30/01/2020 - 15:17

خطة ترامب والتعامل مع قضايا الحل الدائم من طرف واحد

لقد استغلت إسرائيل وأميركا حالة التردي والنكوص العربي والتراجع والانقسام الفلسطيني غير المبرر ما بين فتح وحماس وغزة والضفة على سلطة وهمية ودولة غير موجودة، ووجهتا ما يفترض أن تكون الضربة القاضية للقضية الفلسطينية والمسماة بـ"صفقة القرن".

خطة ترامب والتعامل مع قضايا الحل الدائم من طرف واحد

في الحقيقة لم يأتنا نحن الفلسطينيين من أميركا والغرب عموما ما "يسر القلب" إلا إذا اعتبرنا اتفاق أوسلو المثير للجدل إنجازا، وتجاوزا لسايكس بيكو ووعد بلفور باعتبارهما من تركة الاستعمار القديم، فقد عانينا أميركيا من تبعات مشروع روجرز وأفكار كيسنجر وويلات كامب ديفيد الأول، وما زلنا نكابد تداعيات كامب ديفيد الثاني وتفاهمات كلينتون وخارطة الطريق وغيرها من المشاريع التصفوية، التي انتقصت من الحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية، ومنحت إسرائيل المزيد من الأرض، وصولا إلى خطة ترامب التي جاءت لتيسر لها بسط هيمنتها على كامل فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر.

وإذا كانت تلك المشاريع قد جاءت كنتيجة مباشرة لتحالف الغرب الاستعماري مع الصهيونية ودولتها – إسرائيل - فإنها نبتت وانتعشت في تربة العجز العربي وفي ظل تعثر وغياب الفعل الوطني الفلسطيني، ولعل الظروف السياسية التي طرحت في سياقها خطة ترامب تقدم لنا دليلا حيا للسوابق التاريخية التي أفضت إلى ضياع فلسطين وتواصل محاولات تصفية شعبها وقضيته.

لقد استغلت إسرائيل وأميركا حالة التردي والنكوص العربي والتراجع والانقسام الفلسطيني غير المبرر ما بين فتح وحماس وغزة والضفة على سلطة وهمية ودولة غير موجودة، ووجهتا ما يفترض أن تكون الضربة القاضية للقضية الفلسطينية والمسماة بـ"صفقة القرن".

وتقوم تلك الخطة على ثلاثة محاور، تمثل الأول باعتراف أميركا بالقدس موحدة عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة واشنطن إليها، وترجم الثاني بقطع التمويل الأميركي عن وكالة "غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) كخطوة أولى على طريق طي ملف اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم والقضاء على حق العودة، ويقوم الثالث على توفير الغطاء لإسرائيل لضم الأغوار وسحب السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات، وتحويل الضفة الغربية بالتالي إلى جزيرة أو مجموعة جزر على غرار بنتستونات السود التي أقامها نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، جزر في بحر السيطرة الإسرائيلي الذي يعانق نهر الأردن، ويمنع إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي.

وبنظرة إلى الوراء، نرى أن تلك المحاور شكلت دائما مسائل جوهرية في الصراع، حاولت إسرائيل دفع الفلسطينيين إلى التنازل عنها، فنحن نعرف بما يتعلق بالقدس أن إسرائيل أعلنت عن ضم شرقي المدينة واعتبار القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل بعد أشهر قليلة من احتلالها عام 1967.

وإن كانت قد أبدت شكلا من أشكال المرونة في ما يتعلق بالانسحاب من بعض الأحياء الفلسطينية في إطار مفاوضات الحل الدائم، أكثر مما هو وارد في خطة ترامب ووافقت على إيجاد ممر للفلسطينيين للوصول إلى الحرم القدسي الشريف، فإن الحديث عن عاصمة فلسطينية في أبو ديس، التي بوشر بناء البرلمان الفلسطيني فيها، ليس بالجديد بل هو من مفرزات أوسلو وكامب ديفيد.

وبالنسبة للأغوار، فإن مشروع ألون المتعلق بضم بالأغوار، واعتبار نهر الأردن "حدود منيعة" لإسرائيل، جاء غداة احتلال الضفة الغربية مباشرة، ولاقى ترجماته بإطلاق حكومة العمل ليد الاستيطان في تلك المنطقة، التي ظلت وفق رؤية رابين في أوسلو ورؤية براك في كامب ديفيد منطقة إستراتيجية، يجب على إسرائيل التمسك بها في أي تسوية مع الفلسطينيين، بغض النظر عن مساحة تلك المنطقة.

أما قضية اللاجئين وحق العودة، فإن جميع التفاهمات المعلنة وغير المعلنة، في أوسلو وكامب ديفيد، وتفاهمات كلينتون وتفاهمات طابا التي تمت في عهد حكومة أولمرت، كانت تتحدث عن عودة إلى الضفة والقطاع وليس إلى مناطق الـ48.

إلا أنه ولصالح القيادة الفلسطينية، يقال إنها رفضت التوقيع على أي من تلك التفاهمات، لأنها تنتقص من الحقوق الفلسطينية في تلك القضايا الأساسية التي شكلت وما زالت عقبة، في وجه وصول المفاوضات إلى توقيع اتفاق شامل.

بالمقابل، فإن إسرائيل وبوعي منها إلى عدم وجود طرف فلسطيني يقبل بالتنازل عن تلك القضايا الجوهرية، شرعت باتخاذ خطوات سياسية أحادية الجانب، مثل إقامة الجدار العازل والانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، ولعل خطورة خطة ترامب تكمن في أنها تندرج ضمن تلك السياسة، بمعنى أنها لا تنتظر توقيع فلسطيني لتنفيذها، بل هي تعطي الغطاء الشرعي الأميركي لإسرائيل بتنفيذ عملية ضم الأغوار وسحب السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، بعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة واشنطن إليها، وبعد قطع المساعدة المالية عن الأونروا في إطار مخطط تصفية قضية اللاجئين.

خطة ترامب تقع ضمن فرض حقائق على الأرض من طرف واحد، حقائق تستدعي الصراع معها بل وتجعل صراع الفلسطينيين اليومي مع الاحتلال أكثر صعوبة ومرارة، إلا أنها تختلف عن كامب ديفيد، مثلا، الذي كان يتطلب إفشاله مجرد عدم التوقيع على المعاهدة حتى لو أدى ذلك إلى اندلاع انتفاضة ومحاصرة عرفات واغتياله.

التعليقات