25/11/2019 - 17:43

من غزة إلى الفنان عمرو واكد: لا تساهم في تبييض وجه الاحتلال

من حقنا عليك، كجمهور أحب أعمالك الفنية وتابعها على مر السنوات، أن نطرح هذه الأسئلة، وكلنا قناعة أنك قد تعيد التفكير في قرارك المشاركة مع من يؤيد جرائم الحرب والمجازر المرتكبة في حق أبناء جلدتك.

من غزة إلى الفنان عمرو واكد: لا تساهم في تبييض وجه الاحتلال

جاء خبر مشاركتكم في عمل سينمائي هوليوودي تُشارك فيه ملكة جمال إسرائيل لعام 2004، غال غادوت، التي خدمت في صفوف جيش الاحتلال لمدة عامين، صادمًا ليس فقط للمعجبين بفنك، بل لكل الشعوب العربية بما فيها الشعب الفلسطيني الصامد على أرضه في مواجهة استعمار استيطاني عنصري. إن الصورة المطبوعة في ذهن كل فلسطيني وعربي عن المجندة غال غادوت هي صورتها وابنتها إلما "تصليان" لجيش الاحتلال في حربه على غزة عام 2014 والتي خلفت أكثر من 2200 شهيد، 443 منهم من الأطفال. كتبت المجندة أسفل الصورة "أرسل صلواتي وحبي لشعب إسرائيل، للبنات والأبناء الذين يخاطرون بحياتهم دفاعًا عن بلدنا ضد الأعمال الإرهابية والإرهابيين الذين يختبئون خلف الأطفال والنساء. إننا منتصرون!"، ثم أضافت "هاشتاغ" يعبر عن حب "جيش الدفاع".

هذه الحرب الإبادية كما تعلم استمرت لمدة 51 يوما، ودمرت الأخضر واليابس في قطاع غزة المحاصر أصلاً، ويتوقع وفقًا لتقارير الأمم المتحدة أن يصبح غير قابل للحياة في عام 2020. وكانت غادوت في مقابلة لاحقة لها مع مجلة "فاشن" قد تباهت أن خدمتها في جيش الاحتلال "هيأها للعمل في هوليوود!"؛ فهل مشاركتك في هذا العمل السينمائي الهوليوودي  مع تلك الفنانة - المجندة هو بغرض تهيئة العمل لك في هوليوود عبر سلوك مسار تطبيعي؟

 أ. عمرو،

حيدر عيد

لا شك أنك قد سمعت عن حركة المقاطعة العالمية (بي دي أس) ذات القيادة الفلسطينية، وعن الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، التي تواجه مواقف يحاول من خلالها من يقوضون معايير المقاطعة إراحة ضمائرهم، إما من خلال إشراك بعض الفنانين العرب كورقة توت، تعمل على تغطية مشاركتهم في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية، أو من خلال الادعاء أن العمل الفني ما هو إلا عمل "متعدّد الجنسيّات، ولا يُدافع عن إسرائيل كدولة احتلال،" مثل فيلم "المرأة الخارقة" (1984)!

إن أكثر ما يقلق في هذا السياق، هو إصرار حضرتك على "البعد الإنساني" في العمل الفني، وتخطي حواجز الجنسية والقومية وغيرها في قرارك المفاجئ. وقد أتى ردك على الانتقادات التي وجهت لك من خلال قيامك بالمبادرة بطرح تعريفك الشخصي للتطبيع، وكأن الشعب الفلسطيني عاجز عن طرح هكذا تعريف: "ما هو تعريف التطبيع؟ بالنسبة لي هو كالآتي: العمل في أي شيء يبجل الاحتلال أو في شيء من إنتاج الاحتلال أو المتاجرة معهم. تسهيل الاحتلال أو التستر على جرائمه. العمل على تقزيم وتسفيه القضية. كل ذلك ممكن أن يعد تطبيع. أما التمثيل في عمل دولي متعدد الجنسيات في رأيي مش تطبيع خالص!".

