31/10/2010 - 11:02

سياسة العصا والجزرة التي قوضت أوسلو هل تقوض حكومة الطوارئ الفلسطينية ؟ راسم عبيدات

سياسة العصا والجزرة التي قوضت أوسلو هل تقوض حكومة الطوارئ الفلسطينية ؟ راسم عبيدات
.....على ضوء الوضع الذي نشأ في غزة، وحسمت فيه حماس سيطرتها عسكرياً، وما تبعه من تشكيل أبو مازن لحكومة الطوارئ، وتعطيل العمل بالدستور، وحل الحكومة السابقة، واتهام حركة حماس بمحاولة اغتياله، وبأنهم" قتلة وإرهابيون" واللجوء إلى المجلس المركزي الفلسطيني، والمعطلة اجتماعاته منذ ما يزيد على عشر سنوات، واستخدامه للمصادقة على سلسلة الإجراءات التي اتخذها، وما تبع ذلك من حملة تشهير متبادلة بينه وبين قيادة حماس، كل ذلك يجعلنا نرى أن الوضع الفلسطيني دخل نفقاً جديداً، له تداعياته السياسية والإقتصادية الخطيرة على الشعب الفلسطيني قضيةً وأرضاً ووجوداً وحقوقاً.

وحيث أن حجم المؤامرة أكبر من طاقة هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك، ليس منفردة بل وربما مجتمعة، فالمؤامرة تشترك فيها أكثر من جهة؛ إسرائيل وأمريكا وأطراف إقليمية بالتعاون مع البعض فلسطينياً، ومن هنا فإن الأمور ستسير نحو المزيد من الشرذمة والانقسام والتفتيت، وتعزيز للنهج المليشياتي العصاباتي، على غرار ما يحدث إقليمياً، حكومة لكردستان العراقية وحكومة سنية وأخرى شيعية في العراق، وحكومات متعددة في لبنان سيتضح فرزها ومعالمها وتسمياتها قريباً، وفي فلسطين حتى اللحظة الراهنة نحن أمام حكومتين تحت الإحتلال، وبدون أية سيادة أو سلطة بدءاً من الرئيس وانتهاءاً بالبرلمان.

وهذا الإنقسام والصراع والتناحر الفلسطيني، ستعمل إسرائيل وأمريكا ومعهما أطراف إقليمية، تدور حكوماتها في الفلك الأمريكي، على استثماره وتعزيزه، وخصوصاً أن إسرائيل وأمريكا لا تريان في حكومة الطوارئ، إلا حكومة على غرار حكومات كرازاي في أفغانستان والمالكي في العراق والسنيورة في لبنان، حكومات تنفذ الأجندات الأمريكية والإسرائيلية، تحت وعود خبرناها جيداً، أمن إسرائيل وأمريكا أولاً وعاشراً، مقابل وعود برفع الحصار المالي والاقتصادي والتعاطي مع الحكومة الجديدة، ودون أية التزامات جدية بأفق سياسي، تفضي إلى إنهاء الإحتلال وكافة تمظهراته. فـ"بيرس" الرئيس الإسرائيلي الجديد، ومن يسمى على رأي بعض العرب والفلسطينيين والذين يستفيدون من نعمات وخيرات مركزه، بأنه حمامة سلام، هو أحد مهندسي السياسة الإسرائيلية، وهو الذي رفع شعار مفاوضة العرب والفلسطينيين عشرين عاماً شريطة عدم منحهم أي شي.

والسيناريو القادم سيكون الأخطر فلسطينياً، حيث أن الإحتلال سيصعد من هجماته على قوى المقاومة الفلسطينية على نحو أشد وأشرس، وليس فقط من خلال إحكام الطوق المالي والاقتصادي والعسكري على قطاع غزة واستنزافه بهجمات متواصلة، تحضيرا لخطة اجتياح يضع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد " أيهود بارك " خطوطها الطموحة أملاً أن تكون جواز مروره إلى رئاسة الحكومة من جديد في مناخ الأزمة السياسية المتمادية في إسرائيل، بل ومواصلة الإغتيالات لنشطاء الفصائل في الضفة، وتعزيز الإستيطان، وتكثيف الهجمة على القدس، وتسريع وتوسيع عمليات هدم المنازل فيها.

