31/10/2010 - 11:02

ما الذي حدث في غزة؟!../ عبد اللطيف مهنا

ما الذي حدث في غزة؟!../ عبد اللطيف مهنا
ما الذي حدث في غزة أو قد يحدث لاحقاً فيها؟!
لعل من السهل علينا القول مع القائلين أنه ناتج لآخر حصيلة تلقائية تتأتى بالضرورة من "انقلاب" سلطوي على "انقلاب" سبقه، تلاهما ثالث... انقلاب على حصاد صندوق انتخابات عقدت تحت احتلال وبموافقة منه، أو على ريع ديمقراطية في أرض مستباحة وشعب مكبل، وبرعاية أطراف ما تدعى "المجتمع الدولي" ورهن توظيفاته أو بهدفها . فـ"انقلاب" على "الانقلاب"، وأخيرا "انقلاب" على المنقلبين"، شاهراً مراسيمه الرئاسية الثلاثة المستحيلة تطبيقاً، والتي قصد منها أن لا يترك للصلح مطرحاً، كما يقول المثل الشعبي، مستقوياً بذات المجتمع الدولي، والتعاضد بين الإقليمي وليس مجرد التواطؤ الضمني كما جرت العادة سابقاً...

...ومن السهل علينا القول أيضا، إنها حرب إلغاء، وقودها الفلسطينيون وقضيتهم، تدور رحاها بين فريقي سلطة وهمية ترسف تحت احتلال غاشم... صراع على سلطة يدور تحت ركامها ومن فوقه، بعد أن تهاوت أوهام أوتاد بنيانها الزائفة وبدد المحتلون ويبددون يومياً بالحديد والنار والتهويد سرابها البائس.

لكن ليس من السهل على احد أن يزعم استغراباً لما حدث، وأن يطمع بأن يصدقه احد، أو يدعى استهجاناً لما هو كان بكل بساطة متوقعاً، أو أن يتباكى مثلاً على الدم الفلسطيني المراق هذه المرة بيد فلسطينية، متحسراً على خطوط حمر انتهكت، أو ما كانت تدعى كذلك بعلمه وبعلم الجميع، سبق أن بدأ التحضير لانتهاكها، جهاراً نهاراً، منذ أن كان التخطيط أو كانت التهيئة والتعبئة لكل من "الانقلابات" الثلاثة... جرى ذلك على صعيد المقتتلين بمباركة بعض المحيط وتبريكات من هم الأبعد...

ليس من السهل زعم ذلك، لأن ما جرى وسيجري في غزة في قادم الأيام ولاحقاً في الضفة، جاء ويجيء في سياق موضوعي ومحتوم... كان نتائج منطقية لمقدمات كانت فيما ستؤدي إليه المحصلة لمن شاء أن لا يتعامى عن حقائق الأشياء...ما جرى كان لا بد أن يجري شاء طرفاه أم أبيا، هذا إذا افترضنا حسن النية وقد عزت، أو تواطؤ المتواطئين إقليميا ودولياً، أو عفّوا عن اقتراف لم يتوانوا عن اقترافه يوماً... لماذا؟

إنها الأسباب التالية:
أولاً: التداعيات الأوسلوية الكارثية المحتومة...مشروع بائس بني على أوهامها التسووية بل قل التصفوية، وبلغة أخرى، وفق الاشتراطات الإسرائيلية، لا بد وأن يوصل إلى هكذا نتائج.. هكذا شوائن... مشروع، بل قل نهج، تنازل عن أكثر من ثمانين في المائة من الوطن التاريخي محولاً ما تبقى منه إلى أراض متنازع عليها، ينهش التهويد أحشاءها ويفتتها كانتونات ومعازلاً مقطعة الأوصال أشبه ما تكون بمعتقلات كبرى متناثرة في الضفة، ومعتقل واحد مكتظ ببشره أشبه ما يكون بالحاوية البشرية محكمة الإغلاق وقيد الانفجار، بانقلاباتٍ أو من دونها.

ثانياً: أن يسعى فريق مقاوم رئيس من معارضي أوسلو إلى ملعبها بظلفه، بعد أن تم استدراجه إلى فخها الانتخابي، ليقع في خطيئة استراتيجية طرحت عليه وعلى الوطن الأسير والشعب الذبيح متحارجة مستحيلة الحل، هي: كيف التوفيق بين ضّدان لا يجتمعان، هما السلطة والمقاومة، وكلاهما تحت احتلال ...كيف التوفيق بين نقيضين من مثل برنامج مقاوم وآخر مساوم ؟!!

ثالثاً: أن ينسى الجميع وعلى وجه الخصوص، ديكة صراع السلطة الوهمية في القفص الأوسلوي محكم الإغلاق، أن كليهما خاسر والقضية قبلهما هي الخاسرة، كنتيجة لهكذا صراع... وأن ينسيا أو يتناسيا أن الاحتلال لازال هو الاحتلال، وأن صراعهما، وحتى وفاقهما، هو ضمنا برعايته، أو في النهاية قيد تحكمه.