لا أعرف إن كنت على إطلاع على تعريف التطبيع الذي أقره المجتمع المدني الفلسطيني بشكل جماعي عام 2007، ملحقاً بمعايير محددة للمقاطعة الفلسطينية والعربية؟ ومما لا شك فيه هو أنك تعرف الموقف الشعبي المصري المبدئي في عدم التعامل مع كل ما هو إسرائيلي. وللعلم، فإن حركة المقاطعة لا تدعو لمقاطعة الأفراد، إلا في حالات معينة يقوم بها الفرد بالدفاع عن جرائم حرب وجرائم كراهية، وهذا ينطبق حرفيًا على غال غادوت، التي أصبحت بوقًا يبرر كل الجرائم التي يقوم بها جيش الاحتلال.

أ. عمرو،

على الرغم من أن إمكانيات إيجاد "ورق توت" تخفي انتهاكاتهم لمبادئ المقاطعة باتت تتضاءل، وذلك بفضل انتشار حس ومبادئ حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها بين الفلسطينيين وفي العالم العربي، ما زال هناك من يقبل أن يزج باسمه كغطاء سياسي لانتهاك معايير المقاطعة الفلسطينية والعربية، وحتى الدولية. يمكن أن ترجع أسباب مشاركات من هذا النوع إلى عدم الفهم السياسي لإسقاطات مشاركتهم في هذه المشاريع، ولكنها في الكثير من الأحيان ليست سوى نتيجة لتفضيل المصالح الشخصية على المساعي الجمعية لمقاومة الفصل العنصري والاضطهاد الاستعماري.

كما في الحالة المصرية تحت الاحتلال البريطاني، والجنوب أفريقية في ظل نظام الأبرتهايد وغيرهما من حالات الاحتلال والاستعمار، تجد من يرفعون منافعهم الخاصة على حساب المنفعة العامة. وإن كنا نتوقع ألا تكون من ضمن هذه الفئة.

لا شك أن أغلبية الفلسطينيين ممثلين بمؤسساتهم ونقاباتهم قد تبنوا معايير حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وبالتالي من المتوقع من أشقائنا العرب الاستجابة لما طرحناه. لكن الدور العربي، بالذات المصري، ليس دور المتضامن، بل الشريك في النضال ضد كل أشكال الاضطهاد الصهيوني المركب بحق أبناء شعبنا في فلسطين المحتلة والشتات. لذلك، تجد أن سقف معايير المقاطعة العربية في بعض الأحيان يتخطى السقف الفلسطيني. فلا غرابة إذًا من نجاح نشطاء المقاطعة في لبنان في منع عرض الأفلام التي تقوم بها غال غادوت بأي دور، وهو نجاح لنا أيضًا في فلسطين.

الواجب الأخلاقي والوطني والقومي يحتم على الفنانين العرب الاستجابة لنداء الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني، واحترام نضالنا وتضحياتنا من أجل الحرية والعدالة، وعلى الأقل من خلال تجنب تقويض مبادئ المقاطعة التي ندعو لها. بالإضافة إلى تلك التي تطرحها القوى الشعبية من نقابات وأحزاب في بلدانهم. فهل قمت باستشارة الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل قبل قبولك بذلك الدور مع المجندة الإسرائيلية؟ هل قمت بالتشاور مع حملة المقاطعة في جمهورية مصر العربية؟ والسؤال الذي لا يمكن تجنبه هو، ما هو الحديث الذي سيدور بينك وبين غال غادوت خلال فترة الاستراحة من التمثيل؟

من حقنا عليك، كجمهور أحب أعمالك الفنية وتابعها على مر السنوات، أن نطرح هذه الأسئلة، وكلنا قناعة أنك قد تعيد التفكير في قرارك المشاركة مع من يؤيد جرائم الحرب والمجازر المرتكبة في حق أبناء جلدتك.

أختتم هذه المقالة بمقولة لك في مقابلة تلفزيونية في العام 2014، نحن بدورنا كناشطين في حركة المقاطعة، نقوم دائمًا باقتباسها كنموذج للتضامن والشراكة في النضال، قلت فيها  "يوم ما هتحط في موقف عارف فيه إني هتعاون مع حد إسرائيلي همتنع تمامًا".

فما الذي تبدل؟


* محلل سياساتي في شبكة السياسات الفلسطينية «الشبكة».

التعليقات