31/10/2010 - 11:02

هلوسات إنتخابية / أحمد أبو حسين

هلوسات إنتخابية / أحمد أبو حسين
يبدو الحديث عن استطلاعات الرأي والتي تبادر لها مراكز مرتبطة ب "المؤسسة الاسرائيلية " حول "نوايا تصويت المواطنين العرب في انتخابات الكنيست المقبلة " لا يحمل أي معنى عندما يدرك الناس أهداف هذه الاستطلاعات ومدى صدقيتها وتأثيرها على صياغة الرأي العام. لكن الحديث يبدو مجديا عندما تخرج مؤسسة بحثية "أمنية" اسرائيلية مثل "مركز ديان لدراسة الشرق الاوسط وأفريقيا" في جامعة تل ابيب وبواسطة "برنامج بحث السياسة العربية " وبادارة الباحث المستشرق ايلي ريخس في هجمة اعلامية منظمة لتسويق أفكار الاسرلة والاندماج وتدّعي بناء على "معطيات" جمعوها أن 48% من المواطنين العرب سيدلون بأصواتهم للاحزاب الصهيونية، وذلك بعد أقل من أسبوع على "استطلاع" آخر بيّن أن 38 في المئة من المواطنين العرب سيصوتون للأحزاب الصهيونية. ( لا هوية ولا يحزنون .. تي تي مثل ما رحت جيتي .. كما عبر عن فرحته احد الباحثين الاسرائيلين في الاعلام )

لا نريد مناقشة الاستطلاع ولا الوقوف عند العينة ومدى تمثيلها للواقع وما هي الطريقة التي اتبعها محرر الاستطلاع، ولا نريد أن نسأل كيف توصل محرر الاستطلاع الى نسبة التصويت الاجمالية في اسرائيل ومن أين أتى بها، ولماذا وزّع 23,3 في المئة أي ربع المشاركين في الاستطلاع على كل الاحزاب بما فيها الصهيونية والذين فضّلوا عدم الاجابة لأسباب سرية أو لعدم اتخاذ القرار حتى الان، وهذا يؤثر أو يضر بالنتائج كما يعترف محرر تقرير الاستطلاع .

نقول أولا أن الاستطلاع، ورغم ملاحظاتنا الجمة عليه يفيد بأن "التجمع الوطني الديمقراطي" هو الحزب العربي الوحيد الذي يحافظ تقريبا على النسبة المئوية من الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات السابقة ( تراجع من 19.8 الى 18.4 في المئة) لكن ووفقا للاستطلاع ذاته فإن الحزب سيحصل على 74 ألف صوت أي أكثر بنحو ألفي صوت مما حصل عليه في الانتخابات الأخيرة (دون الاشارة أنه حتى في هذه الحالة سترتفع اصوات التجمع وتحصل على اكثر من 3 مقاعد في حالة وصلت نسبة التصويت الى 70%) بينما تتراجع الجبهة مع حليفتها من 26.8 في المئة الى 21.9 في المئةأي أنها ستحصل على 87 ألف صوت أي أقل ببضع آلاف من الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات الأخيرة. أما "الموحدة" فتتراجع من 18.6 في المئة الى 10.6 في المئة وتحصل على نحو ثلثي الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات السابقة. كما لا يذكر الاستطلاع نسبة قائمة الجبهة الديموقراطية لو خاضت الانتخابات لوحدها . ولا يشير الى قوة "العربية للتغيير" (وإذا كانت فعلا تساهم في انجاح قائمة الجبهة. ويقول الاستطلاع أن حزب العمل سيحصل على 28 في المئة من اصوات العرب أي أكثر من الجبهة ب 6 في المئة من اصوات العرب.

لا نريد مناقشة من يقف وراء هذا الاستطلاع ولكن من حقنا أن نسأل ما هي اهدافه الحالية.. وماذا يريد من الاحزاب العربية ..أم الغيرة على مصلحتها؟. هل هي زرع البلبلة المبكرة؟.. أم هي محاولة ضاغطة لاستيعاب ظواهر انتهازية فردية أم هي محاولة لفرض تحالفات.. وما هي المصلحة الاسرائيلية في الانشغال الاعلامي غير المبرر وكأنها موجة تحريض صباحية ..

