31/10/2010 - 11:02

عندما تُصوت الضحية لجلاديها!../ زهير اندراوس

عندما تُصوت الضحية لجلاديها!../ زهير اندراوس
لماذا لا تتكلمون أيها الشهداء؟ لماذا لا تصرخون وانتم الذين منحتم حياتكم من اجل فلسطين وقضيتها العادلة؟ لماذا لا تحتجون وانتم الذين عطّر دمكم الزكي تراب الوطن الغالي؟

ربما انتقالكم إلى العالم الآخر حماكم من متابعة المهزلة، التي أضطر أن أشاهدها ببث حي ومباشر من منطلق مكرهاً أخاك لا بطل، إنها مهزلة مشاركة عرب فلسطينيين من مناطق الـ48 في الانتخابات التمهيدية لحزب العمل الإسرائيلي، المسؤول الأول والأخير عن نكبتنا المشؤومة في العام 1948، المسؤول الأول والأخير عن تصفية قياداتنا السياسية والعسكرية وبناء المستوطنات الكولونيالية في المناطق التي احتلت في عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967.

بربكم وبدينكم، لماذا لا تتكلمون يا شهداء فلسطين؟ ألا تذكرون ما قاله الشهيد كمال ناصر في العام 1970 قبل ثلاثة سنوات من اغتياله بأيدي الأدميرال المجرم إيهود براك وعصابته الحاقدة، التي تسمى إسرائيلياً وحدة مختارة أو نخبوية، إنّه سيأتي يوم تكون فيه الخيانة وجهة نظر.

اسمحوا لي أيها الشهداء، اسمحوا لي أيها المعتقلين السياسيين، أيها الأرامل والأيتام والجائعين من أبناء شعبي العظيم والجبار، أن أتكلم ولو لمرة واحدة باسمكم، لأعبر عما يختلج في قلبي وأنا أتابع "العربان الجدد" وهم يدلون بأصواتهم لصالح المرشحين على رئاسة حزب العمل الإجرامي الإسرائيلي.

لقد تنافس في الانتخابات التي جرت في الثامن والعشرين من شهر أيار (مايو) على رئاسة حزب العمل، وهو أبعد حزب عن العمال وقضاياهم، خمسة مرشحين: الأدميرال إيهود براك، الذي سمح لارييل شارون بالقيام بزيارته الاستفزازية للمسجد الأقصى المبارك وتدنيسه. وعندها هب شعبنا المغوار للدفاع عن مقدساته واندلعت الانتفاضة الثانية... لماذا لا تتكلمون أيها الشهداء؟ لماذا لا تصرخون وانتم الذين منحتم حياتكم من أجل فلسطين وقضيتها العادلة؟ لماذا لا تحتجون وانتم الذين عطر دمكم الزكي تراب الوطن الغالي؟ ولم يكتف رئيس الوزراء براك بذلك، بل أطلق العنان لقوات أمنه وجلاديه لقتل 13 شابا عربيا من مناطق الـ48 الذين هبوا لنصرة إخوانهم في القدس المحتلة والضفة الغربية، أراد براك من وراء هذه الخطوة أن يوجه رسالة إلينا جميعاً، نحن أبناء الشعب العربي الفلسطيني: إنني أقتلكم في مناطق الـ48، في مناطق الـ67 وفي الشتات، ألاحقكم أينما كنتم، فالمجرم هو مجرم لا تهمة المناطق الجغرافية.

أريد أيها الشهداء والمعتقلين واليتامى والأرامل أن أبلغكم هذا أن المجرم حصل على أصوات في الانتخابات من العربان في الجليل والمثلث والنقب والساحل، فهؤلاء على ما يبدو، تأسرلوا حتى النخاع وتناسوا أنهم ينتموا إلى شعب فلسطين، أصواتهم منحت لقاتل أبناء شعبهم المكان الأول في الانتخابات التمهيدية، هذه هي النخوة والكرامة التي يعرفها "العربان الجدد"، الذي يريدون حرق الأخضر واليابس في مجتمعنا العربي الفلسطيني. إنهم يكافئون القاتل، ويعتذرون له عن احتجاج العرب ضد سياسته وأيديولوجيته الحاقدة ضد العرب والمسلمين. هنيئاً لكم، أيها العربان، لأننا كما نقول بالعامية :"هيك مزبطة بدها هيك ختم".

