22/03/2019 - 14:36

إسقاط اليمين... شعار مضلل

بات شعار إسقاط اليمين الإسرائيلي ممجوجا ومثيرا للسخرية، وهو في الحقيقة استخفاف بالعقول أو استهبال للناس. يدرك ممثلو بعض الأحزاب العربية الذين يرفعون هذا الشعار، أن المجتمع الإسرائيلي بات مجتمعا أكثر يمينية وأكثر تطرفاً وعدوانية،

إسقاط اليمين... شعار مضلل

بات شعار إسقاط اليمين الإسرائيلي ممجوجا ومثيرا للسخرية، وهو في الحقيقة استخفاف بالعقول أو استهبال للناس. يدرك ممثلو بعض الأحزاب العربية الذين يرفعون هذا الشعار، أن المجتمع الإسرائيلي بات مجتمعا أكثر يمينية وأكثر تطرفاً وعدوانية، وبالتالي، لن يفرز سوى أحزاب على صورته، سواء كانت أحزاب يمينية أصيلة أو أحزاب يمينية بقناع آخر.

وما كانت تسمى أحزاب صهيونية يسارية، ما عادت قادرة على الصمود أمام تسونامي العدوانية والتطرف السافر ضد الفلسطينيين في الداخل، فراحت تنافس اليمين القديم وتسوق نفسها على أنها أكثر كفاءة في إدارة مشروع القتل، أي بالطريقة الخبيثة التي اعتمدتها في إدارته منذ عام 1948. ولذلك، فإن النتائج معروفة سلفا، وأن مواصلة الترويج لهذا الشعار لا يجدي، بل يلحق ضررا في الوعي العام، وسوف يؤدي إلى خيبات أمل إضافية، ويوسع أزمة الثقة في أوساط الناس.

قد يشكل هذا الشعار تحفيزًا لبعض الناس المترددين والساخطين، في المشاركة بالتصويت في الانتخابات البرلمانية القريبة، ولكنه سيعمق حالة اللاتسييس الخطيرة السائدة، التي تحل محلها النجومية الفارغة، أي أنه شعار خاطئ من الناحية العملية، بمعنى أن تأثيره على نسبة التصويت سيظل محدودا؛ ومن الناحية الأيديولوجية، فإنه يساهم في تزييف الوعي بِكُنه التغيرات الحاصلة في الكيان الإسرائيلي، حيث باتت حقيقة نظامه واضحة أكثر من أي وقتٍ مضى؛  نظام أبرتهايد كولونيالي، شديد العداء لأصحاب الأرض الأصليين، وينكر بالكامل حقهم بتقرير المصير.

ويؤدي تزييف الوعي إلى أضرار خطيرة، مثل الاتكالية والجمود وتجفيف روح المبادرة والإبداع، بل والأخطر أنه ينتج انحرافات سياسية وثقافية على مستوى السلوك اليومي، وعلى المستوى الداخلي، أي في ما بيننا كشعب، وعلى المستوى العلاقة مع نظام الأبرتهايد.

وبغض النظر عن موقفي من جدوى المشاركة أو عدمها في الانتخابات البرلمانية، فإن المشاركين في الانتخابات، وكذلك الداعين إلى المقاطعة الأيديولوجية، يكررون شعارات وتبريرات قديمة، وإن كان بعضها يستند إلى منطق ومبررات مفهومة. في حين أن المتغيرات الحاصلة في ساحة الصراع تقتضي إعادة فهمه وتأطيره، وإلى إستراتيجية مواجهة مختلفة جذريا. ومن يستخف بمطلب طرح البدائل، اليومية والتنظيمية والإستراتيجية، ينقصه الإدراك بالمسؤولية التاريخية.

وإذا كانت الأحزاب المشاركة تاريخيا في الانتخابات قد عقدت العزم على مواصلة المشاركة، ولم تقتنع بعد بالمقاطعة، لأسباب مختلفة، فالمنطق يقول إنه يتوجب عليها أن تبذل جهدا مضاعفا للنجاح، وأن تطرح شعارات وبرامج، والأهم رؤية جديدة تلائم التحولات الخطيرة التي نشهدها في الكيان الإسرائيلي.

حقق الفلسطينيون في الداخل إنجازات هائلة في مسيرتهم الطويلة منذ جريمة الحرب الصهيونية الكبرى، أي النكبة. ومن أهم هذه الإنجازات، بناء الأحزاب والحركات الوطنية التي تعارك نظام الأبرتهايد، كل من زاوية عقيدته، وهي عملية تراكمية تناوب على تشكيلها وتطويرها وعلى قيادتها، ثلاثة أجيال. ومن نافل القول، إن هذه الأحزاب تواجه أزمة حقيقة، يفاقمها اشتداد عدوانية نظام الأبرتهايد، وأنانية وجمود معظم القيادات العربية، وتوقفها عن الابتكار والتجديد.

لكن من الظلم وضع الجميع في سلة واحدة وتحميل الجميع مسؤولية الإخفاق؛ والجميع يعرف، مثلا، أن من يتحمل تفكيك القائمة المشتركة هو شخص واحد، وأيضا من احتضنه في تحالف غريب عجيب.

