31/10/2010 - 11:02

في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب../ راسم عبيدات

في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب../ راسم عبيدات
يصادف السبت 26/6/2010 اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، وتعرف الاتفاقية الدولية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بأنه "أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أو عقلياً يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو شخص ثالث على معلومات أو اعتراف على عمل ارتكبه أو يشتبه أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو شخص ثالث".

صحيح أن هناك عددا لا بأس به من دول العالم لا تلتزم بهذه الاتفاقية ولا تحترمها، وتمارس التعذيب على نطاق واسع، ولكن لا تجرؤ جهراً وعلانية على تشريع التعذيب، وأن يصبح سياسة ثابتة في مراكز تحقيقها وزنازينها ومعتقلاتها كما هو الحال في إسرائيل. فإسرائيل تعتبر نفسها دولة فوق القانون الدولي لا تسري عليها الاتفاقيات والقوانين الدولية، وهناك من يوفر لها ولمن يرتكبون الجرائم من قادتها ورجال مخابراتها المظلة والحماية من العقوبات الدولية، لأن هؤلاء أيضاً متورطون في التعذيب وجرائم الحرب.

ولعل الجميع شاهد ما ارتكبه الجنود والمحققون الأمريكان من جرائم وفظاعات وتعذيب بحق الأسرى العراقيين في السجون العراقية وتحديداً فضيحة سجن أبو غريب. وكذلك ما يمارس من تعذيب ممنهج ومشرع بحق الأسرى في معتقل غوانتنامو، وبالتالي يأتي توفير الحماية والمظلة لإسرائيل وما يرتكبه قادتها ورجال مخابراتها من جرائم وانتهاكات وتعديات صارخة على حقوق الإنسان والقانون الدولي في سياق وإطار المصالح المشتركة والحماية المشتركة.

وقد بدأت إسرائيل بعد الاحتلال مباشرة بممارسة واستخدام التعذيب بأشكاله المختلفة ( جسدياً ونفسياً) بحق الأسرى الفلسطينيين. ولم يكن التعذيب في أي يوم من الأيام في السجون الإسرائيلية حالة نادرة أو شاذة أو استثنائية، بل كل المعلومات والمعطيات تشير إلى أنه سياسة ونهج ثابت. فصحيح أن من يقوم به ويمارسه هم رجال المخابرات من محققين وغيرهم، ولكن هذا النهج والسلوك مغطى من المستوى السياسي والجهاز القضائي، حتى أن أطباء وممرضي المعتقلات والذين يفترض أن يكونوا مهنيين ولهم دور إنساني، كثيراً ما يكون دورهم مشاركا ومكملا ومتسترا على ما يمارس بحق الأسرى من تعذيب وتنكيل.

وحسب المعطيات والمعلومات المتوفرة من المؤسسات الحقوقية والإنسانية الفلسطينية التي تعنى بشؤون الأسرى في سجون الاحتلال، فإنه من مجموع ما دخل سجون الاحتلال وزنازينه ومراكز تحقيقه من أسرى فلسطينيين بعد الاحتلال وحتى اللحظة الراهنة (750,000 ) أسير فلسطيني فإن 98% تعرضوا إلى التعذيب بأشكاله المختلفة، و88% منهم تعرضوا للتعذيب بطريقة الشبح و 68% تعرضوا للتعذيب بوضع المعتقل في ثلاجة، وهو عبارة عن مكان ضيق جداً (مساحته 50 سم × 50 سم فقط)، بوضع فيه الأسير وهو مكبل اليدين والقدمين ويتم ضخ هواء بارد جداً من فتحة أعلى هذا المكان بحيث تكون درجة الحرارة في الداخل منخفضة جدا وتقترب من الصفر.

وتشير تلك المؤسسات والمعتقلون أنفسهم في شهادتهم ومذكراتهم إلى تعدد أشكال التعذيب التي تمارسها إسرائيل بحق الأسرى الفلسطينيين، والتي لا تقل عشرات، وربما مئات الأساليب، والتي تتنوع ما بين النفسي والجسدي. ومن هذه الأساليب ( الشبح على كراسي صغيرة مع تقييد اليدين للخلف وتغطية الرأس أو العينيين بنظارات سميكة جداً، والشبح على الجدران وقوفاً لفترات طويلة تمتد إلى عدة أيام، والضرب المبرح والذي قد يصل في بعض الحالات إلى الإغماء أو الوفاة، والتحقيق الدوار وهو من أخطر أشكال وأساليب التحقيق، حيث تتناوب على التحقيق مع المعتقل عدة طواقم من المحققين بشكل متواصل ومستمر، أو يتم نقل المعتقل من مركز تحقيق لآخر مع تواصل في عملية التحقيق من أجل إيصال المعتقل إلى حالة من الانهيار والاعتراف أو تقديم معلومات واعترافات كاذبة للتخلص من العذاب الشديد.

وهناك أسلوب على درجة عالية من الخطورة لجأت إليه المخابرات بشكل واسع، وخصوصاً بعد الفضيحة المدوية لرجال المخابرات الإسرائيلية، والتي أدانتهم فيها لجنة لآندو، حيث قال رجال المخابرات الإسرائيلية للجنة بأنهم لا يمارسون أي شكل أو نوع من التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين، بل يحققون معهم بشكل" حضاري جداً" ويقدم الأسرى الفلسطينيين على تقديم اعترافاتهم طواعية وهم يدخنون السجائر ويشربون المشروبات الساخنة والباردة، ولكن لجنة لاندو في تقريرها أشارت إلى كذب رجال المخابرات، ولكن بدلاً من معاقبتهم ووقفت سياسة التعذيب أقدمت على تشريع التعذيب بإجازة "استخدام ضغط نفسي وجسدي معقولين" مع المعتقلين من أجل الحصول على معلومات واعترافات منهم، في إجازة وتشريع واضحين للمحققين من أجل الاستمرار في ممارسة التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين، وترك لهم تحديد درجة "معقولية" الضغط النفسي والجسدي.