وقبل ان نناقش هذه المعطيات علينا أن نقّر أن ايلي ريخس ليس محايدا وانما منحاز لمؤسسة منشغلة منذ سنين في سلوك العرب وأن أبحاثه هو بالذات تابعت دائما سلوك "عملية الاسرلة" فكتب عن "انعزالية التيار القومي والاغتراب والاندماج" ... فاكتشف أن تسارع عملية الاسرلة يكمن في وحدتهم في "قائمة انتخابية" واحدة كي تستطيع الاحزاب الصيونية أن تحصد أكبر عدد ممكن من الاصوات بسبب وجود قائمة واحدة فقط بمعنى تقليص الخيارات الى امكانيتين ( ديخوتومي ): التصويت للعرب أو التصويت للاحزاب الصهيونية .. في العام 1977 وغداة يوم الأرض خاضت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة انتخابات الكنيست وبقيادة مائير فلنر ويمكن اعتبارها القائمة "العربية" الوحيدة في حينه حتى بمفاهيم البحث الاسرائيلي وحصلت على خمسة مقاعد فقط اما الاحزاب الصهيونية فقد حصلت على ما يقارب ال 50 في المئة .

ويذهب البحث الى أكثر من ذلك في "الهلوسة" ، فيقول أن قائمة عربية واحدة وهي الجبهة والعربية والتغيير ستحصل على 3 مقاعد (انتبهوا كيف يفرض الاستطلاع تحالفا على الجبهة مع الطيبي)، اما التجمع فيقترب أو يتأرجح بجانب نسبة الحسم أما القائمة العربية (دهامشة الصانع) ستختفي من الوجود . والمفأجاة الكبرى أن حزب العمل سيحصل على ثلاثة مقاعد من المواطنين العرب.

نذكر أن ريخس ومعهده توقعا في انتخابات 2003 لقائمة الجبهة والعربية للتغيير 4 مقاعد (وحصلت على 3) وتوقعا للتجمع الوطني مقعدين فخيّب ظنه وحصل على ثلاثة اما القائمة العربية فتوقع لها 3 مقاعد وحصلت على مقعدين . وهذا دليل ان استطلاعاته ليس لها اي صدقية بحثية، خاصة وان الصحف الاسرائيلية أجمعت منذ فترة ان الاحزاب العربية ستحصل على 8 مقاعد.

هناك من استعجل ورثى حال الاحزاب العربية لأن البحث يمارس ضغوطا على اتجاهات لأخذه بدل شن حملة مضادة ضد الاحزاب الصهيونية ويبدو ان طريقة "بث الشائعات حول استطلاعات " هي الطريقة المثلى لاستيعاب ظواهر فردية ليس لها اي رصيد جماهيري ولو كان لها حضور فعلا لتطرق لها البحث كوحدة واحدة غير ملحقة في قائمة خسرت مقعدا في الانتخابات السابقة بسبب "الاستطلاعات " نفسها .

وهناك عرب يعتبرون انفسهم خبراء في شؤون العرب يسددون فاتورة ويهاجمون النواب العرب ويعتقدون ان "الاتجاه هذه المرة مختلف تماما عما كان في الماضي" دون ان يبادر ولو بكلمة واحدة الى خطورة التصويت للاحزاب الصهيونية.

نحن متأكدون وواثقون أن المواطنين العرب سيدلون بأصواتهم للاحزاب العربية. وواثقون أيضا أن الاحزاب العربية ستعبر كلها نسبة الحسم لو ابتعدت عن الشائعات وردّت بحزم على هجمة سرقة اصوات العرب وهذا الكلام ليس للاستهلاك، فتصويت 400,000 عربي وهي 70 في المئة من المصوتين العرب كفيلة بايصال عشرة نواب عرب حتى لو ضاع منها 100,000 صوت ويتوجب التجند كي لا تضيع. وهذا دور الاحزاب والصحافة العربية التجند ضد الاحزاب الصهيونية.

يقول أهل البلد في كل شتاء أن " السنة أصقع سنة " وفي السنة القادمة سيقولون الكلام نفسه.

تُرى من يحضّر للاستطلاع القادم؟؟

التعليقات