نعم، إنّ هؤلاء العربان الذين سلخوا أنفسهم مشكورين عن أبناء جلدتهم، كانوا "منصفين" بعض الشيء، فقد صوتوا أيضاً للمجرم الثاني الجنرال عامي ايالون، قائد سلاح البحرية السابق وقائد جهاز الأمن العام (الشاباك الإسرائيلي) السابق. فايالون يسكن في مستوطنة أقيمت على أنقاض قرية اجزم الفلسطينية في قضاء حيفا وتسمى كيريم ماهرال، التي دمرها الصهاينة في النكبة. ليس هذا فحسب، أيها الشهداء والمعتقلين والأرامل والأيتام، إنّ الجنرال ايالون يفتخر ويتباهى في تصريحاته للصحف الإسرائيلية والعالمية بأنّه قتل من الفلسطينيين أكثر مما قتلت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من الإسرائيليين.

أيها الشهداء، إنني على علم وعلى دراية بأنكم تتقلبون في قبوركم من هذه التطورات التي لا تشرف أي فلسطيني، ولكن ما العمل، هذا هو الواقع الذي آلت إليه حفنة من أبناء شعبنا.
أنا على ثقة بأنكم سمعتم أيها الأبطال الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدكم، تحت الأرض أو فوقها، عن وزير الحرب الإسرائيلي السيد عمير بيرتس، الذي شارك مشاركة مركزية في العدوان الأخير في الصيف الماضي على لبنان، العدوان البربري والهمجي الذي قتل الأطفال والمسنين والنساء وحطم الحجر والشجر والبناء. نعم، إنّ هذا الرجل الذي يجب أن يٌحاكم في محكمة العدل الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يٌستقبل استقبال الأبطال في بعض القرى والبلدات والمجمعات العربية في الداخل الفلسطيني ويأكل-صحتين- المنسف وباقي المأكولات الشعبية الفلسطينية ليستمد قوته لاستمرار العدوان الشرس على قطاع غزة، لقد فقدنا بإمرته أكثر من ستين شهيدا وما زال الحبل على الجرار. ماذا نريد أكثر من ذلك، فالسيد بيرتس قتل اللبنانيين وقتل الفلسطينيين وحفنة العربان الجدد تصوت له ربما من منطلق الوحدة العربية.

الهي، ماذا جرى لنا؟ لماذا يحدث لنا هذا الأمر؟
وان نسينا شيئا أيها الشهداء والمعتقلين والأرامل والأيتام فلا يمكننا أن ننسى الجنرال المتقاعد داني ياتوم، الذي كان رئيسا للموساد الإسرائيلي (الاستخبارات الخارجية). هذا المجرم أرسل عناصره إلى الأردن في العام 1997، بهدف اغتيال رئيس الدائرة السياسية في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل. اعتدى على السيادة الأردنية، ولكنه فشل في تحقيق حلمه باغتيال رمز من رموز الشعب الفلسطيني. وعندما يسألونه في الصحافة العبرية المتطوعة لصالح ما يسمى بالإجماع القومي الصهيوني، يرد بأنّ العمليات التي قام بها خارج أراضي الدولة العبرية كثيرة وحساسة ومهمة، ولكنه لا يستطيع الإفصاح عنها.

وبما أنّ عصابة العربان الجدد تبنت موقف مراضاة جميع المرشحين، فإنها قررت أن تمنح الأصوات للمرشح الخامس في الانتخابات التمهيدية لحزب العمل الإسرائيلي، الوزير السابق اوفير بينيس-باز. السيد اوفير ليس جنرالا ولا أدميرالا، ولكنه عندما اجتمعت الحكومة الإسرائيلية في الثاني عشر من شهر تموز (يوليو) الماضي لاتخاذ القرار بشن العدوان على لبنان، كان من أشد المتحمسين له، وصوت إلى جانبه، أي انه شارك في العدوان الذي انتهى كما تعلمون، يا أعزائي بقهر الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.

لماذا لا تتكلمون أيها الشهداء؟ لماذا لا تصرخون وانتم الذين منحتم حياتكم من أجل فلسطين وقضيتها العادلة؟ لماذا لا تحتجون وانتم الذين عطر دمكم الزكي تراب الوطن الغالي؟

عذرا إذا أطلت عليكم، ولكنني لا استطيع أن انهي مقالتي بدون التطرق إلى نقطة حساسة للغاية: شعبنا الفلسطيني يٌقتل يومياً في الضفة الغربية المحتلة، في قطاع غزة، في مخيم نهر الدم البارد في لبنان وفي العراق، وحفنة من أبناء هذا الشعب ترقص وتفرح لان الجزار براك والمجرم ايالون نجحا، وسيصلان إلى الحسم بعد أسبوعين.

التعليقات