31/10/2010 - 11:02

رسالة إلى الرئيس محمود عباس../ د.بشير الخضرا*

رسالة إلى الرئيس محمود عباس../ د.بشير الخضرا*
سيدي الرئيس!

1. أنا مواطن عربي لا أنتمي لأية حركة سياسية أو حزب سياسي في حيرة من أمري! أنا مواطن عربي أحترق لما يحدث، لأن "الغموض البناء" يلف قضيتنا من كل مكان. وبما أن حيرتي تتعلق بمسيرة "الثورة الفلسطينية"، وأنت على رأس منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، فإني لا أجد أفضل منك للإجابة على الأسئلة التي تثير حيرتي وقلقي بخصوص هذه الثورة التي تلخص قضيتي وقضية العرب الرئيسية: فلسطين. وأرجو أن يكون لديكم وقت للإجابة عن هذه الأسئلة لي ولملاين العرب الذين تقلقهم المسيرة الحالية.

2. عندما انطلقت مسيرة الثورة الفلسطينية الحالية كنتم على رأس من نادى بأن الكفاح المسلح هو السبيل لتحرير فلسطين، في الوقت الذي كان هناك من ينادي بالتفاوض والتفاهم مع العدو الصهيوني، وكان ذلك يعتبر خيانة، ولكنكم مع إخوان الكفاح أصررتم على تلك الرؤية وكان الكفاح والشهداء والتضحيات الجسيمة من الشعب. والآن نرى أن لا علاقة للمسيرة الحالية بما قمتم به في تلك الحقبة. فهل كان ذلك أسلوبا لكسب عطف الجماهير، أم أنكم اكتشفتم أنكم كنتم مخطئين، أم أنها كانت مرحلة لا بد منها لما يجري الآن؟

3. ما هي حقوقنا التاريخية غير القابلة للتصرف في رأيكم؟ نحن ما زلنا نؤمن أن أهم حق من الحقوق القابلة للتصرف هو حق العودة. وأنا مثل ملايين الفلسطينيين والعرب الذين لا يقبلون التنازل عن هذا الحق. ألم يكن من الواضح أن تأجيل مناقشة هذا الحق "لمفاوضات الحل النهائي" هو جزء من الاستراتيجية الصهيونية لتذويب هذا الحق والتملص من التزاماته إلى الأبد؟ أليست مطالبة الصهيونية بالاعتراف بـ"يهودية" الدولة الإسرائيلية مرحلة من مراحل جرنا إلى هذه النتيجة؟ وما رأيكم الحقيقي بفكرة "يهودية" دولة إسرائيل التي تعني جعل فلسطين حقاً لليهود دون العرب؟

4. ما رأيكم بالصهيونية؟ هل هي حقيقة أم من نسج خيالنا "المسكون بالمؤامرة"؟ هل أصبحت الصهيونية فكرة إنسانية ولا توجد لها أهداف بعيدة المدى لإلغائنا من خارطة العالم؟ بالمناسبة يا سيدي، أقول لمن لا يؤمن بفكرة المؤامرة إن من لا يؤمن بالمؤامرة فليؤمن بما هو أعمق منها وهي الاستراتجية، استراتيجية أميركا والصهيونية، فأين نحن منها؟ سنرى عندئذ أن الاسم المتحضر للمؤامرة هو الاستراتيجية بعيدة المدى!

5. هل قمتم فعلا بالتقييم الموضوعي لنتائج اتفاقية أوسلو على هزالتها؟ ما هي الإنجازات التي تحققت منذ ذلك الوقت؟ ألم تتضمن الاتفاقية قيام الدولة الفلسطينية-على هزالتها- عام 1999؟ ألم تتضمن وجود "ممر آمن" بين جناحي الدولة المنظورة على هزالتها؟ ألم يكن هناك توقيت- تجاوزه الزمن- لما يسمى بمفاوضات الحل النهائي؟ قد تقول يا سيدي إنكم كنتم ستصلون إلى هذه الأهداف لولا القوى الفلسطينية (هل هي قوى إرهابية الآن؟) التي آثرت الكفاح المسلح، ذلك الكفاح الذي دأبتم عقودا طويلة تنادون به. وهذا لا يعني بالضرورة أني أوافق على كل منهجيات وأساليب الحركات الفلسطينية الأخرى. تعلمون يا سيدي أن حركة أوسلو جاءت التفافاً على المفاوضات العلنية المباشرة التي كانت شفافيتها تبهر العالم، ولما جاءت حركة أوسلو كان لكم تبرير الاستعجال للوصول إلى النتائج المرجوة بأقل التكاليف البشرية والمعاناة من قبل شعبنا- أو هذا ما أوحيتم به آنئذ. هل ترون الآن أن الاستعجال أدى إلى النتائج المرجوة، أم أنه قد أضاع الزخم الحقيقي وتضمن تضحيات ومعاناة لا مثيل لها لشعبنا؟ واسمح لي يا سيدي أن أناقشك في موضوع مسؤولية القوى الفلسطينية الأخرى في "إفشال" مشروع أوسلو. تعلمون يا سيدي أنكم عندما قمتم بحركة أوسلو لم تتشاوروا مع هؤلاء الشركاء في القضية، الشركاء الذين يملكون رؤية وشرعيةً لا يقلان عن رؤيتكم وشرعيتكم، ولم تتشاوروا حتى مع القيادات التي تعتبرونها "فتحاوية". على ضوء ذلك، أليس من المنطقي والواقعي أن تتوقعوا هذا التعثر بسبب عدم المشورة والوفاق، أم أن الاتفاقات مع الأغراب أهم من الاتفاق مع أصحاب القضية؟ أليس من مسؤولية من ينفرد بقرار مصيري أن يتحمل هو النتائج التي كان الجميع يحذرون منها؟

