10/01/2019 - 13:06

بين المشتركة والطيبي وعوض عبد الفتاح

الانتخابات القادمة لن تغيّر شيئا جوهريًا في السياسات الإسرائيلية، لا تجاه الأقلية العربية في إسرائيل، ولا تجاه القضية كلها، سواء بقيت المشتركة كما عرفناها، أو خرج  الطيبي منها نهائيا ودخل الكنيست في قائمة مستقلة، وسواء كان في الكنيست عشرة نواب

بين المشتركة والطيبي وعوض عبد الفتاح

عندما تبلورت القائمة المشتركة، أيقظت حماسة كبيرة ومشاعر قومية جماعية بوحدة المصير، وتجنّد لنصرتها حتى أولئك الذي كانوا يمتنعون عن التصويت، وخصوصًا أن أوساطا إسرائيلية واسعة، لا تريد لهذه الجماهير أن تكون ممثلة في الكنيست، من منطلق التهميش والعنصرية، وبأن ما يحق لليهودي لا يحق للعربي، إلا إذا كانت أحزابًا عربية الصورة صهيونية القلب، تخدم في المحصلة المشروع الصهيوني إعلاميا، سواء كان على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي.

جميعنا نعرف بأنه مهما كان عدد العرب في الكنيست، فإنهم لن يحققوا طموحاتهم القومية من خلال هذه المؤسسة، سواء كانت من خلال حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة لكل مواطنيها، لا لهم ولا لشعبهم، لأن الجميع سيتحالف ضدهم في القضايا المصيرية، وستعود أي حكومة إلى استفتاء المواطنين اليهود، و"قانون القومية" يؤكد ذلك، وهذا يعني أن الكنيست في أفضل الأحوال هي مكان لتحقيق مطالب مدنية، تتعلق بمستوى المعيشة، أما في القضايا القومية والمصيرية مثل قضية الحرب والسلام والانسحاب ولو من مستوطنة واحدة، والمساواة في الحقوق القومية للأقلية العربية، فإن أصوات العرب يجري تحييدها ولن تؤخذ بالحسبان.

خروج الطيبي من القائمة المشتركة، وفّر نقاشا حول المحاصصة في تركيبة القائمة، وهذا أمر جيّد، شرط أن يستمر بخطوته حتى النهاية، وأن لا يتراجع، وأن لا يفاوضه أحد باسم المشتركة للعودة إليها، فهو قادر على خوض الانتخابات مع آخرين، مثل السيد علي سلام وغيره من شخصيات لها جمهورها، وهذه قائمة قادرة على تجاوز نسبة الحسم، ولا توجد مخاطرة في الأصوات.

لقد أعلن أربعة من نواب المشتركة، أنهم لن يترشحوا مرة أخرى، وهم مسعود غنايم وجمال زحالقة وحنين زعبي ودوف حنين، قدم كل منهم بهذا نموذجا للقائد القادر على التخلي عن الكرسي بإرادته ومبادرته، وليس إخفاقا أو انفصالا أو طردا، وهذا أعطى الكثير من الاحترام لهم وللحركات التي ينتمون إليها، وكذلك للمشتركة، ومسح شيئا مما علق بها من غبار، جراء الصراع على المقاعد الذي رافق عملية التناوب. 

الطيبي "عميد" أعضاء الكنيست العرب، فهو نائب منذ أكثر من عشرين عاما، ولا يمثل روح التغيير التي يطالب بها الجمهور، ولهذا فإن بقاءه في المشتركة رغم التغييرات لا يخدم قيم التجديد التي يطالب بها الجمهور عموما، وجمهور الأحزاب التي تتشكل منها المشتركة. 

من خلال الاستفتاءات التي أجراها ومطالبته برئاسة المشتركة، يسعى الطيبي لتكريس نفسه كزعيم وليس كعضو في حزب ينتخبه أو لا ينتخبه، هذا حقه في داخل حركته، فهي التي تقرر، وانفصاله عن المشتركة يحرّره ويحرر المشتركة من المساءلة، لماذا لا يفسح الطريق لوجوه جديدة في حركته!

التقى اليمين المتطرف مع بعض العرب باتهام نواب التجمع بالتطرف، وبأن مواقف نوابه القومية لا تخدم  الجماهير العربية، في تلميح واضح للجماهير بأن الانحناء والفذلكة الكلامية والتخلي عن القضية الوطنية الفلسطينية يجلب الحقوق للعرب. هذا الوهم في فصل السياسة عن الواقع اليومي أسهم فيه قياديون من العرب سعوا إلى تسطيح نضال جماهيرنا، وتحويله إلى فقاعات شعاراتية ومشادات كلامية مفتعلة مع أعضاء كنيست ووزراء، من دون اتخاذ خطوات نضالية عملية تمسّ عصب الصراع الصهيوني الفلسطيني والأساس القومي الذي صار دستوريا، والذي ينطلق منه التمييز العنصري ضدنا كمواطنين عرب، وضد حقوق شعبنا عموما. 

أما بالنسبة للمقاطعة، وخصوصًا أن هناك قيادات من مؤسسي التجمع تدعو إليها مثل الأخ عوض عبد الفتاح، فهذه رؤية إستراتيجية وليست خطوة تكتيكية، يجب أن تتخذ بإجماع عربي كي يكون لها وزنها وصداها، لأن موقفا كهذا سيكون له ما بعده، وهو امتناع أيديولوجي عن المشاركة في المؤسسة، وطلاق منها. هذا قرار يجب أن تبحثه وتقرره الهيئات العربية وعلى رأسها لجنة المتابعة، وبمشاركة الجماهير فيه، كي يُعلن بأنه موقف الجماهير العربية وأن يجري توضيح أهداف هذه الخطوة محليا ودوليا، لأنها تعني الانتقال للتعامل بمنظور جديد جذري مع الدولة، والبدء بالنضال للحصول على الحقوق القومية في ساحات خارج أطر المؤسسات الإسرائيلية، وفي طرق ووسائل تصعيدية في مواجهة المؤسسة، هذا يحتاج إلى دراسة معمقة وجهد كبير لإقناع الجماهير به يوازي أهمية هذا القرار المصيري. 

لم نعد أقلية قومية، صرنا متساويين من حيث العدد مع اليهود بين النهر والبحر، وبعد دفن حل الدولتين، لم يبق سوى الاستسلام المغطى بشعارات نضالية منبرية هنا وهناك، أو النضال لأجل دولة واحدة للشعبين، وهذا لن يتحقق في مبنى الكنيست، وهي عملية كفاحية تشمل كل أبناء الشعب الفلسطيني ومن يتفق معهم في هذه الرؤية من اليهود. 

الانتخابات القادمة لن تغيّر شيئا جوهريًا في السياسات الإسرائيلية، لا تجاه الأقلية العربية في إسرائيل، ولا تجاه القضية كلها، سواء بقيت المشتركة كما عرفناها، أو خرج  الطيبي منها نهائيا ودخل الكنيست في قائمة مستقلة، وسواء كان في الكنيست عشرة نواب عرب أو خمسة عشر، فالنتيجة واحدة.

باعتقادي أن السلطات العنصرية الرافضة لأي حل مع الفلسطينيين، والقوانين القادمة والحلول المجحفة التي ستقرّها الحكومات القادمة، هي التي ستدفع العرب في نهاية الأمر إلى الطلاق مع المؤسسة الرسمية، وعلى رأسها الكنيست.  
  
 

التعليقات