ومن غير المنصف، أيضًا، تجاهل حقيقة أن التجمع والحركة الإسلامية، كانا حريصين على هذه الوحدة، خصوصًا وأننا نعرف أنهما آمنا تاريخيا ورفعا شعار القائمة العربية المشتركة. وبالنسبة للتجمع، فإنّ موقفه المؤيد تاريخيا لفكرة القائمة المشتركة، لم يكن نابعاً من الرغبة في زيادة المقاعد في الكنيست، ولا بدافع "إسقاط اليمين"، بل من كون هذه الفكرة جاءت لتفتح آفاقا جديدة في العمل السياسي، وأن تُعوّد الجميع على العمل المشترك، وتُمهد الطريق لتحقيق وحدة حقيقية على الأرض، قد تُمهد إلى تهيئة الناس إلى المشاركة في انتخاب لجنة المتابعة مباشرة، كبديل عن انتخابات الكنيست، أو إلى جانبها.

هذا ما طمحنا إليه، نحن في التجمع الوطني الديمقراطي، لأننا نعتقد أن هذا ما يقوي ويحصّن مجتمعنا، ويُمكّنه من التطور الحقيقي على جميع الأصعدة. وأعتقد أن الخوف من إمكانية تحقق هذا الاحتمال الوطني، أي تهيئة الناس لانتخابات وطنية في المستقبل، وليست إسرائيلية، وراء تدمير المشتركة من قبل حزبين، عارضا بمنهجية فكرة الانتخاب المباشر، التي في نظرهما تقوض توجهاتهما في الاندماج في الدولة الإسرائيلية.

سترتكب الأحزاب المشاركة في الكنيست، إذا لم تحقق النجاح، خطأ إستراتيجيا فادحا، ألا وهو التفريط بسلاح المقاطعة. ومع الاحترام لحق المقاطعين الكامل في حملتهم، وأنا لست في هذه المبادرة، فإنه ينبغي أن يروا هذه المسألة حتى من زاويتهم. وبكلمات اخرى، كان من الأنجع والأفضل أن يُستعمل سلاح المقاطعة إما من خلال اتفاق معظم الاحزاب والأطر الشعبية المختلفة على ممارسة المقاطعة، أو في حالة إقدام نظام الأبرتهايد على شطب أحزاب من الترشح، وليس من خلال العمل على إسقاط أو سقوط الأحزاب العربية في الانتخابات القريبة، كنتيجة لنزع الثقة عنها من قبل الناس. وبما أنه تبيّن الآن، أن نظام الأبرتهايد، وعلى الرغم من تغوّله وتصاعد عدوانيته، ما زال قادرًا على تحمل وجود أحزاب عربية، رغم ما تشكل له من إزعاج وتحدٍ لدعايته الصهيونية، فإن عدم تجاوز الأحزاب نسبة الحسم، سيعني إراحة نظام الأبرتهايد من المسؤولية، في حين أنه من المفروض أن يسوّق امتناع الناس ومقاطعة آخرين عن التصويت، كعدم ثقة في النظام الصهيوني في الأساس، قبل أن يكون نزع ثقة من الأحزاب العربية.

يمكن قراءة التطورات الجارية في المجتمع الفلسطيني في الداخل وبالعلاقة مع التحولات الإسرائيلية، أن المشاركة في هذه الانتخابات قد تكون الأخيرة، لأن منسوب المقاطعة، لأسباب احتجاجية أو أيديولوجية، قد تصبح جارفة في الانتخابات اللاحقة.

ولذلك، فإن من اختار مواصلة خوض انتخابات الكنيست، خصوصا تحالف التجمع والحركة الإسلامية، وحتى لا يكون مسؤولا عن التفريط بسلاح المقاطعة مستقبلا، وهو الذي قال دائماً إن الكنيست "ليست مربط خيلنا"، مطالبا من قواعده، إعادة النظر في شكل وماهية حملته الانتخابية، ووضع الرؤية الإستراتيجية لإعادة تنظيم المجتمع الفلسطيني في مركز الحملة، التي يجب العمل عليها خارج الكنيست، أي في الشارع العربي.

وتتمثل هذه الرؤية بأعمدتها التالية:

الأول: بناء لجنة المتابعة وإعادة طرحها بقوة وبمنهجية (بناء مؤسساتي وسياسي واقتصادي)؛

الثاني: التصدي بلا هوادة للخطاب الهابط الذي يسعى إلى الإذناب لقائمة جنرالات القتل، وهو الخطاب الذي يشوه وعي الناس، ويحول هويتهم الوطنية إلى قشرة فارغة، ويقود إلى مزيد من التفتت؛

الثالث: الإعلان عن إقامة لجان شعبية تواجه جرائم هدم البيوت، وجرائم العنف الداخلي، ونشر ثقافة التعاضد الداخلي، والتخفيف من واقع الفقر؛

الرابع: إعادة تأطير الصراع باعتباره صراعا كولونياليا، وإعادة تحديد موقعنا في إطار هذا الصراع وفق هذا التعريف/ التشخيص.  بناء عليه، ينبغي تطوير اللغة السياسية للأحزاب، حسب هذا التعريف، وأن تصبح جزءًا من الثقافة الوطنية ومفرداتها وشعاراتها؛

الخامس: إدخال النقاش بخصوص حل الدولة الواحدة، كخيار بديل عن خيار "حل الدولتين" الظالم، الذي بات يفرض نفسه في دائرة النقاش العام، وكمدخل لإعادة الوعي بالرواية الوطنية الواحدة والمصير الواحد، في مواجهة التجزئة والتفتيت والتيه السياسي.

التعليقات