هذا من جانب ومن آخر، وفي ذات السياق ورهن خدمته، يأتي الحصار الدولي والإقليمي المضروب على الشعب الفلسطيني، ليس لتجويعه فحسب، وإنما لإذلاله وكسر إرادته وإخضاعه، أو على الأقل، تعهير نضالاته وصموده الأسطوري عبر جره إلى درك الاقتتال الداخلي، أو إيصاله إلى ما وصلت إليه الحال في شوارع غزة الدامية. وإلا ما السر أو الدافع وراء كل هذا الحصار الظالم الخانق؟ وما الذي يكمن وراء هذه النخوة الأمريكية، الأوروبية، اليابانية، انتصاراً لشرعية الرئاسة ضد "لاشرعية" حكومة الانتخابات التي رعوا عملية نصب صناديقها. لتعقبها نخوة عربية الأقرب إلى كونها ارتدادية لسابقتها، لا تختلف عنها في مراميها، وان اختلف فحوى التعبير عنها؟؟!!

رابعاً: الم يتفرج المتفرجون، أعداء محتلين كانوا، أم مجتمعاً دولياً لا يقل عدائية ومعهم والعجز العربي، على شعب يحاصر ويجوع ويذبح، ووطناً يهّود ما تبقى منه، وسلطة وهمية ليس لها من السلطة إلا اسمها وأشبه بشاهد الزور، يتلهى طرفاها بالصراع على مواقع الجلوس على ركامها حيث لا حول ولا قوة ولا سلطة لمن يجلس على هذا الركام، حتى على أجهزتها الأمنية العديدة التي تتصرف وكأنما هي من يحكم، وتنسى أنها ومن تحكمه تحت حكم الاحتلال ؟!

والآن، وهذا شأن المتفرجين، لا نعدم تعالى التباكي المتواطئ من بعضهم على شرعية من فقد شرعيته النضالية، وكثرة الندّابين إشفاقا على الدم الفلسطيني المراق بأيد فلسطينية من قبل من أسهم في إيصال الفلسطينيين إلى هذه الحال، وهو على الأقل لم يتحمل واجبه تجاه الحؤول دون ما يجري لهم، كما لا يخفى على احد أن كثيراً من هؤلاء المتباكين أججوا ويؤججون الاحتراب الكارثي البائس المشين بانحيازهم لطرف ضد الأخر، وأن الندّابين أو اغلبهم يحاولون إعفاء أنفسهم من المسؤولية التي تقول مركزية القضية أن لا فكاك لهم منها... أو لم يسهم كل ما تقدم في إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه، وبالتالي ألا تتحمل أطرافه هذه المسؤولية عما يجري أو سيجري ؟!

خامساً: مشكلة الشعب الفلسطيني التاريخية، وعبر أكثر من قرن من النضال العنيد والتضحيات الجسام والصمود الأسطوري أنه يظل دائماً متقدماً على قياداته، والآن وفي هذه المرحلة الخطرة والمنعطف التصفوي، وفي ظل العجز العربي، والتكالب الدولي عليه وعلى الأمة... الأمة التي لا تتجزأ قضاياها، سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين أو السودان والصومال... يواجه ما يواجه، وظهره إلى الحائط، وفي غياب قيادة تاريخية تقود نضاله وتستثمر تضحياته تحريراً لا تمريراً، وتحافظ على مكتسباته النضالية فلا تبددها... مشكلته، أنه يواجه مرحلة تتسم بشبه إفلاس تام لكافة أشكال النضال التي جربها منذ أن كان الصراع ولأكثر من قرن خلا وحتى الراهن، حيث لا يلوح بعد ما يستوجبه وجود مثل هذا الإفلاس من إرهاصات أو بوادر ابتكار لأشكال نضالية جديدة هي أكثر ملائمة ونجاعة، هي في حكم الضرورة، من شانها أن توازي أسطورية تضحيات هذا الشعب الفدائي بامتياز... شعب هو في نهاية المطاف قادر بلا شك على ابتكارها.... راهناً يزداد الواقع خطورة لغياب مجرد برنامج حد أدنى مجمع عليه، يهدف، على الأقل، إلى دحر الاحتلال دون قيد أو شرط، ويتمسك بحق العودة، ويعتمد المقاومة، بكافة أشكالها، خياراً لتحقيق ذلك، بعيداً عن أوهام التسوية الثابت بطلانها، ومتاهاتها التسووية الملموس كارثيتها، على القضية والوجود الوطني برمته.

ما حدث في غزة، ما قد يحدث في الضفة، يتحمل مسؤوليته، الأوسلويين ومن ارتضى اللعب في ملعبهم، التواطؤ الدولي، العجز العربي، ومع كل هؤلاء كافة القوى والفصائل الفلسطينية، من غير طرفي الاقتتال، تلك التي اتخذت موقف المتفرج أو العاجز، أو ارتضت لنفسها أدواراً هامشية أو غير فاعلة... وما تقدم يؤكد على ما قلناه بداية، انه لا غرابة فيما يحدث... ويطرح على الفلسطينيين وكل الأمة، سؤالاً قاسياً:

لقد سقطت، قبل البارحة بزمن، الخطوط الحمر المفترضة في غزة، سال الدم الفلسطيني هناك بيد أهلها... العرب حجزوا لهم مكاناً متقدماً بين المتفرجين، و"المجتمع الدولي" يتواطأ، والعدو الشامت يتربص، فما الذي سيسقط بعد ؟!!
انه كل شعارات التكاذب المجافية لمضمونها.... الوحدة الوطنية، الحوار الوطني، ترتيب البيت الداخلي... والأهم هو سقوط كافة الأوهام التسووية... أكذوبة تعايش برنامجين نقيضين، تحت احتلال، وتحت طائلة التدخل الدولي والإقليمي، ووطأة الإملاءات الاحتلالية... برنامجان، واحدهما مقاوم والآخر مساوم.

التعليقات