30/10/2018 - 14:05

الناصرة بين مرشّحين: طالعة.. لكن إلى أين؟

ما يدعو للقلق بشكل أكبر مستقبلًا وبحاجة إلى وقفة جدية وقراءة معمّقة؛ هو الاعتياد على حالة الفوضى والتعايش معها، حيث يصبح بالنسبة لقطاعات واسعة في المدينة اختيار رئيس للبلدية يساهم في تكريس حالة الفوضى العامّة أمرا عاديا بل ومطلوبا

الناصرة بين مرشّحين: طالعة.. لكن إلى أين؟

تواجه مدينة الناصرة اليوم، الثلاثاء، بمناسبة انتخابات البلدية، سؤالًا كبيرًا حول المسار الذي قد تأخذه هذه الانتخابات في ظل أجواء الاستقطاب والتوتّر التي تشهدها المدينة، التي انعكست في الأسبوع الأخير في تصعيد الهجوم والتراشق بين حَملات المرشّحيّن رئيس البلديّة علي سلّام ومنافسه رجل الأعمال وليد عفيفي. تبدو أحداث العنف، آيلة للاستمرار وسهلة الاندلاع في أول احتكاك قد يحصل ويجر معه سلسلة من أحداث العنف الأخرى.

لطالما كانت انتخابات بلدية الناصرة ومنذ عقدين، قضية بحد ذاتها تختلف عن باقي الانتخابات في البلدات العربيّة، وتُشغلنا معها. في الانتخابات السابقة لم تُشغلنا فحسب، بل قسّمت الفلسطينيين في الداخل في النقاشات التي امتدت إلى البلدات العربيّة الأخرى، واحتلّت الفضاء الافتراضي بالمناقشات الحادّة والمشاحنات.

أفضت تلك الانتخابات بخسارة جبهة الناصرة للرئاسة بعد حكم دام 40 عامًا، ونجاح علي سلّام الذي كان في الجبهة وخرج منها واستطاع هزيمتها، كما أخفقت النائبة حنين زعبي في النجاح في الانتخابات أو في تشكيل تيار ثالث من خلال قائمة التّجمّع - القائمة الأهليّة لكسر حالة الاستقطاب داخل المدينة التي تعود بداياتها إلى أواخر سنوات التسعينيات في أعقاب أحداث شهاب الدين.

تبدو وصفة الاستقطاب هذه جيدة بالنسبة لعلي سلّام الذي ركّز خطاباته جميعها خلال الحملة الانتخابيّة على مهاجمة وليد العفيفي على أساس أنه الوجه الجديد للنظام القديم، مع العلم أنه خلال فترة حكم الجبهة، عمل عفيفي وسلّام معًا من خلال مشاريع في البلدية للناصرة، أصبحت الآن محل خلاف وهجوم متبادل بينهما.

إلى جانب وصفه بوجه الجبهة الجديد، تهاجم حملة علي سلّام العفيفي كونه رجل أعمال و"رأسماليًا" يريد دخول البلدية من أجل مصالحه، وتطرح بعض الأوساط غير المحسوبة على سلّام تساؤلات حول أسباب دخول عفيفي القادم من عالم الأعمال إلى هذه الانتخابات وعالم السياسة الذي كان بعيدًا عنه طوال حياته، وهي أسئلة مشروعة يجب أن تبقى حاضرة حتى في حال فاز العفيفي من أجل الشفافيّة والرقابة، دون إنكار شرعيّة أن يقرر رجل أعمال خوضه الانتخابات مع برنامج عمل سياسي نهضوي.

