16/04/2020 - 14:39

الطواقم الطبية العربية و"التكريم بما يشبه الإهانة"

المؤسسة الإسرائيلية وخاصة وزيرة الثقافة الحالية، شرقية الأصل، ميري ريغيف، التي "كرمت" هذه السنة كالعادة، عددا من المبدعين والمنتجين والبارعين في مواقع العلم والعمل المختلفة، بإيقاد شعلة استقلال إسرائيل، تعرف جيدا أن هذا "التكريم" الذي يتسابق إليه الإسرائيليون بصفته وسام

الطواقم الطبية العربية و

المؤسسة الإسرائيلية وخاصة وزيرة الثقافة الحالية، شرقية الأصل، ميري ريغيف، التي "كرمت" هذه السنة كالعادة، عددا من المبدعين والمنتجين والبارعين في مواقع العلم والعمل المختلفة، بإيقاد شعلة استقلال إسرائيل، تعرف جيدا أن هذا "التكريم" الذي يتسابق إليه الإسرائيليون بصفته وسام شرف، لا يشرف أي مواطن عربي بل أنه يشكل إهانة لشخصه ومهنته وإبداعه وإهانة جماعية للقطاع الذي يمثله هذا الشخص ولشعبنا كله.

فحفل إيقاد شعلة استقلال إسرائيل الذي يقام في مقابر ما يسمى بـ"جبل هرتسل"، وهو المكان المدفون فيه صاحب نبوءة الدولة اليهودية تيودور هرتسل، إلى جانب كبار قادة إسرائيل من سياسيين وعسكريين، هو حفل شبه عسكري يشرف عليه جنرال في الجيش الإسرائيلي ويجري بحضور رئيس الكنيست ورئيس الحكومة وقائد أركان الجيش وأعضاء كنيست ومقعدي الجيش الإسرائيلي وعائلاته الثكلى، وهو الحدث الذي يختتم يوم ذكرى قتلى "معارك إسرائيل" (التي دارت مع العرب والفلسطينيين)، ويفتتح يوم استقلال الدولة التي قامت على أنقاض وخرائب شعبنا الفلسطيني، ناهيك عن أن عدد الشعل الـ12 يرمز إلى عدد أسباط إسرائيل.

وبالنظر إلى طبيعة هذا الحفل، دأبت إسرائيل سابقا على انتقاء شخوص يقعون على هوامش المجتمع العربي، خاصة من القطاعات التي نجحت بسلخها عن جسم شعبنا وإلحاقها في "الحيز الإسرائيلي"، أولا لتكريس هذا السلخ وذاك الإلحاق، وثانيا لعدم وجود عرب من الجسم الأساسي لشعبنا على استعداد للمشاركة في مثل هذا العبث.

بالمقابل فإننا لم نكترث كثيرا، من جهتنا، لاصطياد عميل هنا ومتعاون هناك من هوامش مجتمعنا، خوري يفتح دكانة تجنيد للجيش الإسرائيلي أو مذيعة مقطوعة عن بيئتها الحيوية وهويتها العربية، وكنا نقول "هيك مزبطة بدها هيك ختم"، لكن صدمنا، مثلا، قبل سنوات بمشاركة غير متوقعة لجراح عربي شهير كان يشكل مصدر فخر ومثال نجاح للكثيرين.

واليوم تتجدد صدمتنا لسببين، الأول لأن النار تواصل مهاجمتنا في عقر دارنا، عندما يجري الحديث عن مُسعفة من الناصرة هي شابة في مقتبل العمر ابنة لعائلة عربية عادية، لا ينطبق عليها ما نستطيع أن نطبقه على الممرض الآخر من وادي الحمام بأنه قادم من الهوامش الاجتماعية التي سبق وتحدثنا عنها.

والسبب الثاني بأن المؤسسة بهذا "التكريم بما يشبه الإهانة" إن صح التعبير، لاثنين من العاملين في المهن الطبية، توجه صفعة قوية لكل الطواقم الطبية العربية من أطباء وممرضين ومسعفين ممن يقفون في خط المواجهة الأول في المعركة التي تخوضها البشرية ضد فيروس الموت المسمى كورونا ومن أجل الحياة للجميع.

لقد "أجادت" الوزيرة العنصرية ميري ريغيف الرد على من "طافوا على حفنة ماء" وحاولوا سحب جبهة التوحد الإنساني المتجسد في المهن الطبية ضد هذا المرض الفتاك إلى جبهات وساحات أخرى يختلف حولها بنو البشر ونحن منهم، مثل جبهة الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي، الذي ما زال يشكل محور نزاع لا ينتهي بيننا وبين دولة الاحتلال والاستعمار الكولونيالي العنصرية.

لقد قلنا منذ البداية إن الطواقم الطبية وفي مقدمتهم الأطباء العرب أبناء الداخل الفلسطيني، يؤدون واجبهم المهني الإنساني بتفان وإخلاص ودون تمييز وفي مختلف الظروف والمواقع، بحكم كونهم عاملون في الجهاز الصحي الإسرائيلي ولأنهم ينتمون إلى مهنة تُقدس حياة الإنسان بشكل مطلق، بعيدا عن الاعتبارات السياسية.

كما أن أي مقارنة مع أعضاء الكنيست وغيرهم من السياسيين، هي مقارنة غير موفقة وغير صالحة وتضر بالطرفين وخاصة الأطباء العرب والطواقم الصحية الأخرى، إلا أن البعض أصر على خلط الأوراق واستغلال الطواقم الطبية العربية لدفع أجندة الاندماج والأسرلة السياسية، والغريب أن هؤلاء لم ينبسوا ببنت شفة وهم يرون هذا التكريم/ الإهانة التي تلحقها ريغيف بالطواقم الطبية العربية.

التعليقات