6. أسمعكم هذه الأيام تكررون على مسامع الناس أنكم تنادون بالالتزام بقرارات الشرعية الدولية. يا ليتني أسمع منكم تعريفا لهذه الشرعية ومكوناتها وتثبتون أنكم لا تحيدون عنها. وفي ذاكرتي وذاكرة الملايين من العرب والفلسطينيين أن هناك مفاهيم كثيرة لتلك الشرعية، منها الشرعيات التالية: قرارات الأمم المتحدة 181، 194، 242، 338، وقرارات القمم العربية التي ساهمت في محاولة تصفية القضية، وشرعيات مدريد، وأوسلو، واتفاقيات المعابر، وخارطة الطريق، ومؤتمر أنابوليس ؟ فيما أرى ويرى غيري من الملايين العرب أن المسار الحالي لا يعترف إلا بالشرعيات التالية: شرعية القوة الإسرائيلية- الأميركية وشرعية "الحق التاريخي" لليهود في فلسطين، والجانب الأمني فقط في اتفاق أوسلو لصالح إسرائيل. فهل أصبحت هذه المرجعيات أهم من الحقوق التاريخية؟ وفي موضوعٍٍٍٍ مصيريّ كفلسطين لا بد من أن نتساءل: ما هي شرعية القيادة السياسية الفلسطينية؟ وفي رأيي ورأي الكثيرين، بل وفي الفكر السياسي التنظيمي المطلق، أن أي قيادة فلسطينية لا شرعية لها إن لم تؤمن بشرعية حقنا التاريخي وإيماننا بحقنا وبوطنا وبتاريخنا وبعروبتنا. يا سيديّ أيها أهم عند كم: الالتزام بـ"الشرعية الدولية" التي أقرت حقوقنا أم تلك التي عمِلت على تصفيتها؟ لماذا تعتبر شرعية اتفاقيات أوسلو أعلى من شرعية حقوقنا؟. وبينما أنتم تقارنون بين شرعيتكم وشرعية حماس التي تسمونها "انقلابية"، تتجاهلون ياسيدي أن حماس وغيرها من المنظمات الفلسطينية هي التي بقيت متمسكة بالثوابت التي دأبتم على ترديدها لعدة عقود. فمن يملك الشرعية الفلسطينية إذن، من يحافظ على حقوق فلسطين والفلسطينيين التي كنتم تنادون بها أم الذي يفرط بها ؟

7. عندما نتحدث عن "حقوقنا التاريخية" من الواجب أن تكون عندنا شفافية في مفهوم التنازلات، فنسأل: ما هو "التنازل" المسموح للشعب الفلسطيني؟ ما الذي يجبرنا على التنازلات؟ من الذي يملك حق التنازل؟ أقول يا سيدي بداية أنه حتى مؤتمرات القمة العربية ليس لها حق التنازل عن حقوقنا. وبعد ذلك نقول إنه لا أحد، سواءا كان فلسطينيا أم غير فلسطيني، يملك مثل هذ الحق. وفي رأيي أن المبدأ الأساس الذي يجب أن يعمل بموجبه أي قائد فلسطيني هو أن فلسطين كلها حق عربي فلسطيني. والحد الأقصى لما نستطيع التنازل عنه، لأسباب إنسانية واجتماعية، هو فقط إشراك من رغب من اليهود بالعيش معنا ويقيم دولة غير عنصرية معنا، لا أن يطلب منا أن نعترف له بحقوقه العنصرية المزعومة ونلغي حقوقنا الأصيلة. وهذا ما يعبر عنه بعض الفلسطينيين والمفكرين والناشطين الدوليين بالدولة الديموقراطية الواحدة، من البحر إلى النهر. أكثر من هذا ليس تنازلا، بل خيانة. ولذلك، يجب أن يكون معلوماً أننا عندما نتكلم عن "العودة" نعني أن يعود كل فلسطيني إلى مسقط رأسه، وليس إلى الدولة "القابلة للحياة"، بمعنى الدولة التي تعيش فقط بفضل أدوات دعم الحياة التي تركب على الجسم المتقدم نحو الموت. فما هو رأيكم يا سيدي بالتنازل المسموح به؟

