28/06/2019 - 13:32

محاولة تذاكي الصهيونية على العالم

خلال جولة له مع مُستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في غور الأردن المحتل، وفي تعليقه على "صفقة القرن" الترامبية، قال رئيس حكومة دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو: "سنستمعُ للمقترح الأميركي بطريقة مُنصفة ومنفتحة. لا أستطيع أن أفهم كيف يرفضُ الفلسطينيون

محاولة تذاكي الصهيونية على العالم

نتنياهو (أ ب)

خلال جولة له مع مُستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في غور الأردن المحتل، وفي تعليقه على "صفقة القرن" الترامبية، قال رئيس حكومة دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو: "سنستمعُ للمقترح الأميركي بطريقة مُنصفة ومنفتحة. لا أستطيع أن أفهم كيف يرفضُ الفلسطينيون الخطة الأميركية، دون حتّى أن يسمعوا ما فيها!". هل هو تذاكي من بنيامين نتنياهو على العالم، أم تغابي؟ هل لا يعرفُ/ يفهمُ حقيقةً، لِمَ يرفضُ الفلسطينيون مناقشة أي خطة أميركية حتّى؟ يبدو أنّه يتغابى، فالكذبُ ليس غباءً، بل ينمُّ عن مُخيّلة واسعة، ووصفه بالكذّاب ليس جديدًا، بلّ وصفهُ بذلك من عرفه من زعماء العالم؛ أوباما، وساركوزي، وأبو مازن، وغيرهم، بل ومن قِبل الأوساط الرسمية والحزبية والإعلامية في دولة الصهاينة.

مجد أبو عامر

كيف لا يفهمُ نتنياهو أنّ الخطّة باتتْ معروفة للقيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟ ألم يتم إخراج القدس -كل القدس- من الخطة وعملية التسوية؟ ألم يُصرّح الثلاثي الصهيوني (كوشينر، وغرينبلات، وفريدمان)، أنّ الخطة لا تشملُ حل الدولتين، بمعنى أنّه لن تقوم دولة فلسطينية مستقلة؟ ألم تُخرج قضية عودة وتعويض اللاجئين وفق القرار 194، من التسوية وبالتالي الخطّة الترامبية؟ وقد أوقفتْ إدارة ترامب تمويل منظمة (الأونروا)، وهي التي ترعى وتتابع قضية اللاجئين الفلسطينيين؟ ألم يقل الثلاثي الصهيوني الذي يصيغُ الخطّة بأنّ اللاجئين، هم فقط 50 ألف شخص والباقي (5/6) مليون فلسطيني، من الذين يعيشون في داخل الوطن والمنافي، ليسوا كذلك؟ ألم يُعرب الثلاثي الصهيوني، أنّ من حق كيان الصهاينة ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة؟ ألم يحسموا منطقة الأغوار لمصلحة ضمّها لكيان الصهاينة؟ إذن، ما الذي يجب على الفلسطينيين أن يسمعوه ويناقشوه مع الثلاثي الصهيوني، أو حتى يفكروا فيه؟ هل تبقّى شيءٌ من قضيتهم في الخطة/ الصفقة، ليناقشوه مع هذه الإدارة الأميركية الصهيونية، الّتي يضعُ خطتها عتاة المستوطنين، الذين يقفون على يمين المتطرفين في حكومة الاحتلال؟

يبدو أنّ نتنياهو يعرُف ذلك، ويفهم سبب الرفض، لكن على من يتذاكى؟ على الفلسطينيين، أم على العالم، أم على دعاة السلام من العقلانيين في دولته؟ أم يُخمّن أن الخمسين مليار المُعلنة كخطة اقتصادية، ستجعل الفلسطينيين والعرب جيرانه (مصر، لبنان، الأردن)، يقبلون ببيع حقوق الشعب الفلسطيني للصهاينة بمال عربي؟ أليس المُعلن من الخطّة الاقتصادية الأميركية الّتي ستتضح في ورشة المنامة، معمولٌ بها منذ توقيع اتفاق إعلان المبادئ في أوسلو عام 1993؟ وهو ما أكّدَ عليه سفير الولايات المُتّحدة السابق لدى إسرائيل دان شابيرو، الّذي انتقد الخطة الاقتصادية المُعلنة من طرف جارد كوشينر، مشيرًا إلى أنّها تدعو إلى دفع مشاريع، كانت قد حظيت في الماضي بدعم مالي أميركي، قبل أن تُقرر إدارة ترامب تقليص المساعدات المدنية للفلسطينيين، من أجل الضغط على السلطة الفلسطينية. ويضيف شابيرو في تغريدة عبر (تويتر)، أنّ "الإدارة ألغتْ برامج مساعدات، دعمَ كل واحد منها الأهداف التي تظهر الآن في الوثيقة الاقتصادية للخطة. وهم يطلبون من آخرين استثمار أموال في مشاريع، كُنّا قد قلّصنا تمويلها. فماذا سيكون رد الفعل برأيكم؟".

وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة مُمثّلةً بتاجر العقارات ترامب ومستشاريه الثلاثة وآخرين، قرروا ابتزاز الشعب الفلسطيني بأموال كانت تُدفع سابقًا كجزء من مسيرة تسوية أُطلق عليها "الأرض مقابل السلام"، بتسوية جديدة "عنوانها "الازدهار من أجل السلام"، أي طرح نفس المشروع بعنوان جديد، دون أفق لحل سياسي، بل تكريس للاحتلال وجعله أبديًا، واستبدال المحفظة الأميركية المُموّلة لتلك المشاريع، بمحافظ عربية خليجية!

ما الذي لم يعرفهُ الفلسطينيون بعد، ويريدهم نتنياهو معرفته؟ وما الذي كان يجبُ عليهم أن يسمعوه ليقيموا عليه ردة فعلهم؟ يُمكن أن يتذاكى نتنياهو وفريق الصهاينة الثلاثة ومن معهم من أتباع وأنصار، على أي أحد في العالم، لكن ليس على الشعب الفلسطيني، الّذي لا يتنازل عن حقوقه وأرضه ومقدساته، رغم ما أبداه لأقصى درجات المرونة في التفاوض لأجل صنع سلام عادل ودائم، حتّى لو بحدّه الأدنى على أساس ما باتَ يُعرف بالثوابت. سيُمارس نتنياهو -ما وصفه به رئيس وزراء الاحتلال السابق أولمرت- (البرم"كثرة الكلام الفارغ")، سيُثرثر بكل ما هو خداع ومضلل، لكن هذا لن ينطلي على أحد، إلا أولئك الذين يُخادعون أنفسهم من قادة الدول العربية، المُدركين بأنّ الإدارة الأميركية تُمارس عليهم الإذلال أمام شعوبهم وشعوب العالم، في هذه العملية الرخيصة من مهرجانات العُهر السياسي، الّتي تُسمى ورشات اقتصادية، محتواها تطبيعي، يرقى إلى درجات الانبطاح الكامل أمام العدو، حتى دون مجال لستر العورات.

ستسقطُ مؤامرة/ صفقة القرن، وتسقطُ مخرجات مهرجانات بيع الحقوق العربية من أرض ومقدسات، بإرادة أهل فلسطين أولًا، وأشقائهم من شعوب العرب من المحيط إلى الخليج ثانيًا، ومواقف الدول وشعوب العالم الّتي ترفضُ الخنوع لإدارة الشعبويين من المسيحيين الصهاينة، لكن سيُسجل التاريخ في صفحاته تكريمًا لأولئك القادة والزعماء، الّذين وقفوا بشموخٍ رافضين الذُل، وسيُذكر أيضًا أولئك الذين ساروا مع المُحتل الغاصب في خططه ومشاريعه، بحروف تُقطّر خجلًا من صنائعهم.

ليستْ صفقة القرن، المؤامرة الأولى الّتي يتعرّضُ لها الشعب الفلسطيني، ولا ما تمرُّ به الأمة العربية اليوم من محن ونكبات، المرحلة الأخطر في تاريخها، بل كل هذا ليس إلا تكرارًا لإحدى دورات الزمن، الّتي عادةً ما تغمرُ الشرق، وتترك آثارها الدامية لبعض الوقت، ثمّ يعود الشرق ليقف على قدميه مُشرقًا، كمولود جديد. عاشت فلسطين عصور مُظلمة سميت بالصليبية، والمغولية، والعثمانية، والبريطانية، وما موجة الاستعمار الصهيوني، إلا واحدة من تلك الحلقات التي ستزول، تلك حتمية التاريخ، وإحدى قوانين الطبيعة البيولوجية، فالأجسامُ الغريبة لا تتمكّن من مواصلةِ عيشها في غرائبية، وكيان الصهاينة ورم غريب، إن لم يذُب بالأدوية، فسيُستأصل بمِبضع الجراح.


*شاعر وقاصّ من مواليد غزّة عام 1996. حاصل على بكالوريوس الحقوق من جامعة فلسطين، ويدرس ماجستير العلاقات الدوليّة والعلوم السياسيّة، في معهد الدوحة للدراسات العليا. عضو اتّحاد الكتّاب الفلسطينيّين، صدر له المجموعة الشعريّة "مقبرة لم تكتمل"، ويعمل محرّرًا في "مجلّة 28" الغزّيّة.

التعليقات