الكثيرة، تعتبر العرب الوسط الشعبي والسياسي الأكثر انتاجاً لما تسميه ظاهرة “الإرهاب”، وبالتالي تحرص على أن تكون العلاقة مع الدول والتنظيمات العربية الموسومة بالإرهاب علاقة عداوة وصراع، لا علاقة تفاوض وتواصل.

إنه لأمر لافت حقاً أن جميع العرب، دولاً وحكومات وتنظيمات، يفاوضون “إسرائيل” أو لا يجدون حرجاً في مفاوضتها بينما تمتنع أمريكا أو تتحفظ عن مفاوضة بعض العرب. وإذا كان مردّ عدم تفاوض أمريكا مع بعض العرب إلى أنهم أضحوا في نظرها أعداء، فهل يعني امساكها عن التواصل معهم تصميماً على محاربتهم لغاية أن تنتصر عليهم، لا سمح الله؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه وسيلة ضغط بقصد تغيير سلوكيتهم وفق ما ترتئيه واشنطن، فيصبحون إذ ذاك أصدقاء أو غير معادين، فتجوز مفاوضتهم أو التواصل معهم؟

ثمة ملاحظتان في هذا المجال. الأولى، أن سياسة إدارة بوش تتعثر في المنطقة باطراد، من أفغانستان إلى فلسطين، مروراً بالعراق وسوريا ولبنان، لدرجة أن كوندوليزا رايس نفسها اعترفت أخيراً في مقابلة مع صحيفة “ويكلي ستاندرد”، لسان حال المحافظين الجدد في أمريكا، بأن “إدارة الرئيس جورج بوش لن تتمكن من تغيير الشرق الأوسط بالكامل قبل أن تنتهي ولايتها”. الملاحظة الثانية، أن “إسرائيل” نفسها تتخبط في أزمة قيادة، إن صحّ التعبير، مردها إلى هزيمة قيادتها السياسية والعسكرية في حرب العام 2006 من جهة، واحتمال سقوط ايهود أولمرت بسبب ملاحقته قضائيا بجرم رشى ومخالفة القانون من جهة أخرى.

إزاء التعثر والإخفاق اللذين ترتع فيهما إدارة بوش وحكومة أولمرت، لا تجد سوريا غضاضة في مفاوضة “إسرائيل”، ولا حزب الله و”حماس” في التواصل معها في شأن تحرير الأسرى، ولا يجد هؤلاء جميعاً سبباً للقلق حيال امتناع أمريكا عن التواصل معهم. إنهم جميعاً في مركز تفاوضي قوي. وليس أدل على ذلك من أن وزير الدفاع السوري العماد أول حسن تركماني حرص، عقب بدء المفاوضات غير المباشرة بين بلاده و”إسرائيل”، على زيارة إيران والحصول من وزير دفاعها العميد مصطفى نجار على تفهم لإجراء المفاوضات كونها “مجرد تكتيك إعلامي”، ومن رئيسها أحمد نجاد على تأكيد ب “أنه على ثقة بأن القيادة السورية لن تتخلى عن خط المواجهة حتى القضاء تماماً على تهديدات الكيان الصهيوني”. أما رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل فقد حرص على الاجتماع بمرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي الذي أكد له “أن العدو الصهيوني الذي لا يقهر في الظاهر يمرّ بأضعف مراحله (...) وأن الطريق الوحيد لتحرير فلسطين هو المقاومة ببسالة”.

إلى ذلك، يترسمل أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله على الانقلاب في ميزان القوى المحلي الذي صنعته قوى المعارضة في لبنان، وانعكس اتفاقاً للمصالحة والوفاق في الدوحة يخدم مصالحها، ترسمل نصرالله على هذا كله في “عيد المقاومة والتحرير”، أواخر الأسبوع الماضي، ليدعو إلى تفعيل استراتيجية التحرير على مستوى المنطقة كلها، من لبنان إلى فلسطين وصولاً إلى العراق. أكثر من ذلك، جهر السيد نصرالله بدعمه السافر للمقاومة العراقية بقوله: “نحن في حزب الله من الطبيعي أن ننحاز إلى تيار المقاومة في العراق من موقع إيماني وعقائدي وفكري وسياسي وواقعي وتجريبي أيضاً”.

معنى هذا الكلام أن قائد المقاومة اللبنانية لا يعتقد بأن دورها ينتهي بإخراج “إسرائيل” مما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة (مزارع شبعا) لأن الكيان الصهيوني في نظرها، وبمجرد وجوده، يشكّل عدواناً مستمراً على الوجود العربي، وأن لأمريكا مشروعاً امبراطورياً للتسلط والهيمنة يتكامل مع المشروع الصهيوني. كل ذلك يدفع نصرالله وحزبه إلى الاستمرار في الاضطلاع بمهمة المقاومة والتحرير ودعم الناهضين بها على مختلف جبهات المواجهة مع العدو.

يتحصل من مجمل ما تقدم بيانه أن العرب المفاوضين كما العرب المقاومين هم في مركز قوي لمباشرة فعل المفاوضة وفعل المقاومة معاً، وأن التعثر والإخفاق اللذين يطبعان سياسة أمريكا و”إسرائيل” في المنطقة يوفران لقوى الممانعة والمقاومة هامشاً واسعاً من حرية الحركة والمناورة.

أجل، من موقع القوة يستطيع العرب، لاسيما المتحررون من سطوة أمريكا، أن يقاوموا وأن يفاوضوا في آن، وأن يكونوا بمأمن من العدو الذي لا يحترم ولا يقيم وزناً إلا للقوي المقتدر.

"الخليج"

التعليقات