10/04/2019 - 08:55

غداة انتخابات إسرائيل 2019

ستُقرأ هذه الكلمات، بعد أن تكون انتخابات الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي الـ21 وضعت أوزارها، واتضحت أولى ملامح البرلمان الإسرائيلي الجديد، والحكومة التي ستنتج منه. وبغضّ النظر عن تلك الملامح الأولية، أو النهائية...

غداة انتخابات إسرائيل 2019

ستُقرأ هذه الكلمات، بعد أن تكون انتخابات الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي الـ21 وضعت أوزارها، واتضحت أولى ملامح البرلمان الإسرائيلي الجديد، والحكومة التي ستنتج منه. وبغضّ النظر عن تلك الملامح الأولية، أو النهائية، ما يجب أخذه في الاعتبار داخل الحقل المُستمدّ من دلالة استشراف الآتي من الحاضر والماضي ما يلي: 

أولًا، غاب عن المعركة الانتخابية الراهنة موضوع العملية السياسية واحتمالات التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ويُعدّ تنائي الخطاب الانتخابي الإسرائيلي عن هذا الموضوع استمرارًا للمعارك الانتخابية السابقة، على الأقل منذ عام 2001. ويعاد التذكير هنا بدراسةٍ صدرت عن معهد أبحاث الأمن القومي، على أعتاب الانتخابات السابقة عام 2015، بعنوان "ضريبة كلامية.. السلام والسياسة في إسرائيل خلال الأعوام 2003-2013"، التي أجريت فيها أربع انتخابات للكنيست، أشير فيها إلى أن السلام هو نوع من الضريبة الكلامية، يبيعها مديرو الحملات الانتخابية، تمامًا مثلما يتم بيع أي شيء آخر، وحقيقة أنهم لا يستخدمون السلام تشكّل إثباتًا على تلاشي هذه القيمة، وعلى أنه لو كان بإمكانهم بيعها لفعلوا ذلك من دون تردّد. 

ثانيًا، بموازاة ذلك، تراجعت أهمية البرنامج السياسي الحزبي، إلى درجة أن حزب الليكود الذي كان الحزب الأكبر في انتخابات 2013 لم يطرح برنامجًا سياسيًا في انتخابات ذلك العام، ولا في التي تلتها. وبرأي أكثر من خبير في الاستراتيجية السياسية - الحزبية، لم يعد البرنامج السياسي أمرًا مهمًا، وبات الناس يلتفتون أكثر إلى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، والرسائل فيها متنوعة جدًا، ناهيك عن أن الناس معتادة أيضًا على تلقي معلوماتٍ بوجباتٍ صغيرة. وأصبح الإعلام وشبكات التواصل وسيلةً مركزيةً يستخدمها السياسيون للتواصل مع الناخبين، وللتعبير عن آرائهم، وفي الوقت عينه، تؤدي تصريحات السياسيين طوال فترة الحملة الانتخابية دورًا أكثر وقعًا من البرنامج السياسي. 

ثالثًا، أكبر الصراعات الداخلية في الحلبة السياسية الإسرائيلية ليست بين "اليسار الصهيوني" واليمين، بل إنها أكثر حدّة بين العلمانيين واليهود الحريديم المُتشدّدين دينيًا. فقد تم حلّ الحكومة الحالية على خلفية محاولات سنّ قانون تجنيد الشبان الحريديم. وحتى بالعودة إلى حكومة إيهود باراك التي تشكلت عام 1999، نرى أن حزب ميرتس انسحب من الحكومة، لا على خلفية فشل المفاوضات مع الفلسطينيين إثر قمة كامب ديفيد في 2000، وإنما بسبب وجود حزب شاس الحريدي في الحكومة. هذا الصراع بين العلمانيين والحريديم هو الأهم داخل المجتمع الإسرائيلي، وتأثيره أكبر من الصراع لإنهاء الاحتلال في أراضي 1967. 

رابعًا، في الانتخابات السابقة أيضًا، وليس الحاليّة فقط، تمثّل نهج نتنياهو بنقل الليكود من يمين الوسط إلى أقصى اليمين، سعيًا إلى كسب أصواتٍ من الأحزاب التي تسوّق نفسها أنها تقف إلى يمين الليكود. وبذلك، ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: أولًا، ضمن لليكود مكانة الحزب الأكبر في الكنيست، وضمن لنفسه أن يكون المرشح الواحد والوحيد لتشكيل الحكومة الإسرائيلية. ثانيًا، تسبّب بحشر تلك الأحزاب اليمينية التي عادة ما كانت تزاود عليه في خانة "الليكود ب". ثالثًا، رمّم صورته التي تعرضت للتآكل زعيما أوحد لليمين الإسرائيلي، وهو تآكل بدأت أولى إشاراته تلوح عشيّة الحرب على قطاع غزة عام 2014، مع إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، فك شراكة حزبه (إسرائيل بيتنا) مع حزب الليكود، في إطار تحالف "الليكود - بيتنا"، وتأكيده أن سبب الإقدام على هذه الخطوة يعود إلى ازدياد حدّة الخلافات بينه وبين نتنياهو بشأن كيفية الرد على الصواريخ الفلسطينية المستمرة على الأراضي الإسرائيلية من قطاع غزة، وعلى التحريض في صفوف "عرب إسرائيل".

وتفاقم هذا التآكل إثر تلك الحرب، فقد تسبّب ما اصطلح على تسميته "ضبط النفس" الذي مارسه نتنياهو خلال الحرب بخسارته، خصوصا في الأوساط السياسية المؤيدة له. وفي اليمين، أطلقوا عليه نعت "المُنضبط"، وقال كثيرون في حزبه إنهم يعتقدون أنه كان مُتردّدًا، وإنه عندما قرّر شنّ الحرب فعل ذلك بحرصٍ وتقتيرٍ.

التعليقات