24/01/2019 - 19:30

الخطاب الأمني بين الساحة الانتخابية وميدان المعركة

نتنياهو الذي يجلس على زرائر القتل والدمار كرئيس حكومة ووزير أمن، هو ليس من يحدد ويقود ويوجه الخطاب الانتخابي ويسبغه بالطابع الأمني العسكري فقط، بل أنه يترجم هذا الخطاب إلى فعل عسكري يومي، يجعل كل ما يعرضه منافسوه مجرد كلام.

الخطاب الأمني بين الساحة الانتخابية وميدان المعركة

تبدأ القصة باختطاف عضو الكنيست من الليكود، د. عنات باركو، التي تظهر بعد ذلك على خلفية زقاق في مدينة أو قرية أو ربما مخيم لاجئين فلسطيني، كما يبين المسجد والحيطان القديمة التي تظهر في الصورة، والتي كتب على إحداها "أفراح آل النمر".  
وفيما يبدو كأنها غرفة تحقيق (فصائلية)، تبدو عضو الكنيست الليكودية جالسة أمام ملثم فلسطيني يتشح بحطة حمراء، وظهره إلى حائط كتب عليه بخط كبير "فلسطين، أولها فلس وآخرها طين"، ويباشر التحقيق معها بسؤال بالعربية: "د. عنات، سيتم التحقيق معك بالضبط كما حققت أنت مع الشيخ أحمد ياسين الله يرحمه في السجن".

ويواصل الملثم الفلسطيني سؤالها باللغة العربية فيما تجيب بالعبرية (رغم إجادتها للعربية) مع التركيز على إنجازاتها العسكرية والسياسية والتي توجه لها، من وجهة نظر فلسطينية، كتهم، فيما تبدي هي صلابة ورباطة جأش لا يتمتع بهما سوى من خدم/ت في وحدات قتالية في الجيش الإسرائيلي، وسرح/ت منه برتبة مقدم.

وتدافع باركو خلال "التحقيق" عن دورها العسكري ونشاطها السياسي، وعن مجموعة القوانين التي ساهمت في سنها خلال الفترة البرلمانية السابقة، والتي تتمحور في ما تسميه بمكافحة "الإرهاب الفلسطيني"، وبينها منع جنازات الشهداء ومنع تخفيض ثلث مدة محكومية الأسرى، ومنع الذين سجنوا بتهم "أمنية" أمثال الأسير د. باسل غطاس من الترشح للكنيست، قبل أن يكشف "المحقق" اللثام، ليتبين أنه ليس سوى زوجها الذي يبشرها بأنها نجحت بالامتحان الأمني وأصبحت جاهزة للدورة القادمة في الكنيست، وكأن الأخيرة ساحة حرب وليس ميدانا سياسيا.

وإذا ما أدركنا أن شريط الفيديو المذكور هو ليس أكثر من دعاية سياسية، للانتخابات التمهيدية (برايميريز) الذي سينتخب مرشحي الليكود للكنيست القادمة، فإنه رغم ما يشوبه من كذب وتزييف، مثل الادعاء بأنها حققت مع الشيخ أحمد ياسين، والحقيقة أنها أجرت معه مقابلة لغرض بحث الدكتوراه الذي كانت تجريه، وأسدت إليه الشكر على التفضل بمقابلتها، كما يقول الصحافي موران شرير. بالرغم من ذلك، فإن الشريط هو نموذج مصغر للطابع الأمني الذي يعتري الخطاب الإسرائيلي المهيمن في الانتخابات الإسرائيلية، والذي حيّد جميع الأجندات الأخرى.

 وفي السياق ذاته، نرى مرشح اليسار - الوسط ومن يتوخى أن يتصدر زعامة المعسكر المنافس لليمين، الذي سكت دهرا ونطق كفرا، حتى قبل أن يفتتح حملته الانتخابية بشكل رسمي؛ الجنرال بيني غانتس لم يجد أفضل من إطلاق معركته الانتخابية سوى بعرض صور جنازات الشهداء التي زفتها غزة، أو زفهم إلى موتهم خلال عدوان "الجرف الصامد" الذي قاده ضد القطاع.

الشريط يظهر عداد القتل الذي يتصاعد على أرضية صور المسيرات الجنائزية في غزة ليتوقف عند 1364 شهيدا، يدعي أنهم مقاتلون، حقق قتلهم إلى جانب قتل وجرح آلاف المدنيين الآخرين وهدم عشرات البيوت والمنشآت الحيوية، ثلاث سنوات ونصف من الهدوء لإسرائيل على حد زعمه.  

وفي شريط آخر يفاخر الجنرال غانتس بعملية اغتيال نائب قائد كتائب عز الدين القسام، أحمد الجعبري. الشريط يظهر التفجير الذي استهدف الجعبري، تحت عنوان الجعبري ظن أنه آمن لكن لدى غانتس كانت وجهة نظر أخرى، ويختتم الشريط بالقول "القوي فقط هو من ينتصر، إسرائيل قبل كل شيء"

الخطاب الأمني لا يقتصر على القول فقط، فالحزب الحاكم وزعيمه بنيامين نتنياهو يقرن النظرية بالممارسة، من خلال التصعيد العسكري الميداني على الجهتين الشمالية والجنوبية، وهو يريد انتخابات تحت وقع الصواريخ والمدافع، لأنها ترفع أسهمه السياسية وتظهره الحارس الأمين على أمن إسرائيل، كما تغطي على الأصوات التي تسعى لاستخدام ملفات الفساد التي تلاحقه إلى صناديق الاقتراع.

وبلا شك، فإن نتنياهو الذي يجلس على زرائر القتل والدمار كرئيس حكومة ووزير أمن، هو ليس من يحدد ويقود ويوجه الخطاب الانتخابي ويسبغه بالطابع الأمني العسكري فقط، بل أنه يترجم هذا الخطاب إلى فعل عسكري يومي، يجعل كل ما يعرضه منافسوه مجرد كلام.  

التعليقات