07/10/2018 - 12:41

هل تعيد الدول الخليجية علاقتها مع الأسد؟

للسعودية تجارب فاشلة كثيرة مع بشار الأسد، فهي فشلت في التفاهم معه حول لبنان في الزمن الرئيس إلياس الهرواي، قبل أن تتأزم علاقاتهما بعد اغتيال الحريري الأب وإسقاط حكومة الإبن. غدر بها في العراق عندما دعم نوري المالكي.

هل تعيد الدول الخليجية علاقتها مع الأسد؟

برز خلال الأسبوع الماضي حدثان بارزان في دلالاتهما السياسيّة، أولهما اللقاء العابر الودي الذي جمع وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، مع وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد خليفة؛ أما ثانيهما فتجلى بإجراء صحيفة "الشاهد" الكويتية، محدودة الانتشار، مقابلة مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعد قطيعة إعلاميّة معه دامت سنوات سبع. على عادتهم، رحب مؤيدو النظام بهذه التطورات، وعدوها إشارات تأكيدية على نهاية الحرب السورية لصالحهم داخليًا وخارجيًا.

في المقابل، نظر أنصار الثورة بعين الريبة لما جرى، لكن أراءهم تباينت في تقييم معانيها. في ضوء ذلك، يسعى هذا المقال إلى الإجابة عن سؤال راهن عن مدى استعداد الدول الخليجية لإعادة تطبيع علاقاتها مع الأسد؟ لكن قبل ذلك، يستعرض محددات مواقف الدول الخليجيّة من الثورة والنظام خلال الأعوام الماضيّة بما قد يساعد على فهم أعمق للتحولات الجاريّة مؤخرًا.

ملكيات ضد التغيير

تصنف الدول الخليجية الست وفق مقياس بيت الحرية "Freedom House" بأنها "غير حرة" لكنها تتباين في انغلاقها أو انفتاحها عن بعضها البعض. تتصدر السعودية نموذج الأنظمة الصلبة أو الغلقة حيث تنعدم فيها تقريبا الحريات السياسيّة والمدنية بالمطلق على غرار السعوديّة. في المقابل، تبرز الكويت بوصفها الأكثر انفتاحًا إذ تمتلك قدرا معقولا من الآليات الانتخابية المضبوطة. وفي موقع وسط بين النموذجين السابقين تتموضع قطر والإمارات، إذ أن الرفاه الاقتصادي والتنمية، أو ما تسميه الأنظمة بـ"شرعية الإنجاز" هو المحدّد الرئيس الذي يحكم بين الدولة والمواطن أكثر من الآليات الانتخابية أو القمعية.

ضمن هذا السياق، كان طبيعيا أن تقف معظم دول الخليج ضد الثورات العربيّة كون الأخيرة تعبر عن دخول الشعوب للمجال العام، وهو ما لا تحبذه هذه الدول. وباستثناء قطر، التي دعمت غالبية الثورات، لم تصدر عن هذه الدول الخليجية مواقف مؤيدة للثورات أو مخرجاتها أكانت في مصر أو في تونس أو في اليمن. كما أجمعت غالبية هذه الدول على ضرورة قمع الحراك الاحتجاجي في البحرين، وإغلاق أي باب قد يؤدي إلى انتقال عدوى الاحتجاجات إليها.

وأمام هذا الواقع، لم يكن الموقف من الثورة السورية مختلفًا في بدايته، لكنه تفاوت بين محاولات النصح والإقناع بالإصلاح كما جرى مع قطر والسعوديّة، أو الانعزال على اتخاذ موقف على غرار البحرين، والإمارات، والكويت، أو التأييد السلبيّ للنظام كما جرى مع سلطنة عمان. لكن بعض هذه الدول غيرت موقفها بعد فترة، واتخذت موقفا واضحا ضد النظام كما هو الحال مع قطر والسعوديّة.

قطع العلاقات الدبلوماسيّة

بعد زيادة عنف النظام وجرائمه، ونتيجة ضغط سعودي وقطري اتخذ مجلس التعاون الخليجي قرارًا يجبر دوله على قطع العلاقات مع النظام. وقد تبيانت الاستجابة لهذا القرار بين القطع الكامل والاعتراف بشرعية الأجسام الثورية بديلا عن النظام كما حصل مع دولة قطر، وبين القطع الجزئي مع الإبقاء على الجانب القنصلي كالسعودية والبحرين والكويت والإمارات، وبين من استجاب للقرار على خجل لكنه احتفظ بخطوط دبلوماسية عديدة كسلطنة عمان. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تنافست دول الخليج على التأثير على المعارضة السوريّة. وفي حمأة هذا التنافس، برزت أجنحة قريبة من قطر وأخرى محسوبة على السعوديّة في مرحلة الصراع على قيادة الائتلاف والمؤسسات الثورية الأخرى قبل أن يستقر الأمر للسعودية التي أجبرت قطر على التراجع خطوة إلى الوراء، وهو دور لم تكن قطر تمانع فيه، لا سيّما بعد الحماس السعودي لإسقاط النظام بشتى الوسائل بما فيها العسكريّة. وعلى الرغم من جميع الخلافات، فإن الدعم الخليجي للثورة السورية، وعلى علاته وتداعياته الكارثية الأخرى (الأسلمة، أمراء الحرب، الفساد) ساعد فصائل المعارضة على إلحاق هزيمة بالنظام والميليشيات الإيرانية واللبنانية في الربع الأول من عام 2015. آنذاك، كان النظام قاب قوسين أو أدنى من السقوط لولا التدخل العسكريّ الروسي الذي غير المعادلات والمواقف.

