31/10/2010 - 11:02

القدس صدر مكشوف لخناجر التهويد../ راسم عبيدات

القدس صدر مكشوف لخناجر التهويد../ راسم عبيدات
هكذا قال شعبنا في القدس "لا يحرث الأرض غير عجولها"، بعد أن بلغ السيل الزبى، وبعدما لم يترك المحتل لهم أي خيار سوى خيار المقاومة والمواجهة دفاعا عن وجودهم وأرضهم وقدسهم ومقدساتهم، وبعدما أيقنوا أيضاً أن مدينتهم خارج أجندة دعاة نهج التفاوض من أجل التفاوض، والذين يلهثون خلف مفاوضات مارثونية عبثية، مفاوضات لا تشترط وقف الأنشطة الاستيطانية في القدس. وعندما عادوا إلى المفاوضات أصر نتنياهو وحكومته أن يوجهوا لهم صفعة قوية، من خلال المصادقة على إقامة 1600 وحدة سكنية في شمال شرق المدينة من أجل توسيع مستوطنة "رمات شلومو"، وأيضاً في كلمته التي ألقاها في افتتاح ما يسمى كنيس الخراب اليهودي في الخامس عشر من الشهر الجاري ،قال لهم بشكل واضح إن البناء في القدس سيتواصل ولا قيود عليه.

بمعنى آخر أن المفاوضات ستستأنف وفق شروط نتانياهو وبدون أفق سياسي، وأن مسألة هدم الأقصى هي مسألة وقت، وكل ما يجري ويقومون به من بروفات واقتحامات مستمرة للأقصى، هي لجس النبض ومعرفة رد الفعل عند المقدسيين أولاً، فحال العرب والمسلمين يعرفه نتنياهو جيداً، انهيار شمولي على المستوى الرسمي العربي، وصل حد عدم القدرة على إصدار بيانات الإنشاء من الشجب والاستنكار، بل وأبعد من ذلك هناك من يتآمر على القدس والفلسطينيين علناً وجهراً، حتى في ذروة الممارسات الإسرائيلية في القدس والاستعدادات لإقامة ما يسمى بالهيكل الثالث المزعوم.

هناك من العرب الرسميين من ينصح دعاة نهج التفاوض في الساحة الفلسطينية بعدم الصعود على الشجرة ثانية، فهم سينزلون عنها صاغرين، وخصوصاً أن خطواتهم الاحتجاجية وحردهم، لا يدخل ولا يندرج في إطار بناء إستراتيجية بديلة شاملة، تعيد الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني وقطع حبل قنوات الاتصال السرية والعلنية مع هذا النهج والخيار، بل هي خطوات تكتيكية تراهن على عدة جمل إنشائية من الإدانة والشجب لهذا المسؤول الأمريكي أو الأوروبي الغربي لممارسات إسرائيل، وهي تعي تماماً أن تلك الجمل الإنشائية، لا ولن تزحزح بوصة واحدة في إستراتيجية العلاقة بين تلك الأطراف الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية، بدون وجود خطر جدي وحقيقي على المصالح الأمريكية في المنطقة، فما دامت إدارة الأزمة والصراع تجري وفق الإيقاعات الأمريكية-الإسرائيلية، فستبقى مواقفهم على حالها.

علينا أن نقرأ السياسة جيداً، وأن لا ننجر إلى العواطف والأقوال غير المقرونة بالأفعال، بل والأفعال التي تناقضها، فكثيرون هللوا وطبلوا في حزيران/ 2009 للخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي من على منصة جامعة القاهرة، والذي أعلن فيه خطته لإقامة دولة فلسطينية خلال أربعة أعوام، بل الكثير من قادرة العرب وصناع الرأي والقرار اعتبروا هذا الخطاب تاريخيا، ويمثل تحولا استراتيجيا للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وليكتشفوا لاحقاً أن "الجبل تمخض فولد ليس فأراً بل ما دون الفأر".

