06/11/2018 - 16:59

الناس قالت كلمتها ولها الحق في ذلك

احتلت نتائج الانتخابات في الناصرة، بفعل الأهمية الواضحة للمدينة، النصيب الأكبر من التحليلات والقراءات والمراجعة، بعضها جاء صحيحا بنظري، وبعضها أبرز خسارة طرف واحد من الأطراف الخاسرة فقط لمناكفة الجبهة بأنهم "أضاعوا المدينة"

الناس قالت كلمتها ولها الحق في ذلك

احتلت نتائج الانتخابات في الناصرة، بفعل الأهمية الواضحة للمدينة، النصيب الأكبر من التحليلات والقراءات والمراجعة، بعضها جاء صحيحا بنظري، وبعضها أبرز خسارة طرف واحد من الأطراف الخاسرة فقط لمناكفة الجبهة بأنهم "أضاعوا المدينة"، دون أن يشير لكلمة واحدة مثلا للمعنى الحقيقي لفوز السيد علي سلام بالرئاسة لفترة ثانية، وهو ، أي الفوز، بكل بساطة قرار الناخب النصراوي فيما طرح عليه من مرشحين، وكأن خسارة "المرشح التوافقي" السيد وليد عفيفي، ليست الأمر المؤلم له بقدر ما أفرحه ربما في سره، القدرة على مناكفة الجبهة وإبرازها الخاسر الأكبر عل ذلك يخفي فشله هو أيضا، لأن فشل الجبهة في الناصرة أكبر من فشله.

والواقع في سياق الناصرة، أن التعبير الذي استخدم لتوصيف السيد العفيفي باعتباره مرشحا توافقيا، كان غير صحيح وينطوي على مغالطات كبيرة، لأن الرجل حظي رسميا بدعم حزبين فقط في المدينة، الجبهة والتجمع، فيما حظي منافسه بدعم ضمني وغير معلن، أو على الأقل عدم معارضة من قبل الحركة الإسلامية الجنوبية، وتيار "الحركة الإسلامية الشمالية" سابقا، ناهيك عن انضمام معلن متأخر لأحمد طيبي في المسارعة للتهنئة، ولا نعرف تحديدا ماذا كان موقف ما تبقى من الحزب الديمقراطي العربي أو الحزب القومي العربي وكلها أحزاب مسجلة وممثلة في لجنة المتابعة العليا ولها وجود في الناصرة مهما كان غير مرئي.

يعني هذا أن الحديث عن تراجع الأحزاب في الناصرة ليس دقيقا على الإطلاق، لأن حزبين فقط تراجعا في هذه الانتخابات، فيما دخلت باقي الأحزاب الأخرى، دون أن تتخذ موقفا رسميا أو تعلنه تحت عباءة المرشح علي سلام، ربما لإدراكها، بفعل براغماتية كبيرة وحس سياسي فطري طبيعي لديها (وليس نخبويا مكتسبا أو مصطنعا)، حقيقة موقف الشرائح الاجتماعية الواسعة في الناصرة، وبالتالي إدراكها أن الجبهة لم تتعلم من دروس الخسارة عدا عن أنها، أي الجبهة، أبدت عدم ثقة بالنفس عندما سحبت مرشحها الأصلي وانضمت لركب المرشح السيد وليد العفيفي. في المقابل انتقل التجمع من الرهان على علي سلام، في الانتخابات السابقة، إلى الرهان على السيد وليد العفيفي، دون تفسير مقنع، وهو ما فسر عدم وحدة الموقف الانتخابي لدى أعضائه في الناصرة.

ولكن الناصرة ليست كل المجتمع العربي، والدليل على ذلك أن الخسارة الثانية للجبهة في الناصرة، قابلتها إنجازات وتعزيز مواقف في مواقع أخرى: سخنين، عرابة، كفر ياسيف، الطيرة، جلجولية، وهو ما ينسف الادعاء بتراجع الأحزاب، خصوصا وأن التجمع رغم خسارته الفادحة في مواقع معينة، سجل إنجازات موضعية هنا وهناك في إدخال أعضاء للمجلس البلدي في بعض البلدات.

عمليا يمكن القول إن الأحزاب انسحبت من ساحة المواجهة في المواقع والبلدات التي لم تنجح بتثبيت حضور اجتماعي وسياسي ولم تخض المعركة، أو أنها اختبأت وراء "قوائم أهلية"، وهو تعبير جديد وذكي للهروب من حقيقة كون هذه القوائم، ربما باستثناء حالة الناصرة وشفاعمرو وأم الفحم، قوائم عائلية في صلبها وتكوينها الأساسي. في المقابل أقبلت وخاضت المعركة بشراسة في المواقع التي ظنت فيها أنها منتصرة، حتى لو كانت النتيجة عكس ذلك، مثل المنافسة لتحالف الجبهة والتجمع في كفر كنا مقابل مرشحين "مستقلين"، وخوض التجمع الانتخابات الرئاسة في مجد الكروم، وفي جسر الزرقاء، ناهيك عن القائمة التحالفية للسيد أمين عنبتاوي في شفاعمرو وترشيح ناهض خازم.

يعني هذا كله أن الأحزاب أجرت حسابات عقلانية للغاية وفق منطق الربح والخسارة في بعض المواقع، واندفعت في مواقع أخرى مدفوعة بحسابات محلية غير مبدئية، لكن المشكلة الأكبر أنها لم تقدم في الحالات الثلاث: المنافسة، الامتناع، التحالفات "الأهلية" ذات الحسابات غير المبدئية، برامج فعلية وحقيقية. وهي إنما فازت في بعض البلدان، فقد فازت بفعل هوية مرشحها وقبول الناس له أكثر مما كان الفوز بفعل برنامج انتخابي، لأن مثل هذه البرامج كما خبرها الناس في الماضي، تظل عادة حبرا على ورق، وبالتالي كانت اعتبارات الناس الأساسية هي محاولة تلمس واختيار المرشح الشخص الذي اعتقدت أنه قادر فعلا على تحقيق الحد الأدنى الممكن من الخدمات بما يحفظ لهم كرامتهم من جهة ويحول، كما يأملون، دون تحول السلطة المحلية تحت حكمه إلى مزرعة عائلية أو حزبية.

اقرأ/ي أيضًا | كرامة وخدمات

ولعل أهم ما تعنيه نتائج الانتخابات، كما تمثلت في عدم انتخاب البعض مجددا، من جهة، ومنح البعض ولاية ثانية، هو أنها باتت قادرة على المحاسبة في صناديق الاقتراع، وقانعة بقدرتها على تغيير واقع لا يرضيها، وهو أمر إيجابي للغاية خاصة إذا ترجم في صناديق الاقتراع للكنيست لجهة تعزيز القائمة المشتركة أو محاسبتها انتخابيا، وهي رسالة يجدر بأقطاب القائمة المشتركة والأحزاب قراءتها جيدا والتمعن في دلالاتها.

التعليقات