22/09/2019 - 12:52

التوصية مقابل إنجازات عينية

توجه رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، في نداء حار إلى الجماهير التي منحت المشتركة ثقتها في الانتخابات الأخيرة، بأن يمنحوا الثقة للقائمة المشتركة أسبوعا آخر، وذلك بعدما منحوها ثقتهم الكبيرة وغير المسبوقة كما قال منذ عام 1948،

التوصية مقابل إنجازات عينية

توجه رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، في نداء حار إلى الجماهير التي منحت المشتركة ثقتها في الانتخابات الأخيرة، بأن يمنحوا الثقة للقائمة المشتركة أسبوعا آخر، وذلك بعدما منحوها ثقتهم الكبيرة وغير المسبوقة كما قال منذ عام 1948، وذلك كي تستطيع أن تقرر توجّهها.  

القائمة المشتركة في حيرة مفهومة، فالتوصية على غانتس لها تداعياتها المستقبلية، الجمهور سوف يتساءل لماذا أعطيتم غانتس ثقتكم؟ خصوصًا وأنه يتجه إلى حكومة وحدة قومية.

ليس لدى غانتس إمكانيات أخرى غير الوحدة القومية، إلا أن عدم التوصية عليه يعني منح نتنياهو الفرصة لأن يكون صاحب الكتلة الأكبر الموصى عليها لدى رئيس الدولة.   

إذن فالتوصية على غانتس إذا حصلت تأتي أولا لضمان التفوق العددي على كتلة نتنياهو، وعدم التوصية يعني منح نتنياهو إمكانية المناورة لإقامة حكومة ضيقة أو حكومة وحدة قومية تكون في المرحلة الأولى برئاسته، الأمر الذي يعني مرة أخرى فشل الهدف الذي وضعه الجمهور العربي نصب عينيه، وهو معاقبة وإسقاط نتنياهو المحرّض الأكبر ضد الجماهير العربية.

إذا أوصت المشتركة على غانتس، سيحصل على تكليف من قبل رئيس الدولة، ولكن هذا لا يعني أنه سيقيم حكومة معتمدة على العرب، لأن ليبرمان لن ينضم إليها ولا حتى حزب غانتس- لبيد نفسه، ولا العرب يقبلون  أن يكونوا جزءًا منها، نظرا لبرامج "كاحول لافان" السياسية البعيدة جدًا عن طموحات المشتركة وجمهورها.

في كل الحالات، الحكومة الأقرب هي حكومة وحدة قومية، بدون العرب والحريديين، أو مع جزء من الحريديين إذا ما تنازلوا عن بعض مطالبهم، وقد ينضم إليها حزب العمل لاحقا، إذا حصل على بعض المطالب.     

غانتس يخشى التقارب من العرب، ويخاف أن تتحقق نبوءة نتنياهو شعبيا بأنه سعى لبناء حكومة معتمدة على العرب، هذا خطير جدًا بالنسبة له، خصوصًا في حال فَشِل الطرفان بتركيب حكومة، الأمر الذي يعني جولة انتخابات ثالثة.

إذن ماذا تفعل المشتركة؟

أولا، على غانتس أن يبادر للقاء مع نواب المشتركة، وأن يسمع منهم شروطهم للتوصية عليه، فإذا لم يبادر للاتصال وإلى جلسة مع المشتركة، فهذا يعني أن ذنبه على جبنه.

في حال اللقاء، التوصية ستكون مرحلية ومشروطة مقابل مطالب عينية ملحّة للأقلية العربية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر التعهد برفع سيف التهديد بهدم المنازل المسلط على رقاب عشرات آلاف الأسر العربية، وإلغاء قانون "كيمنتس"، والتعهد الزمني بالعمل على خرائط هيكلية للقرى والمدن العربية والاعتراف بقرى النقب غير المعترف بها والحصول على ميزانيات تمييزية لصالح العرب من مختلف الوزارات، ووضع خطة واضحة وممولة حكوميًا لمحاربة العنف.

ثانيا، أن تطالب بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع منظمة التحرير، ورفض ضم المناطق التي أعلن نتنياهو أنه سيضمها للسيادة الإسرائيلية خلال حملته الانتخابية. وهناك مطالب عينية أخرى ممكن طلبها مثل إقامة جامعة عربية أو مستشفى في مدينة عربية.

بعد التوصية يحصل غانتس على تكليف من رئيس الدولة، وحينئذ سيبدأ بالتفاوض مع حزب الليكود من منطلق قوي، وعلى الأرجح أن تقوم حكومة وحدة قومية برئاسته مع الليكود وليبرمان وربما أحزاب أخرى، ولكن بالتأكيد بدون العرب.    

المشتركة بهذا تحقق بعض طموحات جمهورها وخصوصًا الجمهور المهدد بالهدم والغرامات الباهظة، وتكون قد لقنت درسًا لمن يحرّض على الجماهير العربية لأجل مكاسب سياسية دون أن تكون جزءا من حكومة وحدة.  

الجمهور مطالب بمنح المشتركة الثقة، وأن لا يبدأ بإدخال العصي في العجلات وجلد الذات وكأنما كان إنجازه هذا هباء.

يجب منح النواب العرب فرصة للمناورة السياسية، دون أن نشكك بوطنية أي منهم، كذلك من المهم إلى الدرجة القصوى أن تبقى الكتلة متماسكة، وعدم تقديم موقفين متناقضين أو متعارضين أو قبول دق الأسافين خصوصًا بين التجمع وبقية الكتلة.

في هذا الشأن من المهم جدا للتجمع أن لا يظهر وكأنه هو الجسم الوحيد المعارض للتوصية على غانتس، لأنه سيتهم بأنه حرم الجماهير من حل قضايا ملتهبة لا تحتمل التأجيل، وخصوصًا أصحاب البيوت المهددة بالهدم. 

نحن لسنا أمام خيارين إما أسود أو أبيض، ليس كما يريد بعض المهروقين تأييد غانتس بدون شروط مسبقة، وحتى قبل أن يطلب هو لقاء مع المشتركة، وكأنما جمعنا له أصوات العرب وقدمناها له مجانا على طبق من فضة، كذلك لسنا معترضين بصورة تلقائية كما يريد لنا البعض، دون أن نحصل على شيء مقابل قوتنا الانتخابية.  

الجماهير تريد ثمنًا لإنجازها، وهي تتفهم جيّدًا أن القضية الفلسطينية العامة الكبرى لا تحل عبر الكنيست، على الأقل في المدى المنظور، ولو علمت الجماهير أصلا أن حل القضية الفلسطينية موجود في الكنيست، لخرجت وصوتت مئة بالمئة وليس ستين بالمئة، وأرسلت أربعًا وعشرين عضوًا إلى الكنسيت.    

الشعب صوّت وهو يعرف بالضبط حدود وإمكانيات منبر الكنيست، يعرف أن هناك قضايا يومية ممكن حلها من خلال هذا المنبر، ولكنه يدرك أن لا مكان للعرب في حكومة يقودها جنرالات الوحدة القومية.  

بعد هذه المهمة القصيرة، التوصية على غانتس مقابل إنجازات عينية للجماهير العربية، تعود المشتركة تلقائيا إلى مكانها الطبيعي، وهو الجلوس في رئاسة المعارضة لمواجهة حكومة الوحدة القومية القادمة برئاسة غانتس، والتي لن تختلف جوهريا عن حكومات إسرائيل السابقة.

 

التعليقات