8. ما هي رؤيتكم المستقبلية للمسار الذي تسير فيه القضية؟ ما هي رؤيتكم لاستراتيجية وخطط إسرائيل والصهيونية لنا وللمنطقة؟ لو رسمنا خطاً بيانياً لمسار القضية منذ أوسلو، فماذا ترى؟ أين نحن الآن بعد أوسلو؟ أهم نتيجة هي زيادة الخلافات، وضياع البوصلة، وضياع الأولويات: أين تحرير فلسطين؟ اين عودة اللاجئين؟ أين وحدة الشعب الفلسطيني؟ أين حقوقنا التاريخية؟ على ماذا تراهن يا سيدي، على وعود الإسرائيليين والأميركان أم على شعبك؟ لقد راهن المعترضون على فشل أوسلو وكسبوا الرهان. وراهنوا على عدم التزام إسرائيل بالوعود وكسبوا الرهان. وراهنوا على استمرارية الاحتلال والتوسع ومصادرة الأراضي وقتل الفلسطينيين وكسبوا الرهان. راهن المعترضون على تفاهة وهزال ما يمكن أن تقبل به إسرائيل للشعب الفلسطيني وكسبوا الرهان. وراهنوا على ضياع الخطوط والاستعداد للاستمرار في الهرولة مهما كانت النتييجة وبأي ثمن، وكسبوا الرهان. فإلى أين نسير أو تسير القضية؟

9. يا سيدي أنا أريد وطنا أولا ولا أريد دولة، أريد وطنا ديموقراطيا حرا لجميع من يسكنه، لا كائنا يعيش بفعل الأجهزة الصناعية التي تبقيه متنفسا بموت الدماغ دون حياة (هذا هو تعريفي للدولة القابلة للحياة!). بالمناسبة، أريد أن أعرف: عندما يطرح الأميركان رؤية الدولتين، لماذا توصف "الدولة الفلسطينية" بأن تكون "قابلة للحياة" ولا توصف إسرائيل بهذا الوصف؟ أريد وطنا يستطيع كل فلسطيني أن يعود إليه وأن يعيش ويعمل بأمان. أريد وطنا يعيد أمجاد فلسطين وتراثها وتاريخها ودورها التاريخي في هذا العالم. يا سيدي لا أريد التنازل أكثر من وصولي إلى الدولة الديمرقرطية الواحدة التي يتساوى فيها الجميع. وماذا لو لم أتنازل بما هو أكثر من ذلك؟ أولا، إن مثل هذا التنازل خيانة. وثانيا، ليس لدينا ما نخسره برفض الاستسلام. إسرائيل لا تقبل؟ ونحن أيضا لا نقبل التوقيع دون حقوقنا، ولنرَ من الذي يحتاج للسلام. يهددوننا باختلال السلام العالمي وسلام الشرق الأوسط؟ هذه ليست مسؤوليتنا ولم يكن لنا أي مساهمة في ذلك. لقد هددنا روجرز وكيسنجر وبيكر ورايس وغيرهم كل مرة بأن نلحق بآخر قطار للسلام، وفي كل مرة كنا نلحق ونُخذل، ولا يكون آخر قطار! يا سيدي! بيدنا سلاح هو أقوى سلاح: التمسك بحقوقنا والدفاع عنها ورفض التنازلات الاستسلامية، وليحترق ما يحترق، وليخرب ما يخرب بعد وطني. صحيح أننا لا بد من أن نتمسك بالشرعيات الدولية التي تعترف بحقوقنا التاريخية، ولكن لو غابت كل الشرعيات التي تعترف بحقوقنا وألغيت كل القرارات الدولية التي تؤيد حقوقنا، فهل نفقد حقوقنا ونقبل ما يقوله أعداؤنا؟ لو حدث ذلك تبقى لنا شرعية هي أقواها جميعا: هي إيماننا بحقنا لأنه حياتنا ومصيرنا وترثنا حتى لو أنكر العالم كل حقوقنا. ترى هل سأل صلاح الدين الأيوبي القادة الأوروبيين الفرنجة "الصليبيين القدامى" عن مدى اعترافهم بحق أمته؟ يا سيدي! ليس هناك موضوع لنا غير حق العودة، فلتصرفوا ما تبقى من عمركم في شرف محاولة استعادته، وإلا فكل شيء آخر هو عبث ومضيعة للوقت من جانبنا وكسب للوقت من جانب أعدائنا، فهل تقبل بكل ذلك؟ وما رأيكم في كل ما سألت، سيدي؟

التعليقات