19/12/2019 - 16:00

إسرائيل والأبرتهايد الاقتصادي

ذا كانت إسرائيل قد ظلت "تعرج" مع العرب والحريديين فإنها نجحت من التخلص من "عبئ" الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بأكثر سهولة، وهو ما يسلط عليه الضوء مقال تحت عنوان "الفصل والضم في الاقتصاد الإسرائيلي"  نشرته مؤخرا مجلة "هزمان هزيه".

إسرائيل والأبرتهايد الاقتصادي

معروف أن العرب الفلسطينيين الذين تبلغ نسبتهم (بما يشمل القدس والجولان) 22% من سكان إسرائيل، ويعانون من سياسة تمييز عنصري تمس مختلف جوانب حياتهم وتؤثر بالتالي على مستويات الدخل والتعليم وغيرها من المقاييس المعتمدة دوليا، إلى جانب المتدينين اليهود (الحريديون) الذين تصل نسبتهم 15% من سكانها ويعيشون حياة مغلقة تؤثر على مستويات العمل والتعليم، يشكلون معا سببا أساسيا في تخفيض التدريج العالمي لإسرائيل وتحجيم إنجازاتها في مختلف السباقات الدولية، وهو ما يضعها في كثير من الأحيان في قاع سلم الدول الغنية المنتمية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

ولا عجب أن يعقب نتنياهو على التقرير الأول لمنظمة التعاون الاقتصادي بعد انضمام إسرائيل إليها عام 2010، والذي تناول الفجوات في التعليم، قائلا وضع إسرائيل "جيد من دون العرب والمتدينين اليهود"، في محاولة للتغاضي عن 37% من سكان الدولة، ولكن بالرغم من ذلك فإن إسرائيل تعرف عالميا كدولة عصرية ذات اقتصاد "هايتك" مزدهر وجهازي تعليم وصحة ممتازين، أدرجت عام 2018 في المكان الـ22 في سلم التطور الإنساني التابع للأمم المتحدة.

وإذا كانت إسرائيل قد ظلت "تعرج" مع العرب والحريديين فإنها نجحت من التخلص من "عبئ" الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بأكثر سهولة، وهو ما يسلط عليه الضوء مقال تحت عنوان "الفصل والضم في الاقتصاد الإسرائيلي"  نشرته مؤخرا مجلة "هزمان هزيه".

المقال يتهم منظمة OECD، التي ضمت إسرائيل لصفوفها عام 2010 بأنها يسرت لها ممارسة الأبرتهايد الاقتصادي، عبر السماح لها إدراج المستوطنين في الأراضي المحتلة في معطيات اقتصادها، إلى جانب تخفيض ملايين السكان الفلسطينيين الذين يسكنون في تلك الأراضي من تلك المعطيات.

المنظمة سمحت لإسرائيل بتعزيز موقعها الدولي في وقت تعمق فيه احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية، ومن تطبيع الاحتلال والضم رغم ممارسة سياسة الفصل العنصري الاقتصادي التي مكنتها من التمتع دوليا ببيانات اقتصادية عالية.

ويرى الباحثان د. دوتان ليشم ود. شير حفير أن الخلل يكمن في اتفاقيات أوسلو التي صورت الموضوع وكأنه صراع بين دولتين متساويتين في قوتهما على مساحة من الأرض، علما بأن الواقع السياسي والاقتصادي يشير إلى وجود دولة واحدة تسيطر على كل الأرض وبنك مركزي واحد هو المسموح له بطباعة العملة الواحدة التي تحمل الرموز القومية للدولة الواحدة، كما أن الضرائب تخضع وتجبى من قبل وزارة المالية الإسرائيلية، في حين تحظى السلطة الفلسطينية في الضفة وحكومة حماس في غزة بحكم ذاتي محدود فقط، على غرار ذلك المعطى لسلطة محلية في جباية ضرائب بلدية وإدارة ميزانية صغيرة.

ويكشف الباحثان أنه في وقت بلغ عام 2018 الناتج القومي الإجمالي في إسرائيل 369.7 مليار دولار بلغ الناتج القومي الإجمالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في نفس السنة 14.7 مليار دولار فقط، وبجمع الناتجين المحليين وتوزيعهما على عدد السكان الإسرائيليين والفلسطينيين بين النهر والبحر، يصل الباحثان إلى نتيجة 27 ألفًا و805 دولارات، مجموع الناتج المحلي للفرد، وهو ما يهبط باقتصاد الدولة الواحدة (دولة الأبرتهايد) في التدريج العالمي بـ11 مرتبة مما هي عليه إسرائيل اليوم، ويموضعها بين قبرص وسلوفينيا.

بفارق بسيط واحد هو أن توزيع الدخل والغنى في إسرائيل/ فلسطين، أقل مساواة من قبرص وسلوفينيا، حيث يبلغ الناتج المحلي للفرد في إسرائيل (يشمل المستوطنين) 40 ألفا و270 دولار، بينما يهبط في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى 3 آلاف و198 دولارًا، وفي وقت يحظى فيه أبناء النخبة اليهودية الذين يعيشون في شمال تل أبيب بأسلوب حياة شبيه بأغنياء أوروبا، يعيش على بعد بضعة كيلومترات على نفس القطاع الساحلي في غزة، أناس في أحياء فقر شبيهة بتلك الموجودة في البرازيل ونيودلهي.

التعليقات