31/10/2010 - 11:02

بلاك ووتر" و"المارينز" وجهان لجريمة واحدة../ فيصل جلول

بلاك ووتر
نشرت صحيفة “لوموند” المسائية الفرنسية في عددها الصادر في 22 سبتمبر/ أيلول الجاري تحقيقا مفصلا عن المرتزقة الأجانب العاملين ضمن 177 شركة أمنية خاصة في العراق تضم حوالي خمسين ألف مرتزق وصفتهم بـ”كلاب الحرب” أو “العسكر الخاص”، وقالت إن أحداً لا يمكنه محاسبتهم لأن القرار رقم 17 الصادر عن بول بريمر قبل انتهاء ولايته بيومين حظي بتغطية من الكونغرس الأمريكي الذي وفر الحماية القانونية لهؤلاء “القتلة”، وأتاح لهم القتل من دون مبرر أو مساءلة. “بلاك ووتر” هي أبرز شركات القتل “الأمني” والمسؤولة عن اغتيال 28 مدنياً عراقياً في 16 سبتمبر أيلول الحالي خلال مواكبتها للسفير الأمريكي رايان كروكر في احد شوارع بغداد.

يخطئ من يظن أن القتل الأمريكي يحتاج إلى مبرر سخيف كمواكبة دبلوماسي أو شخصية سياسية فهو يمارس أيضا “للتسلية” كما يتضح من شهادة مروعة نقلتها “لوموند” عن قاتل من “بلاك ووتر” أراد أن يتسلى بقتل عراقي عشية عطلته السنوية.

وفيما يلي التفاصيل الحرفية.. “أوكي بويز، إلى الأمام. يجب أن أقتل شخصاً اليوم. يجب أن أفعل ذلك لأنني سأكون في عطلة ابتداء من الغد وسيمضي وقت طويل قبل أن أقتل أحداً” في ذلك اليوم وعلى “طريق الموت” الذي يصل العاصمة بمطار بغداد الدولي كان جاكوب واشبورن وعناصره الأربعة يبحثون عن هدف “للتسلية فقط” كما أسرّ أحدهم ل”الواشنطن بوست”.

في هذا الوقت كانت سيارة تاكسي عراقية تمر بعيداً عن سيارة المجموعة ذات الزجاج المموه. أمر واشبورن سائقه شين شميت: “خفف سيرك، ودع التاكسي يقترب منا. أريد أن أقتله بالمسدس”. سائق التاكسي كهل مسكين كان يرافقه زبون على ما يبدو في المقعد الأمامي للسيارة. أطلق واشبورن رشقاً من الرصاص على التاكسي فتدهورت السيارة على جانب الطريق وصرخ واشبورن منتشياً: “رائع، لقد أصبته”.

واشبورن مارينز سابق من أوكلاهوما يتقاضى 600 دولار يوميا لممارسة القتل في العراق. وتعلق الصحيفة: “ما كان احد ليعرف تفاصيل هذه الحادثة لولا أن أحد عناصر المجموعة من الجنسية الفيجية أخبر صحيفة الواشنطن بوست بالتفاصيل”. يبقى التذكير أنه يسقط في العراق شهريا بين 1200 و3000 مدني. والكلام دائما للمسائية الفرنسية.

