17/01/2019 - 16:27

خدعة "التخفيف" من السياسة

واضح أن هناك شخصيات بات همها هو الوصول إلى الكنيست، بأي ثمن كان، لاعتبارات لا علاقة لها بمصلحة الجماهير، إنما أصبح مقعد الكنيست الوثير هدفا بحد ذاته.

خدعة

صرحت أكثر من شخصية لها مكانتها في محطيها القريب وربما قطريا، بأنها قد تضطر لخوض انتخابات الكنيست لوحدها، ما لم تضمن القائمة المشتركة وجودها في مكان مضمون في القائمة. ويتحدث هؤلاء الأخوة باسم منطقة جغرافية معينة، الجنوب والشمال والمدن الكبيرة والمدن المختلطة والساحل، أو باسم شريحة مثل الأكاديميين أو طائفة كالدروز، وغيرها من تقسيمات. وهناك من يقول إنه يمثل حزبا يجب أن يكون له مكانه.

المطالب كثيرة، ومشروعة جدا، ولا شك أن هذه الشخصيات لها احترامها ووزنها الاجتماعي، إلا أن المشكلة الحقيقية تظهر عندما يسوق هؤلاء حججهم وما يفكرون به، إذ يكيل هؤلاء شتى التهم لأعضاء المشتركة بدعوى أن هؤلاء منشغلون بالقضايا السياسية وغافلون عن القضايا المُلحة، ويكثر هؤلاء الأخوة من القول إنهم سيركزون على القضايا الحياتية اليومية للناس وليس على السياسة، ثم يتساءلون: ماذا حقق أعضاء المشتركة غير استفزاز اليهود واليمين ضدنا؟

بهذا يعلنون أن التدخل في السياسة، هو الذي حرم العرب من حقوقهم، يعني أنهم سيدخلون إلى الكنيست بلا سياسة، أو أن سياستهم ستكون مرنة جدا، لدرجة أنها ستقنع المسؤولين بالتعامل بصورة أخرى مع العرب وحقوقهم، حينئذ سيحققون ما لم يستطع النواب العرب تحقيقه على مدار عقود. وذهب بعضهم إلى تحميل القائمة المشتركة مسؤولية سن قانون القومية! بهذا يظهرون عدم فهم للواقع بقصد أو بغير قصد لما يدور من حولهم، ولا أي فهم لطبيعة النظام الذي نعيش فيه، ويتعامون عن نواياه ومخططاته حتى المعلنة بصراحة منها، مثل مخطط برافر بما يتعلق بقرى النقب.

في مقولاتهم هذه التي تركز على عدم الخوض في السياسة تبرئة للنظام العنصري من كل ممارساته المنهجية، وجهل عميق في النوايا والسياسة الرسمية الإسرائيلية، التي تدير الصراع بحسب معطيات الواقع من دون أن تتنازل عن الإستراتيجية، ولا يهمها تتدخل أو لا تتدخل في السياسة، بل يسرّها جدا ويريحها جدا  ويسهل عملها عدم تدخل العرب في السياسة.

يتوهم هؤلاء ويوهمون الناس بأن الكلام الجميل العام من دون الحديث بوضوح عن عنصرية الدولة والاحتلال، ودون ربط قضايا العرب الفلسطينيين في داخل إسرائيل بالقضية الفسطينية العامة والأساسية، هي كلمة السر التي ستأتي بما لم يستطعه غيرهم!

ولكن ألا يرى هؤلاء الأخوة أين وصلت السلطة في رام الله وماذا قدّمت من تنسيق أمني وغيره، فما الذي جنته من حكومة إسرائيل سوى تهمة دعم "الإرهاب" وحشرها في مواقف محرجة مرة تلو الأخرى، وتفاقم الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية! وما زاد من شهية الاحتلال أكثر هو الانقسام الفلسطيني، بين الفصيلين الكبريين.

كنا سنفهم الأمر لو قالوا إن هناك تقصيرًا من المشتركة في حشد الجماهير أكثر وأكثر في مواجهة سياسة تهجير أهل النقب، وهناك تقصير ليس في التهرب من المشاكل بل التقصير في مواجهتها بصورة جدية والاكتفاء في بعض الهتافات على منصة الكنيست، وهنا يتحمل الجمهور أيضا مسؤولية، فهو مرتاح أيضا لهذا النضال البرلماني ومعظمه  لا يريد الدخول إلى المياه  الباردة، ويريد لنفسه خلاصا فرديا.

حسنا، ما قول هؤلاء بموقف الحكومة من العرب الدروز! هل حالت الخدمة العسكرية دون سن قانون القومية الذي يضعهم دون اليهودي؟ ألم يتظاهر مئة ألف من العرب الدروز في تل أبيب مطالبين بإنصافهم بصفتهم يخدمون في الجيش؟ فماذا كانت النتيجة؟ هل تراجعت العنصرية قيد أنملة؟ فماذا سيقدم هؤلاء الأخوة أكثر؟

كانت الحركة الإسلامية (الشمالية) هي العنزة السوداء التي يجب التخلص منها، وبعد إخراجها من القانون، بدأوا بالعزف على أوتار تطرف التجمع الوطني الديمقراطي، بزعم أن بعض مواقف قيادته هي المشكلة، إلا أن وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، لم يتوقف هناك، فقد اتهم النائب أيمن عودة كذلك بأنه متطرف وداعم للإرهاب، إذن ما هي المرونة التي يبغي هؤلاء ممارستها؟

ألا يرى هؤلاء أن حزب ميرتس يعتبر يساريا متطرفا في معايير إسرائيل الحالية! ألم ينتبه هؤلاء بأن مجرد تفوه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، بيني غانتس، بأنه سيعمل على تعديل "قانون القومية" لإنصاف الدروز الذين يخدمون في الجيش، اتهمه اليمين باليسارية والانحراف عن الطريق القويم؟

إذًا، كيف يريد هؤلاء أن يحققوا الحقوق ومن خلال ماذا؟ إذا كانت الخدمة العسكرية لم تشفع، والتنسيق الأمني لم يشفع، فما الذي يمكن تقديمه أكثر!

واضح أن هناك شخصيات بات همها هو الوصول إلى الكنيست، بأي ثمن كان، لاعتبارات لا علاقة لها بمصلحة الجماهير، إنما أصبح مقعد الكنيست الوثير هدفا بحد ذاته.

الأزمة التي نمر بها قيادة وجماهير، بما يتعلق في الموقف من الكنيست، والهدف من وجودنا فيها، وإمكانية تحسين واقع الحال المعيشي والسياسي من خلالها واضحة جدًا، وهذا ينعكس في الصراع على المواقع، وعلى ترتيب واصطفاف القوائم والشخصيات، ودخول اللمعان الفردي الاستعراضي والتكتلات على خلفية الانتخابات البلدية والمماحكات الشخصية بقوة على حساب إضعاف الحياة الحزبية، وآليات عملها.

التعليقات