08/01/2019 - 17:46

التجمع.. مرحلة جديدة؟

مسؤولية التجمع ودوره التاريخي، في الفترة الراهنة، هو بتخليص مجتمعنا وشعبنا في الداخل من حالة الرداءة والبهتان السياسي، من أجل الأجيال القادمة.

التجمع.. مرحلة جديدة؟

يمر التجمع الوطني الديمقراطي في مرحلة انتقالية حاليا في إطار المرحلة الانتقالية العامة التي يعيشها منذ سنوات. المرحلة الانتقالية الحالية بدأت مع إعلان النائبين جمال زحالقة وحنين زعبي عدم ترشحهما في الانتخابات البرلمانية القادمة. أما المرحلة الانتقالية العامة فهي انتقال الراية من جيل الرعيل الأول المؤسس للأجيال التالية.

وغالبا ما تنعكس المرحلة الانتقالية على شكل هزات داخلية أو توترات أو تراجع تنظيمي، لكن الأخطر هو صراعات الأجنحة داخل الحزب ذاته إذا ما تغلغلت في وسط الأجيال القادمة. وبتقييم موضوعي فإن مسؤولية مواجهة هذا الخطر تبدأ بالقيادة أولا من خلال إدراكها لدورها التاريخي واللحظة الراهنة، كما يرتبط بسلوك الأجيال الصاعدة داخل الحزب.

وقد انعكس الخلل التنظيمي على أداء التجمع كحزب طلائعي مؤثر جدا على الخطاب والأداء السياسي لكافة الحركات السياسية في الداخل. فمع تأسيس التجمع أواسط التسعينيات، استطاع فرض هيمنة خطابه السياسي، وتحديدا دولة جميع مواطنيها والخطاب القومي والديمقراطي، وتدويل قضايا عرب الداخل والارتباط الحيوي بالنضال الفلسطيني العام، حتى انقادت الأحزاب الأخرى خلفه، وصار أداؤه البرلماني خصوصا مع دخول د. عزمي بشارة ساحة العمل البرلماني نموذجا للتقليد أو الاحتذاء به.

وبلغت ذروة الهيمنة مع صدور وثائق التصور المستقبلي عام 2006 التي تبنت العديد من طروحات التجمع، وفي مؤتمر الجبهة الأخير، التي تراجعت فيه عن مطلب حل الدولتين لشعبين إلى تبني حل الدولتين فقط. ولهذا السبب، دوره الريادي، لم "يهنأ" التجمع منذ هبة القدس والأقصى في العام 2000 بـ"استراحة مقاتل" بل أصرت المؤسسة الإسرائيلية على ملاحقته على كافة المستويات، السياسية والأمنية، لتصل إلى نفي قائده، بشارة، بأدوات وتهم أمنية خطيرة، كان من شأنها أن تكون الضربة القاضية للتجمع بنزع شرعيته السياسية والقانونية.

ومن علامات المرحلة الانتقالية الأكثر وضوحا، هي الأزمة التنظيمية التي يمر بها التجمع، وهي نتيجة تراكم سنوات وليست خللا مفاجئا. لكن في السابق، غطى الأداء السياسي والطرح الفكري للتجمع وحالة المد الوطني التي خلقها على القصور التنظيمي، كما استطاعت قيادته الموحدة تجاوز تحديات كبيرة فرضتها المؤسسة الإسرائيلية، الأمنية والسياسية.

لكن كل ذلك تبدل، وفي الفترة الراهنة، لم يستطع التجمع استغلال التنوع والتعددية السياسية والفكرية، سواء في المواقف مما يحصل في سورية أو حل الدولة أو الدولتين أو حتى في المواقف الاجتماعية، وتحويلها إلى رافعة تحفظ مكانته الريادية في قيادة الخطاب السياسي للعرب في الداخل. وقد انعكس ذلك في مدى انتشار خطابه وفقدان خصائصه المتميزة عن الأحزاب الأخرى.

لذا، فلدى أي تشخيص لأوضاع التجمع لا بد من الانطلاق من أنه ليس مجرد حزب برلماني أو حركة ثورية يسارية محصورة، بل أنه عصب الحركة الوطنية في الداخل سياسيا وفكريا، وحزب طلائعي فيه تعددية غير متوفرة في الحركات والأحزاب الأخرى، وتراث فكري كوني استطاع مراكمته خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا. وأي مراقب موضوعي بإمكانه ملاحظة أنه إذا ضعف التجمع ضعف الخطاب السياسي الوطني، وإذا ضرب التجمع ضربت كل الحركة الوطنية، بما في ذلك الحركة الوطنية الأسيرة في الداخل. هذا بات أمرا مؤكدا بحكم الواقع وليس نابعا من موقف متحزب أو منحاز.

