10/08/2019 - 08:56

التنسيق المُعطِّل

تجاوزت السلطة الفلسطينية في حربها للبقاء في موقعها بكل الأثمان، كل الخطوط الحمراء، فهي تفرض سلطتها بالقوة وبالقمع، لكل تظاهرة على أي خلفية كانت، من جهة، وبالفساد الإداري والسلطوي لمن يواليها

التنسيق المُعطِّل

لا يملك المرء في ظل استمرار تعاون السلطة الفلسطينية في رام الله مع جيش الاحتلال وقواته المختلفة، إلا أن يطلق على هذا التنسيق تعبيرا جديدا هو "التنسيق المعطِل"، لأنه يساعد عمليا في تعطيل كل هبّة وكل انتفاضة فلسطينية في وجه الاحتلال.

وقد أبرزت معطيات نشرتها صحيفة "هآرتس" حجم هذا التنسيق وأهميته في تثبيت الاحتلال، وفي منع عمليات فدائية ومقاومة عسكرية ضد الاحتلال، من دون أن تُقدّم السلطة الفلسطينية بديلا لنوع من المقاومة الشعبية السلمية، بل إنها تقمع كل صورة من صور الاحتجاج أو التظاهر ضد الاحتلال، وإن كانت تتغنى بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة الشعبية السلمية.

واقع الحال، أن حملات الاعتقال التي تشنّها أجهزة السلطة ضد عناصر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وفصائل المقاومة الأخرى، وسحل عناصر من "حماس"، بمن فيهم طلبة من قلب الجامعات، ومن البيوت، وأحيانا من الأسواق، تكمل عمليا ما تقوم به قوات الاحتلال في كل ليلة في الضفة الغربية من حملات اعتقال لفلسطينيين يتهمهم الاحتلال بأنهم يمارسون "الإرهاب الشعبي"، أو يعدون لتنفيذ عمليات بأوامر من "حماس" في قطاع غزة.

ولعله من المفارقة أن الاحتلال نفسه، المستفيد الأول من هذا التنسيق، هو من يقوم بفضح كذب السلطة الفلسطينية في ادعائها وقف العمل بالاتفاقيات الموقّعة مع إسرائيل، ويعلن أن السلطة لم توقف التنسيق الأمني يوما واحدا على مدار العقد الأخير، بل إن الحرب على "حماس" في الضفة الغربية هي مصلحة مشتركة للاحتلال وللسلطة الفلسطينية، وفق ما أعلنه المسؤول السابق عن القدس المحتلة والضفة الغربية والسايبر في جهاز "الشاباك" أريك باربينغ لصحيفة "هآرتس".

لقد تجاوزت السلطة الفلسطينية في حربها للبقاء في موقعها بكل الأثمان، كل الخطوط الحمراء، فهي تفرض سلطتها بالقوة وبالقمع، لكل تظاهرة على أي خلفية كانت، من جهة، وبالفساد الإداري والسلطوي لمن يواليها، من جهة أخرى. ويبدو أن إنهاء الاحتلال، لم يعد قائماً في مفرداتها أو عقيدتها، منذ أن تحوّل التنسيق الأمني مع الاحتلال لأمر مقدس في عرف رئيسها، محمود عباس.

لم يعد أمام الشعب الفلسطيني من مفر، سوى النهوض مجددا، والانتفاض ضد الاحتلال، واستعادة خياراته المشروعة في مواجهة الاحتلال وانتزاع شرعيته الثورية من جديد، وإعادة الاعتبار لحقه المشروع في التحرر من الاحتلال بدلاً من مهانة الإبقاء على التنسيق الأمني وتعطيل مسيرته التاريخية نحو الحرية والاستقلال.

التعليقات