واليوم يهلل ويطبل دعاة نهج المفاوضات والاعتدال العربي والفلسطيني، لوجود خلافات أمريكية- إسرائيلية هي الأخطر منذ 35 عاماً، وكأن الخلاف الذي جرى أثناء وجود نائب الرئيس الأمريكي في المنطقة، له علاقة بالإستراتيجية وليس بالتكتيك والتوقيت، فوزيرة الخارجية الأمريكية "كلينتون التي وصفت التصرف الإسرائيلي المتعلق بالإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية في القدس، بالإهانة لأمريكا، وفي نفس الحديث قالت إن العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية قوية ودائمة. وبايدن نفسه الذي تعرض للإهانة قال "بأنه يفخر بأن يكون صهيونيا" وهو ليس باليهودي. وأيضاً فيليب كراولي وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، قال بأن إقامة إسرائيل لـ112 وحده سكنية في مستوطنة "بيتار عليت" في بيت لحم لا تتناقض وتعهدات إسرائيل بالتجميد المؤقت للاستيطان، ورغم كل ذلك هناك في الساحتين الفلسطينية والعربية من يراهن على"طلب الدبس من قفا النمس".

والمقدسيون تيقنوا من أنه لا "دبس من قفا النمس"، وأن كل ما يجري هو لكسب الزمن من أجل تهويد وأسرلة مدينتهم، حيث الهجمة الشاملة والتي تطال كل زقاق وحي وشارع وحارة وبلدة في المدينة، وهي لا توفر لا بشراً ولا حجراً ولا شجراً، وتخرج القدس من دائرة الصراع وأية تسوية سياسية محتملة من خلال عزلها بالكامل عن محيطها الفلسطيني، وتحويل أحيائها العربية إلى جزر متناثرة ومعزولة محاصرة بالمستوطنات في قلبها، بحيث يصعب على السلطة الفلسطينية المطالبة بها كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة.

ومن هنا وأمام شمولية الهجمة الاستيطانية وتداعياتها الخطرة على وجود المقدسيين ومستقبلهم ووجودهم في القدس، انتفض المقدسيون، وأثبتوا أنهم رأس الحرب والعنوان في التصدي والمواجهة، وأنهم يمتلكون الإرادة ولديهم الطاقات العالية على العطاء والتضحية، وكانت هبتهم الجماهيرية بروفة لانتفاضة قادمة لم تختمر عوامل قيامها بعد، فكما في الانتفاضة الثانية والتي كانت عوامل تفجيرها القدس، فكل المقدمات تشير إلى أن عوامل تفجير الانتفاضة الثالثة ستكون القدس أيضاً، وكذلك هذه الهبة الجماهيرية والتي ستخفت حيناً وتتصاعد حيناً آخر، تثبت مدى تقدم الجماهير على القيادة في الفعل والممارسة، وأيضاً حالة الانفصال ما بين الجماهير والقيادة.

هذه الجماهير التي هبت في مختلف أرجاء المدينة المقدسة تبرهن بالشكل القاطع أن شعباً يمتلك الإرادة يجترح المعجزات، وهو بحاجة إلى قيادة تمتلك الإرادة والقرار، وتتخلى عن الأوهام، وأن تحسم أمرها وخياراتها بعدم التمسك بصنمية السلطة، والتي تحولت من أداة ووسيلة لتحرير الوطن إلى غاية ومصلحة وبقرة حلوب للبعض، وكذلك أن تبني إستراتيجية بديلة وشاملة تعيد الاعتبار للبرنامج الوطني، وأن تجمع وتوحد كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، خلف برنامج يقوم على المقاومة ومحاربة الاستيطان، وأن تعيد الاعتبار للمرجعية الدولية للمفاوضات بدلاً من المرجعية الثنائية، وأن تضع حداً لحالة انقسام القائمة، والتي تجعل من أهل القدس صدراً مكشوفاً لخناجر التهويد والأسرلة، فلا حاضنة فلسطينية ولا عربية ولا إسلامية لهم، وكل ما يجري من حديث عن دعم صمودهم ووجودهم في وعلى أرضهم لا يتعدى الصخب الإعلامي والشعارات، والدعم الذي يقدمه الملياردير اليهودي "موسكوفيتش" للاستيطان والجمعيات الاستيطانية في القدس يفوق عشرات المرات ما يقدمه العرب والمسلمون مجتمعين للمدينة المقدسة، وأهل القدس بإرادتهم وعزيمتهم وصدورهم العارية سيستمرون في التصدي والمواجهة، لكي لا تنغرس خناجر والتهويد والأسرلة في صدورهم، فهم ملوا كثرة النداءات والرسائل والاستغاثات والبيانات التي لا تجد لها صدى وردودا عند أنظمة تصمت صمت القبور.

التعليقات