05/03/2020 - 16:33

على مسافة واحدة من قطبي الإجماع الصهيوني

بالرغم من نتائج الانتخابات الإسرائيلية الثالثة على التوالي والتي لم تحسم بالكامل لصالح مرشح أحد المعسكرين المتنافسين وتمكينه من تشكيل الحكومة القادمة، يمكن القول إن إسرائيل لا تعاني من أزمة سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة

على مسافة واحدة من قطبي الإجماع الصهيوني

بالرغم من نتائج الانتخابات الإسرائيلية الثالثة على التوالي، والتي لم تحسم بالكامل لصالح مرشح أحد المعسكرين المتنافسين وتمكينه من تشكيل الحكومة القادمة، يمكن القول إن إسرائيل لا تعاني من أزمة سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأن الجولات الانتخابية الثلاث لم تجر حول القضايا الأساسية التي تحظى بإجماع صهيوني لم تشهد إسرائيل في السابق نظيرا له.

إجماع لم تتمكن الجولات الانتخابية الثلاث إحداث أي تصدع في أساساته، أو أي شرخ في جدرانه المصبوبة بالمصالح والمنافع المشتركة، التي بات يوفرها استمرار الاستيطان والاحتلال والاستحواذ على كامل الأرض الفلسطينية، لمختلف فئات وشرائح المجتمع الإسرائيلي وتجلياته السياسية متمثلة بالأحزاب الصهيونية المختلفة.

ولا عجب، والحال كذلك، أن تذهب جميع محاولات أقطاب القائمة المشتركة، الذين استماتوا للدخول بكل ثمن من "تصدعات" هذا الإجماع وتعميقها، أدراج الرياح، وأن يتجاوز أطراف القبيلة الإسرائيلية وأسباطها خلافاتهم الثانوية لصالح التناقض الأساسي الذي يوحدهم ضد العرب والفلسطينيين في الداخل والخارج، باعتبارهم الخطر الظاهر والكامن والعدو الرئيس الذي يجب التوحد ضده.

ولعل الأوصاف والتعابير التي أطلقت ضد أحزاب القائمة المشتركة وقياداتها، وإن بشكل متفاوت، من مختلف الأحزاب الصهيونية وبشكل خاص قيادات وكوادر "كاحول لافان"، والرفض الجارف لأي تعاون معها أو أي مساعدة تقدمها لتمكين "كاحول لافان" من تشكيل الحكومة القادمة، حتى لو كانت مجانية، لأنها غير صهيونية وغير يهودية و"مؤيدة للإرهاب"، تثبت بما لم يدع مجالا للشك أن فلسطينيي الداخل حتى لو أسموهم "عرب إسرائيل"، يقعون ضمن دائرة الأطراف التي يجب العمل ضدها وليس معها.

وإن كانت القيادة النافذة في المشتركة قد أوصت على غانتس لتشكيل الحكومة، رغم تأييده لنقل السفارة الأميركية للقدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل وانتقاده لنتنياهو لتعامله بأكف من حرير مع غزة، والخجل بالمقابل من التواصل العلني مع قيادات المشتركة والتعامل معها كزوجة غير شرعية، بتعبير أيمن عودة، فإن تلك القيادة شعرت أنها ستتحول إلى جارية رخيصة إذا ما واصلت الجري خلفه بعد تأييده لـ"صفقة القرن"، بما تعنيه من ضم للأغوار وسحب السيادة على المستوطنات وإجراء ترانسفير للمثلث، إضافة إلى إعلانه بصراحة مهينة وبأكثر من مناسبة، أنه لا يريد أي شراكة أو تعاون مع العرب وغير معني بدعمهم لا من قريب ولا من بعيد، ولا من الداخل ولا من الخارج (كتلة مانعة).

لقد استاء العرب في إسرائيل من الكاتب اليساري غدعون ليفي عندما خاطبنا قائلا: "كفى تسولا"، وكان الاستياء أكثر من كاريكاتير "هآرتس" الذي صور أيمن عودة كـ"ركوبة" يمتطيها غانتس عندما يريد ويترجل عنها متى شاء، واستنتج النائب عودة بنفسه أنهم عنصريون (كاحول لافان)، كما وصفهم بعد الانتخابات، يرون بالأغلبية، أغلبية يهودية فقط ولا يحتسبون العرب، بقي أن يستنتج أن شعار إسقاط نتنياهو لأنه فاسد وليس لأنه فاشي لا يعنينا بشيء.

وعودة على بدء، فإن ثلاث جولات انتخابية خلال سنة، لم تخلق أية أزمة سياسية في إسرائيل، التي لا تشهد أي استقطاب سياسي يخص القضايا المبدئية المتعلقة بالتعامل مع الاحتلال والاستيطان ومستقبل العلاقة مع الشعب الفلسطيني، ولا تعاني من تقطب اجتماعي بين غربيين وشرقيين مثلا، أو متدينين وعلمانيين رغم "فيلم" ليبرمان المكشوف، وذلك رغم تفاقم أزمة تشكيل الحكومة المرتبطة بشخص نتنياهو.

ولعل الانتخابات الأخيرة كانت الدليل القاطع لكل من لم تقنعه الجولتين السابقتين، بأن "المعركة" تدور حول شخص نتنياهو وما يسمى بملفات الفساد الخاصة به، وهو موضوع يفترض ألا يعنينا كثيرًا، وأنه لا مشكلة لدى قباطنة "كاحول لافان" الجلوس في "حكومة وحدة قومية" مع الليكود من دون نتنياهو، على قاعدة ضم الأغوار وسحب السيادة على المستوطنات وإجراء ترانسفير للمثلث وغيرها من بنود "صفقة القرن" التصفوية.

على ضوء ذلك، وبعد أن عززت القائمة المشتركة تمثيلها البرلماني بشكل كبير، وأثبتت أن "مشتركة أكثر" قد تعني "يمين أكثر" أحياناً، فقد آن الأوان أن نحافظ على مسافة واحدة من المعسكرين الصهيونيين المتنافسين، لأن التذيل لأحدهما يفقدنا من حرية المناورة السياسية دون طائل.

التعليقات