24/10/2019 - 14:07

ثورة لبنان

 شتائم اللبنانيين واللبنانيات هي فشة خلق لكل مواطن عربي عانى وما زال من حكام عاجزين وفاسدين ومتسلطين. 

ثورة لبنان

لبنان الذي استصغره موشيه ديان عندما قال نستطيع إرسال فرقة موسيقية لاحتلاله، فاجأهم وفاجأنا بمقاومته التي حولته إلى الدولة العربية التي نجحت بزنود أبنائها من تحرير أرضها المحتلة، يفاجئونا اليوم أيضا بثورته الرائعة التي أعادت لنا ألق الثورات العربية الذي شهدناه في تونس ومصر.

ثورة الميادين والشوارع وهي تستعيد شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، مضافا إليه باللهجة العامية اللبنانية "كلن يعني كلن"، بما يشمل جميع أركان نظام المحاصصة الطائفي بكافة مركباته.

وإن كانت الثورة لم تطرح بالفم الملآن، كما يقولون، مسألة إسقاط نظام الطائفية السياسية الذي كرسه اتفاق الطائف عام 1989 وإقامة دولة مدنية، فإن ديناميكية الحراك الجماهيري الذي ينطلق من وجع وهم واحد ويجتمع تحت راية واحدة، يقود نحو هذا الاتجاه بصفته المخرج الوحيد للأزمة، التي باتت تطبق على خناق النظام الطائفي وطغمه المالية العائلية بصفتها مصدر الفساد الأساسي وتقع في مهداف الثورة.

هذه الطغم المالية العائلية التي تشكلت على "قفا" نظام المحاصصة الطائفي وفي أحضانه أصبحت متطابقة معه وجزءا لا يتجزأ من تركيبته، وبالتالي فلن يتسنى تحقيق مطلب الشارع بإسقاطها دون إسقاط النظام الذي "تعربشت" عليه وسكنت في مفاصله، ولذلك لا يمكن تحقيق مطلب الشارع البسيط بإسقاطهم "كلن يعني كلن" دون إسقاط النظام الطائفي الذي يعششون فيه، وهنا بالضبط سيكون الانتقال المفصلي من إسقاط حكومة إلى إسقاط نظام مبني على أساس طائفي والذي يشكل انتقالا مفصليا من حركة احتجاج إلى ثورة.

في مصر وتونس إلى حد ما، عزونا غياب قيادة للثورة إلى طغيان النظام الذي قمع المعارضة وحال دون نشوء قوى وأحزاب بديلة تقود حركة الجماهير إلى بر الأمان، دون حاجة إلى وكلاء أمينين وغير أمينين على غرار الجيش الذي نسمع في لبنان أيضا الكثير من الأصوات التي تدعو لاستلامه المرحلة الانتقالية، علما أن القوى والأحزاب الفاعلة في لبنان هي أحزاب طائفية متورطة بالمشاركة في حكم فاسد ولذلك فهي غير مؤهلة للتصدي لهذا التغيير.

ومن المفارقة أن نجد أنفسنا مرة أخرى أمام ثورة شعبية عارمة يملأ غضبها الشوارع والميادين، وتفتقر في ذات الوقت لقيادة سياسية قادرة على بلورة برنامج ومطالب واضحة ومحددة ووضع أهداف قريبة وبعيدة تعمل على تحقيقها. القيادة والبرنامج هما الكفيلان بصيانة واستثمار نضالات الناس وتضحياتهم ومنجزاتهم، وتوجيهها نحو رفع معاناتهم وتحقيق أهدافهم في الحرية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة المدنية وتخليصهم من حيتان الفساد المالي والإداري الذين ينهبون أموالهم.

لقد شاهدنا عبر الشاشات كيف عبر المواطن اللبناني في الساحات، عن وجع شخصي اختلف بتفاصيله من إنسان إلى آخر، ولكنه عكس هما جماعيا مشتركا وحد لبنان من شماله إلى جنوبه ومن جبله إلى بقاعه وسحق، كما يبدو، وإلى الأبد جميع السدود والفوارق الطائفية التي تسعى الطبقة السياسية لتكريسها خدمة لمصالحها الاقتصادية والسياسية.

الناس التقطت بحسها العفوي أن الحدود والحواجز الطائفية التي يسعى السياسيون إلى تعميقها في الشارع، لم تحول دون تشكل طبقة سياسية واحدة موحدة تجمعها المصالح ويوحدها الفساد المالي وأن مواجهتها تتطلب، بالمقابل، هدم هذه الحواجز الطائفية وتوحيد الجهد الشعبي لإسقاطها.

وقد عكس كم الشتائم التي انطلقت على لسان اللبنانيين واللبنانيات والتي تجاوزت في معظم الأحيان حدود "الآداب العامة" و"خدشت الحياء"، عكست الغضب العارم الذي يعتمل في صدورهم، وأثبت في الوقت ذاته غنى قاموس موروثنا الشعبي في هذا الباب، هذا الموروث غرف منه أحمد فؤاد نجم ومظفر النواب وزياد الرحباني وغيرهم فأبدعوا واقتصوا لنا ولو القليل ممن يربضون على صدورنا.

 شتائم اللبنانيين واللبنانيات هي فشة خلق لكل مواطن عربي عانى وما زال من حكام عاجزين وفاسدين ومتسلطين. 

التعليقات