الإسلام السياسيّ: عقدة الإمارات

على الرغم من احتضانها له ورعايتها لعديد من قياداته قبل عقدين من الزمن، اتخذت الإمارات موقفًا مناوئًا للثورات بشكل عام، وموقفًا استئصاليًا ضد القوى الإسلاميّة التي شاركت فيها وخاصة حركة الإخوان المسلمين. ونتيجة أسباب مختلفة، بدأ الموقف الإماراتي يتسرب إلى دوائر صنع القرار في السعودية قبل أن يتبنى بشكل كامل في زمن الملك الراحل عبد الله، حيث كانت السعودية رأس الحربة في ترتيب ودعم الانقلاب العسكري في مصر، والانقلاب على حكومة التوافق في اليمن عن طريق غض الطرف عن توسع الحوثيين إلى صنعاء، والذي كان يفهم بأنه الطريقة الوحيدة للقضاء على حزب الإصلاح في اليمن. في سوريّة، وبعد تولي زمام المبادرة بديلا عن قطر، جرت محاولات لاستبعاد القوى الإسلاميّة أو شرذمتها، لكن المملكة أخفقت في تشكيل جسم عسكريّ بديل عنها، فاضطرت في بعض الأوقات إلى استعادة التحالف معهم لفترة وجيزة قبل نقضه مجددا بعد التدخل الروسيّ.

شراء الوهم الروسي

عندما خططت روسيا لتدخلها وضعت نصب عينها منع تكرار تجربة أفغانستان في الثمانينات. لم تنشر موسكو قوات عسكريّة برية إلا في مواقع محدودة لتقليص الخسائر المباشرة. كما فتحت خطوط تواصل مع الدول المعنية بالملف السوري لمنع الدخول معها في لعبة صفريّة كما كاد يحصل مع تركيا إبان أزمة إسقاط الطائرة. ضمن هذا السياق، باعت روسيا السعودية ودول الخليج المتحالفة معها وهمًا عن إمكانيّة إخراج إيران من سورية.

صدّقت السعودية الأوهام الروسية، وبنت أوهامًا أخرى عن أنها ستكون "راكبًا بالمجان" نتيجة أي صدام أميركي- إسرائيلي مع إيران في سورية، وعن أنها لن تخوض معارك الآخرين بعد اليوم، ولن تلتفت لمن خاض معركتها، أي المعارضة السوريّة. على هذا الأساس، سعت المملكة إلى إعادة ترتيب المعارضة السورية لتساير الرغبة الروسيّة في نقل الملف السوري من أزمة لن تحل إلا بانتقال سياسي يخلص البلاد من نظام ديكتاتوري إلى أزمة على الدستور السوري.

الآن، وبعد ثلاث سنوات، لم تحصل السعوديّة على شيء من مساعيها. لم تنجح أو بالأحرى لم تبادر روسيا إلى إخراج إيران من سورية، ولم تنفع الضربات الإسرائيلية الأميركية في إضعاف طهران. وبدل أن تعيد المملكة حساباتها، راحت تهرول إلى الأمام في سيناريو وهمي آخر يسعى لإقناع النظام السوري بإخراج إيران مقابل تعهد سعودي بإعادة الإعمار وتسهيل عودة اللاجئين. كان هذا حرفيًا ما نقله الوزير البحريني قبل أن يطبع قبلاته الحميمية على وجنتي زميله السوريّ. هذه القبلات التي كان ينتظرها الكثيرون في الخليج تمخضت عنها أولى المقابلات الإعلامية، والتي قد تفتح الطريق لتطبيع إعلامي وإعطاء الأسد منبرًا ضمن وسائل الإعلام الخليجية.

ما النتيجة؟

للسعودية تجارب فاشلة كثيرة مع بشار الأسد، فهي فشلت في التفاهم معه حول لبنان في الزمن الرئيس إلياس الهرواي، قبل أن تتأزم علاقاتهما بعد اغتيال الحريري الأب وإسقاط حكومة الإبن. غدر بها في العراق عندما دعم نوري المالكي بديلا عن إياد علاوي الذي حصلت كتلته على النسبة الأكبر من مقاعد البرلمان. مع ذلك تجري المملكة بقيادتها الشابة أو "الطائشة" وتجر الخليج معها إلى صفحة وهم جديدة قد لا تخرج السعودية والخليج منها سالمة هذه المرة.

 

(تلفزيون "سوريا")

التعليقات