وفي أعقاب ذلك التقرير لجأت المخابرات الإسرائيلية إلى استخدام أسلوب تحقيق يوفر عليها الكثير من الجهد والوقت. كما أنه يشكل لها حماية من أية إجراءات قضائية وقانونية ناتجة عن تعذيب المعتقل أو وفاته، وهذا الأسلوب رغم أنه استخدم مع بداية الاحتلال، والمتمثل بوضع المعتقل في الزنزانة مع متعاون أو عميل من أجل الحصول منه على معلومات واعترافات، أو مع عدد من المتعاونين في غرفة في معتقل لنفس الغاية، إلا أن هذا الأسلوب، أسلوب وضع المعتقل مع عملاء (يطلق عليهم الأسرى اسم "العصافير")، جرى عليه الكثير من التطوير، حيث افتتحت وأقامت إسرائيل في أغلب السجون أقسام كاملة للعملاء والمتعاونين، بحيث يجرى نقل المعتقل إليه إما خلال التحقيق أو عند نهايته من أجل استكمال الحصول منه على معلومات واعترافات أو نزع اعترافات منه إذا لم يعترف في قسم التحقيق، بحيث يجري إيهامه من قبل المحققين بأن التحقيق انتهى معه، وطبعاً زيادة في التمويه والخداع، يقوم شرطي بتسجيل لإفادته، وينقل إلى أحد أقسام العار/العصافير في أحد السجون، والذين يحرصون على القيام بكل ما يقوم به الأسرى من إجراءات بحق الأسرى الجدد، وقد يمكث المعتقل في هذا القسم لمدة شهر أو أكثر، من أجل زيادة الطمأنينة عنده، ومن ثم الحصول منه على معلومات.

أما القول إن من يعترفون أو يقدمون معلومات، هم معتقلون جدد وقليلو التجربة ليس صحيحاً، فنسبة من يقدمون اعترافات عند العملاء/ العصافير قد تصل إلى 80 % أو أكثر. وطبعاً الحصول على معلومات أو اعترافات من الأسرى من قبل "العصافير" يتم بالترغيب والتهديد. وهنا لا مجال في هذه المقالة أو العجالة لشرح تفصيلي لهذا الأسلوب، ولكن من الهام جداً قوله إن هناك، وتحديداً ما بعد مرحلة أوسلو، قصورا وإخفاقاً كبيراً عند الحركة الوطنية الفلسطينية ومنظماتها الاعتقالية، في مواكبة ما تبتدعه وتطوره المخابرات الإسرائيلية من أساليب تحقيق، وخصوصاً ما يتعلق بهذا الأسلوب، حيث تغيب التوعية والتحريض والتعريف بهذا الأسلوب ومخاطره، من خلال الجلسات الأمنية أو التعاميم والكراسات الأمنية أو الكتب. ورغم ذلك يبدو أنه بدأت الحركة الوطنية الفلسطينية ومنظماتها الاعتقالية تتلمس مخاطر هذا الأسلوب، حيث قرأت في الكتاب الذي صدر أوائل الشهر الحالي بعنوان "منع الاعتقال" لثلاثة من قادة الحركة الاعتقالية مروان البرغوثي وعاهد أبو غلمه وعبد الناصر عيسى شرحاً وتحليلاً جدياً وعميقاً لهذه الظاهرة ومخاطرها وطرق الوقاية والتصدي لها وكشفها.

ومن أساليب التحقيق الأخرى الهز العنيف، والذي ينتج عنه أحيانا وفاة المعتقل أو إصابته بذبحة صدرية، وكذلك العزل في الزنازين لفترات طويلة لضرب الحالة المعنية والنفسية عند الأسير، والصعق بالكهرباء والحرمان من قضاء الحاجة وتغير الملابس الداخلية وغيرها من أساليب سادية يطول شرحها وتفصيلها.

في ذكرى اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، والذي تواصل فيه إسرائيل الضرب بعرض الحائط وتواصل تشريع التعذيب، لا بد من مواجهة فلسطينية لذلك، فالغطرسة والعنجهية الإسرائيلية تتصاعد يوماً بعد يوم، والمواجهة يجب أن لا تقوم فقط على تقديم شهادات حية عن ممارسة إسرائيل لهذا التعذيب أمام الهيئات والمؤسسات الحقوقية المحلية، بل لا بد من محاكمة لمن يمارسون هذا التعذيب ويشرعونه من خلال المؤتمرات والمحاكم الدولية التي تقدم لها شهادات ووثائق وإثباتات تتعلق بما يمارس من تعذيب بحق أسرانا من قبل حكومة إسرائيل ورجال مخابراتها في أكثر من ثلاثين مركز تحقيق وسجن إسرائيلي، ناهيك عن شن أوسع حملة دولية تفضح وتعري إسرائيل وشرعنتها للتعذيب بحق أسرانا وشعبنا الفلسطيني، فالمعطيات تقول إنه من بداية الاحتلال وحتى اللحظة الراهنة استشهد في أقبية التحقيق والسجون الإسرائيلية 199 أسيراً فلسطينياً.

التعليقات