وبعد التأكيد على ريادية التجمع السياسية والفكرية، وبأنه قاطرة الحركة الوطنية أو "دينامو" الحركة الوطنية إلى جانب حركات وطنية أخرى، وبعد هذا التشخيص المقتضب، يتبيّن لنا أن على عاتق التجمع مسؤوليتين، داخلية وخارجية. الخارجية بحكم دوره الريادي بالعقدين الأخيرين، وأن الخلل الداخلي انعكس على تردي مستوى الخطاب السياسي والأداء البرلماني لباقي الحركات، حتى بدت وكأن الساحة الوطنية والسياسية متروكة لظواهر بهلوانية، بلا رصيد وطني أو تراث فكري لها، ولا انتشار تنظيمي. لكن حتى يستعيد التجمع دوره الريادي، لا بد من مداواة نفسه داخليا. ويبدو أن الفترة المقبلة وانتخابات مرشحين عن التجمع لانتخابات الكنيست، وتفرغ النائبين زحالقة وزعبي للعمل الحزبي، هي فرصة حقيقية لاستعادة التجمع لدوره الريادي، وتخليص مجتمعنا من حالة الرداءة السياسية الراهنة، التي لا تقتصر على البهلوانيات فقط، بل بتراجع الخطاب واللغة السياسيين، وتحويل العمل السياسي إلى عمل برلماني مبتذل ينزع الأبعاد السياسية والوطنية عن قضايا الناس، ويحولها إلى مجرد خدمات مكتبية أو مكتب شكاوى الجمهور.

ومبتدأ الترميم الداخلي في التجمع يكون بإلغاء ثقافة الأجنحة والمعسكرات، والاعتراف بالتنوع والتعددية الداخلية بل واستثمارها كرافعة للتجمع وإعادة شحذ خطابه وفكره، والتأكيد على أن التحدي الأساسي هو مواجهة المشروع الصهيوني بكل فلسطين، وتعزيز الديمقراطية داخله (وهذا لا يعني أن التجمع ليس ديمقراطيا في الوقت الراهن)، وأن الكنيست هي منصة أداتية لنشر خطابه وقضايا العرب في الداخل وتسييسها كقضايا جماعية لا تبحث عن حلول فردية، وأداة للتواصل مع الناس.

وبما أن التجمع مقبل على انتخابات داخلية تمهيدا لانتخابات الكنيست، فإن المعايير الأساسية لاختيار مرشحيه، يجب أن تكون بإبراز شخصيات غير محسوبة على ثقافة الأجنحة والمعسكرات، وتحمل فكر التجمع، القومي الديمقراطي، بشكل حقيقي، وأن يكون لديها التزام تنظيمي قوي، ولا ترى بالتجمع منصة للنجومية الفردية، ولديها القدرة على المساهمة الجدية بتدويل قضايا العرب في الداخل، وهذا أمر بغاية الأهمية خصوصا بعدما أقفلت إسرائيل كافة منافذ التأثير السياسي للعرب عموما.

هذه فرصة للتجمع لاستعادة نفسه ورياديته وطلائعيته، وبتخليص مجتمعنا من الحالة السياسة الرديئة، وهو بحكم التجربة الأقدر على ذلك، ولديه المقومات لذلك، بفضل تراثه الفكري وكوادره والنخب المحيطة به.

هذه فرصة تاريخية للتجمع لأن يستعيد تمايزه وتميزه سياسيا وفكريا وشعبيا، على مستوى الشعب الفلسطيني كله، خصوصًا بعدما خرّبت إسرائيل أي إمكانية لحل سياسي أو تسوية عادلة مع الفلسطينيين في المنظور القريب، حتى حصل ما توقعه التجمع في أدبياته قبل عقدين، بتحول نضال الفلسطينيين من صراع حدودي إلى صراع ديمقراطي في فلسطين كلها، من البحر للنهر. وقد حان وقت طرح المطلب بحق تقرير المصير الداخلي للعرب في إسرائيل وحقهم في بناء مؤسساتهم وتنظيم أنفسهم قوميا، أو من خلال الدعوة لدولة كل مواطنيها في كافة فلسطين.

مسؤولية التجمع ودوره التاريخي، في الفترة الراهنة، هي بتخليص مجتمعنا وشعبنا في الداخل من حالة الرداءة والبهتان السياسي، من أجل الأجيال القادمة، وذلك يكون بإعادة تنظيم نفسه في الداخل (داخل الحزب) ومن ثم التأثير في الخارج.

اقرأ/ي أيضًا | مقاعد وعقائد

التعليقات