31/10/2010 - 11:02

في حضرة المناضل بسام الشكعة../ راسم عبيدات*

في حضرة المناضل بسام الشكعة../ راسم عبيدات*
... ذهبنا مجموعة من الأصدقاء لزيارة المناضل الكبير بسام الشكعة "أبونضال"، هذا القائد المناضل الذي يحمل اسم على مسمى، رغم الكبر وتقدم السن والحالة الصحية، فهو يتقد شعلة ونشاطا، ويمتلك ذاكرة تؤرخ للقضية الفلسطينية في الكثير من محطاتها الأساسية.

وأبو نضال ليس شاهدا على العصر، بل هو دوماً في قلب الحدث يقود الجماهير ملتصقا بهمومها ومشاكلها، معبراً عن نبض شارعها. وأبو نضال هو من القادة التاريخيين للشعب الفلسطيني والذين مثلوا حالة نوعية في الكفاح والنضال والصلابة والصدقية وطهارة اليد واللسان والثبات على الموقف، والتمسك بأهداف وحقوق شعبه.

وهو من المبادرين لتشكيل لجنة التوجيه الوطني الفلسطينية – ذراع منظمة التحرير الفلسطينية في الداخل، والتي كانت ترسم وتقود مسيرة النضال الوطني الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة في السبعينيات. وقد احتل مواقعه ومراكزه الحزبية والتنظيمية بالعمل والكفاح والتواضع والصدقية، وهذا ما أكسبه ثقة جماهير شعبه، وجعله يحقق فوزاً كاسحاً في أول انتخابات بلدية جرت تحت الاحتلال عام 76، لكبرى المدن الفلسطينية، بلدية نابلس، والتي في عهده أنجزت الكثير من المشاريع الهامة والحيوية للمدينة وسكانها.

وحضور القائد الشكعة تجاوز حدود وحضور كونه رئيساً لبلدية نابلس، بل غدا زعيما وقائداً وطنياً على مستوى الوطن، يشارك بقوة وفاعلية في كل المناشطات والفعاليات الوطنية ضد الاستيطان وغيره من الممارسات الإسرائيلية القمعية بحق شعبنا الفلسطيني. وهو من القيادات الوطنية الصلبة الني وقفت بحزم ضد مشاريع روابط القرى العميلة، وكذلك عارض بشدة اتفاقيات "كامب ديفيد" والتي كان يرى أنها وجهت ضاربة قاصمة للبعد القومي في إخراجها لمصر كثقل بشري وعسكري وسياسي من المعركة.

وهذه المواقف دفعت قادة الاحتلال وعلى رأسهم وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك الراحل"عيزرا وايزمن" للتهديد بالمس به جسدياً. وكذلك لم تنفع معه كل الإغراءات لحمله على تأييد والموافقة على اتفاقيات "كامب ديفيد". ففي إحدى اللقاءات مع القنصل الأمريكي في القدس في تلك الفترة، قال له سنحل لكم مشاكل الكهرباء والماء والكثير من الأمور الخدماتية لمدينة نابلس، فرد عليه القائد الشكعة: وما علاقة ذلك "بكامب ديفيد"؟.. وانتهى اللقاء لكي يقول بشكل واضح وعلني لا قاطعة "لكامب ديفيد".

وزاد على ذلك أنه بادر وشارك في الكثير من المهرجانات والمؤتمرات والأنشطة الني تدعو إلى رفض تلك الاتفاقيات والعمل على إسقاطها. وهذا جعله في دائرة الاستهداف الإسرائيلي، حيث أقدمت في شهر حزيران/1980 عناصر من التنظيم الإرهابي الإسرائيلي السري على زرع عبوة ناسفة في سيارته، أدى انفجارها إلى بتر ساقيه، هذه الجريمة البشعة على أثرها اندلعت انتفاضة شعبية عارمة في الضفة والقطاع دامت عدة شهور، كانت بمثابة بروفة وممهد لانتفاضة الحجر الأولى كانون أول/ 1987.

والقائد الشكعة وغيره من قادة لجنة التوجيه الوطني، نظرت إليهم القيادة المتنفذة في المنظمة بريبة وشك، اعتقاداً منها بأن تلك اللجنة ستكون بديلاً لهم. والشكعة قائد مبدئي، اتخذ مواقف مستقلة ومعارضة للرئيس الفلسطيني السابق أبو عمار، وكما يقول القائد الشكعة، إن خلافه مع الرئيس الفلسطيني السابق أبو عمار لم يكن له جانب شخصي، بل له علاقة بالسياسات والمواقف والتي بلغت ذروتها باتفاقيات أوسلو، والتي يرى القائد الشكعة أن مخاطرها وتداعياتها على الشعب والقضية الفلسطينية، كانت كبيرة جدا،وما يدفع ثمنه شعبنا حالياً من انقسام وانفصال، هو نتاج تلك الاتفاقيات المجحفة.
ورغم قساوة المرحلة وخطورتها، فلديه تفاؤل عال بالمناضلين والمقاومين، ويرى أن نجاح الحوار الوطني يتوقف على مغادرة دعاة نهج التفاوض للأوهام حول أن يثمر هذا المسار عن تسوية عادلة أو حتى تلبي الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

ويرى ضرورة الكف عن الحديث عن اللازمة التي يرددها البعض في الساحة الفلسطينية، بأن أي حكومة فلسطينية قادمة عليها الالتزام بشروط الرباعية والاتفاقيات السابقة، فالمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية تجاوزت ذلك، ناهيك عن أن شعبنا يريد بالأساس حكومة تعبر عن إرادته وتنال ثقته، وامتلاك الإرادة ضروري لتجاوز ذلك، فأمريكا وأوروبا الغربية اضطرت لتغير مواقفها في أكثر من قضية، مواقفها من حزب الله وسوريا وإيران وحركة طالبان، واستمرار الطرف الفلسطيني بالتمسك بشروط واتفاقيات داستها إسرائيل بدباباتها، وكذلك في ظل تعمق اليمينية والتطرف في المجتمع الإسرائيلي وإقامة حكومة يمينية إسرائيلية لا تعترف ولا تلتزم لا باتفاقيات ولا بحقوق شعب، فلماذا يصر البعض فلسطينياً على تلك الشروط؟

والقائد الشكعة بعد اتفاقيات أوسلو، وإن كان قد انزوى قليلاً، ناهيك عن محاولات قيادة أوسلو لتهميشه وإسكات صوته الوطني الصادق، وإبعاده عن دائرة الفعل والقرار، وشن حملة ظالمة على ما يمثله من مواقف قومية وعروبية، تثبت الأيام كل يوم أنه بدون حاضنة عربية للقضية الفلسطينية، فإنه من المستحيل على شعبنا تحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال.

أبو نضال بكل خبراته وتجاربه ومعانياته ومواقفه الصلبة والمبدئية، كان يجب أن يكون حاضراً على طاولة الحوار الوطني، فهو من ضمائر هذا الشعب، ولا نعرف لماذا يغيب مثل هذا القائد الوطني الكبير.؟ ونحن نعرف أنه من دعاة الوحدة لا الانقسام، من دعاة التشبث بالمبادئ والحقوق لا التنازل والتراجع.

ولكن لا بأس فأبو نضال من القادة الفلسطينيين القلائل الذين في مرحلة الرويبضة والزمن الحراشي يقبضون على مبادئهم كالقابض على الجمر، والإمام علي قال" لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه".. ويبقى أبو نضال يمثل حالة رمزية نوعية في النضال الوطني الفلسطيني، وضميرا من ضمائر هذا الشعب.

التعليقات