التفّت الأحزاب السياسيّة التي تراجعت قوّتها وهيبتها في الشارع، حول وليد عفيفي ورأت فيه حبل نجاة ومرشّحًا قويا بالإمكان التعويل عليه لهزيمة علي سلام الذي هاجم الأحزاب مرارًا والقيادات العربيّة وقطع علاقته مع لجنة المتابعة ووثّقها مع المؤسسة الإسرائيليّة. لا شكّ  أن سلّام عزز من الشعبويّة السياسيّة ومظاهرها، كما لا شكّ أيضًا أنه مثّل قطاعات واسعة وساعدها، وهناك من يرى فيه على رغم كل ما يُقال عن شخصيّته وتصريحاته الخارجة عن حدود اللباقة المتعارف عليها، أفضل للناصرة وأقرب إلى الطبقات المهمشة بتواجده بين الناس واستقباله للجمهور، وهذه أمور تهم الناس وتلعب دورًا حاسمًا في عالم المجالس المحليّة والبلديّات.

في المقابل، عكسّت حملة وليد عفيفي الرسميّة توجهًا مهنيًا ولغة هادئة حتى لو كانت هجوميّة ضد سلّام وخطابًا عقلانيًا بعيدًا عن الشعوبيّة، ولم تخرج خطاباته عن حدود اللباقة أو تستعمل خطابًا عنيفًا وذكوريًا كالذي يستعمله سلّام، وهناك قطاعات واسعة في الناصرة ترغب بمثل هذه الأجواء وتتطلع إلى التخلص من مظاهر الشعوبيّة السياسيّة في الناصرة، حتى لو كانت هذه القطاعات تحمل انتماءات سياسيّة مختلفة. وعلى هذا كان أحد أشكال الانقسام الحاصل في المدينة، الذي تحوّل إلى نوع من الانقسام الهويّاتي بين "المتنورين" و بين "المتخلّفين" وهي مصطلحات حاضرة وتُتداول رغم عدم صحّتها وتتجلى في نقاشات الـ"سوشي والرز بلبن".

هذا الانقسام والشرخ الكبير ينعكس في الحملات غير الرسميّة للمرشّحين وحديث وأفعال الشارع وما يُكتب في وسائل التواصل الاجتماعي، وما يُنشر في صفحات الفيسبوك مجهولة الهويّة، وما يجري تداوله من تسريبات صوتيّة وفيديوهات، كما ينعكس في أحداث العنف المتكررة التي نسمع عنها والتي لا نسمع عنها، إذ وصلنا لبعض الأحيان إلى حالات يُصبح فيها العنف غير مرصودٍ واعتياديًا.

هذا ما يدعو للقلق بحق، إلا أن ما يدعو للقلق بشكل أكبر مستقبلًا وبحاجة إلى وقفة جدية وقراءة معمّقة؛ هو الاعتياد على حالة الفوضى والتعايش معها، حيث يصبح بالنسبة لقطاعات واسعة في المدينة اختيار رئيس للبلدية يساهم في تكريس حالة الفوضى العامّة أمرا عاديا بل ومطلوبا، إذ وصلنا إلى وضع نجد فيه أناسًا لا ترى أي مشكلة أخلاقية في مخالفتها لقوانين تُنظّم حياة الناس داخل المدينة، وباتت ترى أن "هكذا الأمور ماشية منذ عقود" ولا تستطيع أن تتخيل وضعًا آخر مختلفًا عن الفوضى الذي تنشأ فيه الخاوة وينتشر السلاح والمخدرات وتُصبح الحمائليّة هي الحامي للفرد والبديل عن الأحزاب السياسيّة، في أحياء تشهد كثافة سكانيّة عالية، وحالات فقر وفقدانٍ للمعنى.

يسود جو من الترقّب اليوم لما ستؤول إليه النتائج، الجميع يتحدث تبعات محتملة في حال فاز وليد عفيفي واستطاع جلب القطاع الصامت لصالحه. في المقابل، هناك سيناريو أن يفوز سلّام لكن من دون أن يتمكن من تشكيل ائتلاف في البلديّة.. وكل شيء وارد. هذا إن مرّ اليوم على خير ولم تتوقف العملية الانتخابيّة أو يجري التوجّه للمحاكم غدًا بسبب سير الانتخابات أو نتيجتها. من المؤكد أن الانتخابات في الناصرة لا تنتهي في الثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، والنتيجة أكيد طالعة.. لكن يبقى السؤال: الناصرة إلى أين؟

التعليقات