29/01/2020 - 15:21

الخطورة في "صفقة القرن"

الخطورة في

خطة "صفقة القرن" لسلام مزعوم، هي مؤامرة خطيرة ضد الشعب الفلسطيني، لأنها تقضي باعتراف الولايات المتحدة بـ"سيادة" إسرائيلية على أجزاء واسعة في الضفة الغربية المحتلة. وقد تعهد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، فور انتهاء المؤتمر الذي عقده الرئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، بأن تصادق حكومته على فرض القانون الإسرائيلي على جميع المستوطنات وغور الأردن.

واللافت في هذا المؤتمر أن ترامب استعرض العناوين العريضة لخطته، أو مؤامرة إدارته، فيما استعرض نتنياهو تفاصيلها، وتحدثا عن "القدس الموحدة" وأن "لن تتجزأ"، رغم أن الإسرائيليين أنفسهم يتحدثون عن وجود قدسين، واحدة يرتادها الإسرائيليون، وأخرى فلسطينية ويتواجد في مناطق منها المستوطنون. والإسرائيليون لا يتواجدون في القدس المحتلة، ولا يتجولون في سلوان ووادي الجوز وبيت حنينا وشعفاط وصور باهر وغيرها من البلدات في "شرقي القدس". قدمهم لا تطأ هناك. ومن يتجول في البلدة القديمة لا يرى إسرائيليين، باستثناء المستوطنين والمتدينين المتشددين، الذين اعتنقوا الصهيونية أيضا. قدم الغالبية الساحقة من الإسرائيليين لا تطأ البلدة القديمة. والقدس المحتلة عام 1967، ليست جزءا من "العاصمة".

و"صفقة القرن" مؤامرة لأنها تتجاهل الفلسطينيين، فهم ليسوا شركاء في وضعها ولم يتم التشاور معهم بشأنها، وإنما تفترض إدارة ترامب وإسرائيل أنه بالإمكان فرضها عليهم. ولأن بإمكان إسرائيل أن تفرض "سيادتها" على أجزاء واسعة منها، على مناطق جميع المستوطنات وغور الأردن. ويعني ذلك أنه بالنسبة لإسرائيل، ستكون المكانة القانونية لهذه المناطق شبيهة بمكانة القدس الشرقية بنظر دولة الاحتلال، أي دخول الفلسطينيين إليها يستوجب حصولهم على تصريح من الاحتلال. ومطالبة إسرائيل الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية إسرائيل يعني الاعتراف بيهودية القدس ويهودية غور الأردن وجميع مناطق المستوطنات، أي الاعتراف بيهودية ما لا يقل عن 30% من الضفة، وربما أكثر.

و"صفقة القرن" مؤامرة ضد الأردن أيضًا، ليس فقط لأن الأردن يعارض هذه الصفقة، وإنما لأن الغالبية العظمى من مواطني الأردن هم فلسطينيون، وأن يؤدي تطبيق صفقة ترامب – نتنياهو إلى معارضة واسعة لها في صفوف المواطنين الأردنيين. وهذا يمكن أن يؤدي، حسب توقعات إسرائيلية، وبينها أجهزة الأمن الإسرائيلية حسب وسائل إعلام عبرية، إلى قلاقل في الأردن، قد يواجهها الأردن بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل.

لكن إصرار إسرائيل على ضم غور الأردن ومناطق المستوطنات، رغم تهديدات الأردن بقطع العلاقات، يطرح أسئلة حول سياسة إسرائيل. ومن الخطأ الاعتقاد، في هذا السياق، أن موجه هذه السياسة هي انتخابات الكنيست. فليس نتنياهو واليمين فقط الذي يؤيد هذا الضم، وإنما كتلة "كاحول لافان" (أبيض أزرق) أيضًا. وعدد نواب كتلة أحزاب اليمين والحريديين و"كاحول لافان" يقارب المئة عضو كنيست من أصل 120 عضو كنيست. وهذا يعني وجود إجماع واسع على الضم، يضاهي إجماعا واسعا على الاستيطان.

لا شك أن هذه غطرسة إسرائيلية تستند إلى القوة العسكرية، وعدم وجود قوة مضادة ولو حتى قوة رافضة لهذه الغطرسة الإسرائيلية سياسيًا. فما معنى أن يتواجد سفراء الإمارات والبحرين وعُمان في مؤتمر ترامب اليوم، رغم أن الظلم الواقع على الفلسطينيين في "صفقة القرن" ليس خافيا عنهم. وماذا يعني عدم وجود إجماع عربي على رفض "صفقة القرن"، و"حياد" دول عربية "كبرى"، مثل مصر والسعودية تحديدا. وماذا يعني عدم ممارسة السعودية تأثيرها على شقيقاتها الخليجيات؟

بالإمكان أن يستنتج أي قارئ الإجابة التي يريد، لكن هذا واقع، يقول إن الأنظمة العربية تخلّت عن فلسطين والفلسطينيين، واستسلمت "لإسرائيلية" فلسطين، من منطلق أن هذا يخدم أمن الأنظمة وليس شعوبها، ويضمن بقاء الأنظمة.

وكل هذا لا ينفي مسؤولية الفلسطينيين عن مصيرهم. لقد أخطأوا عندما انقسموا، بين حماس وفتح، وغزة ورام الله، ولم يضعوا المصلحة الوطنية العليا، التي تصفها الدول المتطورة بالأمن القومي، فوق أي اختلاف، لمواجهة الخطر الإسرائيلي، متوهمين أنه هكذا سنواجه مؤامرة كبيرة ضدنا.

والخطر في "صفقة القرن" أن تُقْدم إسرائيل على تنفيذ البنود المتعلقة بها، من ضم وفرض "سيادة"، ثم تدعي أن الفلسطينيين رفضوا الصفقة ورفضوا التحدث. ويبدو أن اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو، يعي "الخطر الديمغرافي"، ورسم حدودا جديدة تضم أرضًا وليس بشرا، ويقضي على فكرة الدولة الواحدة.

التعليقات