وهذا كله سيترافق بضغط متواصل على حكومة سلام فياض لملاحقة ومطاردة قوى المقاومة، التي تقود المجابهات مع الإحتلال. وبقدر نجاح فياض في هذه المهمة، بقدر ما ستقدم له إسرائيل وأمريكا ما يسمى بحسن النوايا، الإفراج عن أموال الضرائب المستولى عليها والمحتجزة في إسرائيل، إزالة حواجز، زيادة عدد العمال الفلسطينيين الممنوحين تصاريح للعمل في إسرائيل، إطلاق سراح مجموعات أو دفعات من الأسرى من أصحاب الأحكام الخفيفة، دعم ومساعدات إقتصادية ولوجستية أمريكية وأوروبية وفق الأولويات الأمريكية والأوروبية، وعلى شكل رشاوى لشراء ذمم وإفساد، أي وفق ما طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق " نتانياهو "، لن يحصل الفلسطينيون على أي شيء دون مقابل.

وهذه السياسة، سياسة العصا والجزرة هي التي قادت إلى تقويض أوسلو وخارطة الطريق وانتهت بمحاصرة الرئيس الراحل أبو عمار في المقاطعة، ومن ثم اغتياله تحت الحصار الإسرائيلي، هذه السياسة تطل برأسها من جديد، ونحن نرى اليوم أن هناك من هو مؤهل للانخراط فيها فلسطينياً، هذا الانخراط والتنفيذ للسياسات الأمريكية والإسرائيلية لن يقود سوى إلى مزيد من الاحتراب والاقتتال الفلسطيني، خاصة أن المداخل المطروحة لحل القضية الفلسطينية، هي مداخل أمنية تعجيزية، لن تقود إلى إنهاء وتصفية الإحتلال.

والعودة بالساحة الفلسطينية إلى حلقة التفاوض من أجل التفاوض، والتي أدمن عليها البعض عربياً وفلسطينياً، لن تقود إلى إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومن هنا فإن الخيار العملي والوحيد المطروح على كل فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطينية، ضرورة إعادة اللحمة للبيت الفلسطيني، على أساس مصلحة الشعب الفلسطيني أولاً وعاشراً، وليس مصلحة هذا الطرف أو ذاك، أو خدمة لهذه الأجندة أو تلك، وبدون أية اشتراطات لهذه الجهة أو تلك، وعلى أسس سياسية واضحة ومحددة، جوهرها الأساس، وثيقة الوفاق الوطني - وثيقة الأسرى، واتفاق القاهرة / آذار 2005، ووفق إستراتيجية فلسطينية موحدة، أما أن نعمل على تعزيز حالة الافتراق والطلاق في الساحة الفلسطينية، فهو جداً خطير، فسلسلة الأخطاء الحاصلة، ليست مسؤولية حماس وحدها، بل أن هناك تياراً فلسطينياً له أجندته وأهدافه، هو الذي دفع بالأمور إلى ما وصلت إليه، وكذلك الحصار الظالم الذي فرضته إسرائيل وأمريكا والنظام الرسمي العربي، هو الذي دفع بالأمور إلى ما وصلت إليه.

وعند الحديث عن الشرعية فيجب التعامل معها من منظور الكلية والشمولية، وليس حصرها في إطار شرعية الرئاسة، وعدم شرعية غيرها، وفي الوقت الذي نرى فيه أن حماس ارتكبت أخطاء كبيرة، فإن الرد عليها كان في نفس الإطار والسياق، حيث شهدت الضفة حالة من الفلتان غير المبرر والمسبوق، وردات فعل توتيرية ومتشنجة، وخطوات متسرعة ومرتجلة من قبل الرئاسة، وبما يلقي أكثر من علامة استفهام على هذه الممارسات والخطوات، وإذا كان لا بد من جراحة للشعب الفلسطيني، لحسم خياراته فالانتخابات الرئاسية والتشريعية، شريطة توافق الجميع فلسطينياً عليها، والتسليم واحترام نتائجها، وليس وضع العراقيل والعقبات أمامها ووضع العصي في الدواليب، ودون قفز عن إرث المرحلة السابقة، وعلى قاعدة المحاسبة والمسائلة لكل أمراء ومنتفعي المرحلة السابقة، الذين قادوا وما زالوا يقودون الشعب الفلسطيني نحو الانتحار والتدمير الذاتي، والشعب الفلسطيني، لن يقبل بأن "يكون أمراؤه في الجاهلية هم أمراؤه في الإسلام"، وكل أموال أمريكا وأوروبا وإسرائيل، لن تلغي أو تختزل حقوق الشعب الفلسطيني إلى رواتب ومساعدات وتسول واستجداء، وأي مدخل لحل القضية الفلسطينية، لا يكون عنوانه إنهاء وتصفية الإحتلال سيكون مآله الفشل.

التعليقات