لكن هل يقتصر قتل العراقيين المجاني على “بلاك ووتر” وسائر المرتزقة فقط؟ وهل يحترم الجنود النظاميون قوانين الحرب خشية المحاسبة والعقاب؟ بالطبع لا. ذلك أن المتهمين في “مجزرة حديثة” أطلق سراحهم أو حوسبوا على مخالفات إدارية تماماً كرفاقهم في قضية “أبو غريب” الأمر الذي يفسر تلك السهولة في ارتكاب الجرائم على سبيل التسلية كما رأينا في الشهادة أعلاه، وكما نرى في شهادة أخرى كنا قد اشرنا إليها قبل فترة نقلا عن كتاب “اقتل اقتل اقتل” للجندي الأمريكي جيمي ماسي الصادر قبل سنتين، إذ يروي كيف قتل بنفسه ومع أفراد مجموعته عشرات المدنيين العراقيين الذين يطلق عليهم تسميات من نوع “حجي” أو “هنود حمر” حيث يمكن أن نقرأ حرفياً في فقرة واحدة ما يلي: “.. نحن في منطقة بالقرب من معسكر الرشيد على يمين نهر دجلة. نكمن بجانب أحد الطرقات. “الهنود الحمر” في كل مكان. مجموعة صغيرة من المدنيين العراقيين يتظاهرون أمامنا باللباس المدني. يرفعون يافطات تطالب الأمريكيين بالانسحاب من العراق. لم يكن لديهم سلاح. أطلقت ورجالي النار عليهم. كنت أرى بالمنظار الرصاص يخترق صدورهم. متظاهر حاول الهرب زاحفاً فأطلقت الرصاص على رأسه. أطلقنا النار على الجميع.. بوم.. بوم.. بوم. توقفت الحركة في جهتهم. كانت تلوح لي بالمنظار جلابياتهم البيضاء وقد صارت حمراء من لون الدم. لم يطلقوا علينا رصاصة واحدة. رجالي كانوا يصفونهم بالجبناء ويقولون لا يعرف هؤلاء(....) كيف يقاتلون. الأسف الوحيد الذي أبداه رجالي هو أن بعض المتظاهرين تمكن من الهرب. ذهبت إلى حيث تكدس القتلى وتأكدت من أنه لم يكن لديهم سلاح. فقط يافطات كتبت عليها عبارات بالانجليزية والعربية: “بوش عد إلى بلدك”. أطلقنا في ذلك اليوم النار على سيارات مدنية وقتلنا ركابها وعلى شاحنات وعلى عراقيين فارين من القصف لم يكن أي منهم مسلحاً. في اليوم التالي قلت للضابط شيا لقد كانت حصيلة الأمس سيئة. قتلنا الكثير من المدنيين فقال لي: بالعكس لقد قمتم بعمل جيد”.

تفصح هذه الشهادة عن تطابق بين بلاك ووتر والجيش النظامي الأمريكي في المنهج وفي القتل للقتل، ومن ثم في عرض التفاصيل على وسائل الإعلام من دون خوف من المساءلة وأحيانا بقدر كبير من الفخر والاعتزاز.

إذا كان نمط قتال “كلاب الحرب” هو النمط السائد في العراق “المحرر” وفي “الديمقراطية الوحيدة في محيطها” على ما يردد سكان البيت الأبيض دون خجل، وإذا كان الشعب العراقي “الحر” يلقى مثل هذا المصير المروع على يد “محرريه” الذين لا يختلفون عن سائر المجرمين في العراق إلا بجواز السفر، فإن الرهان الأمريكي على “النجاح” يعادل في الحسابات العراقية المزيد من الضحايا والمزيد من الخراب والانهيار وبالتالي يصبح “الفشل” هو الفرصة الوحيدة لبقاء العراق والعراقيين على قيد الحياة بغض النظر عمن يتسبب به.

في وصفها للحرب العراقية قالت ذات يوم مادلين أولبرايت: إنها الكارثة الأكبر في السياسة الخارجية لأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وربما كان عليها أن تظهر هذه الكارثة أحجامها المهولة على الصعد الأخلاقية والمعنوية والردعية والحضارية والاستراتيجية وإن لم تفعل فسيفعل آخرون من مواطنيها الذين خضعوا في مطلع الألفية الثالثة لأكبر عملية “بلف” في تاريخهم دبرتها قبضة من المحافظين الجدد وخضع معها العراق لمقتلة تبدو معها جرائم المغول “مزحة” لا تستحق الذكر.
"الخليج"

التعليقات