23/12/2019 - 18:25

النهي عن المنكر في الصين..

هل أصبح المسلمون في مواجهة مع العالم؟ ومن المعني في هذه المواجهة؟ هل صحيح أن الصين الشعبية تلاحق المسلمين وعلينا مقاطعة بضائعها؟

النهي عن المنكر في الصين..

هل أصبح المسلمون في مواجهة مع العالم؟ ومن المعني في هذه المواجهة؟ هل صحيح أن الصين الشعبية تلاحق المسلمين وعلينا مقاطعة بضائعها؟

هل كان التضييق ذاته موجودًا سابقًا أم أنه جديد؟ هناك أكثر من سؤال، والقضية أعقد من تبسيطها بأن الصين تكره المسلمين، فما هي مصلحة الصين بمعاداة المسلمين وهذه السوق الكبيرة والشاسعة والمترامية الأطراف؟

ولكن كل الدلائل تشير إلى وجود هذه الحقيقة، وموقف تركيا يؤكد أن هذه الحقيقة وليست وهمًا ولا دعايات، وهناك فيديوهات توثّق أعمال عنف لم نر مثلها إلا في سورية العربية.

السؤال لماذا؟ لماذا تقوم الصين بهذا وهل هذا جديد؟  

الصين يحكمها حزب شيوعي معارض لكل الديانات وليس لدين الإسلام فقط، إلا أن الملاحقة احتدت منذ العام 2015 للمسلمين، وذلك أن الحزب الشيوعي اتخذ قرارًا بمنع المظاهر غير الصينية وغير الشيوعية، وبدأ بمحاربة كل مظهر ديني.  

صحيح أنه يوجد مساجد في الصين، ولكن الآن توجد رقابة على من يمارس الصلاة، ويتعرض إلى ما يسمونه إعادة تأهيل، أي أنه يؤخذ إلى معتقلات خاصة لإجراء غسيل دماغ له، ليخرج منها محبًّا للحزب الشيوعي الصيني ورموزه، وكي يتوقف عن ممارسة طقوس دينية مثل الصلاة أو الصوم أو قراءة القرآن أو التفكير بالسفر إلى الحجّ.

أي أن الصين لا تطارد ذوي الأصل الإسلامي، بل من يمارسون العبادات الإسلامية تطبيقا لقرار الحزب. وهذا يعني أن للحزب جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما الحال في السعودية، ولكن بطريقة معاكسة.

العداء للديانات ليس جديدًا، وليس من نصيب الصين فقط. في الحقبة الستالينية في الاتحاد السوفييتي هُجِرت المساجد والكنائس والكُنُس، وجرى تهميش رجال الدين من مختلف الديانات، وألغي تعليم الدين، وجرت عمليات غسيل دماغ منذ الطفولة  على قاعدة الفلسفة الماركسية والمادية الجدلية، وجرى تلقين الأطفال بأن الكون مادة، ولا خالق للكون ولا ما يحزنون، كذلك جرى تقديس الأفراد من القيادات الحزبية بشكل تراتبي، وهو ما يمكن رؤيته في كوريا الشمالية اليوم، حيث يعتبر الرئيس السكرتير العام للحزب مقدسًا، ولا مجال لمناقشته أو الاعتراض على مقولاته، بل يفترض حفظها وترديدها.

هذا يجري من خلال تدريس تعاليم ماو ونشر الثقافة والأدب الملتزم بالفكر الماوي، وهو أدب يشيد بالنظام الشيوعي ونجاحه في مواجهة الإمبريالية الأميركية والرجعيات على أشكالها المختلفة.

فقط بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عادت للكنيسة مكانتها في روسيا، وصار بوتين يطلب مباركة البطرك. أما المساجد في الجمهوريات الإسلامية التي انفصلت عن روسيا، فقد شهدت انتعاشا وخصوصًا أنه صار بإمكان سكانها السفر إلى بلاد الله الواسعة، بما في ذلك لأداء فريضة الحج أو للتجارة، وخصوصًا مع بلدان قريبة منهم مثل تركيا وإيران وغيرها.

تتخوف الصين من نشوء تنظيمات إسلامية، وانتشار الاتجاه الديني لدى المسلمين الذين يبلغ عددهم 23 مليونا، وأن يسفر هذا عن مشاكل مستقبلية، ولهذا تسعى لقمع النزعة الدينية لديهم مبكرا ومن خلال إرغامهم على ممارسات تناقض عقيدتهم مثل إلزامهم بتناول الطعام والشراب في رمضان علنا كي يثبتوا براءتهم من الدين.

لم يكن قبل عام 2015 عداء سافرًا للمسلم العادي سواء المتدين أو غير المتدين، وكان الدخول إلى المسجد والصلاة عاديًا، ولكن تغيرت الأحوال في السنوات القليلة الأخيرة.   

يمر المسلمون في الصين بمحنة كبيرة وقضيتهم معقدة، وهي جزء مما يسمى الإسلاموفوبيا.

الآن يُسأل السؤال، ألم تسهم الدول العربية بدمغ المسلمين بالإرهاب من خلال قمع المعارضين والمنتفضين بحجة الإرهاب الإسلامي؟  

العرب يتحملون مسؤولية نشر الإسلاموفوبيا في العالم، وذلك بممارساتهم وافتراءاتهم من ناحية، ومن خلال دعم بعضهم كالسعودية لجماعات إرهابية.

للأسف سوف يزداد وضع المسلمين سوءا، وسوف يضايقونهم أكثر، والسؤال ما هو الحل؟

الحل بيد العرب، أولا بكنس الأنظمة المهلهلة، واستبدالها بأنظمة تحترم الإنسان ومعتقده، وما دامت هذه الأنظمة متمسكة بدفة القيادة فوضع العرب والمسلمين سيستمر في التدهور، ولن يتوقف عند الصين.

كذلك على المسلمين أن يسألوا أنفسهم، لماذا أصبحنا مكروهين ومخيفين؟ لماذا وصلنا إلى هذه الحالة من الصدام مع أمم كثيرة، ولماذا انتشرت الإسلاموفوبيا بهذا الشكل المروّع وما زالت تنتشر وتحتد؟

لقد كنا قبل عقود قليلة مقبولين على الأوروبيين وعلى الأميركيين وشعوب الشرق، من خلال المعاملة الحسنة، كان المسلمون شركاء لشعوب كثيرة في أوطانها. علينا أن نفكر ماذا الذي تغيّر وأن نستنتج.

أخيرًا، فإن الصين ليست عدوًا تاريخيا للعرب ولا للمسلمين، ولكنه العداء الفكري لغير الفكر الشيوعي الماوي، وهنا مهم أن نذكّر بأن الصين شنت حربا على فيتنام عام 1978 بعد انسحاب أميركا منها، وذلك بسبب خلافات فكرية وتقرّب فيتنام من الاتحاد السوفييتي على حساب العلاقة مع الصين.

من أجل التغيير لا بد وأن يتغير النظام نفسه في يوم ما، لتتغير معاييره، أو حركة تصحيحية داخل الحزب، تسمح بالتعددية الفكرية والحرية الدينية وفي كل مجالات الحياة.

أما بالنسبة لمقاطعة المنتجات الصينية فهذا ممكن أن يؤثر إلى حد ما لو أن دولا عربية وإسلامية مارسته بشكل منظم، إلا أن الصين لن ترضخ بسهولة، وسوف تعتبره تدخّلا في شأنها الداخلي، وهي التي لم تهزّها مقاطعة وعقوبات ترامب وأميركا ذات القوة الاقتصادية الهائلة.

التعليقات