21/04/2020 - 17:03

تحتاج البشرية إلى حركة أممية جديدة...

يحتاج البشر إلى تصالح مع أنفسهم أولا في مجتمعاتهم، وبين مختلف الأمم والشعوب والانتماءات، والتعامل مع أنفسهم وبعضهم كمكملين وليسوا كمتصارعين حتى الفناء على الثروات، وليس أقل من هذا يحتاجون إلى العيش بسلام وتصالح بيئة الكرة الأرضية.

تحتاج البشرية إلى حركة أممية جديدة...

تنفّست الطبيعة الصعداء، تنفّست الزهور والأشجار والأطيار، وانتفضت الأسماك فرحًا، فقد باتت الأنهار والبحار والشواطئ أقل تلوّثا، وفي بعض المناطق من العالم رأوا لون السماء الأزرق كما لم يروه منذ عقود، ورأوا المياه شفّافة كما لم يروها من قبل، ومما ليس فيه شك أن مخلوقات كثيرة في البر والبحر والفضاء، شعرت بالاستراحة والهدوء والسكينة والأمن والأمان بسبب انكفاء أعداد هائلة من البشر في البيوت ووقف نشاطهم.

جشع الإنسان وطمعهـ وخصوصا في العقود الأخيرةـ ومع السباق الاقتصادي الصناعي الهائل، جعل منه سفّاحًا بحق الإنسان أولا، ثم بحق الكثير من الحيوانات والنباتات وحتى الجبال والتراب والبحار. لوّث وقتل، دمّر وخرب وأحرق وسمّم، لوّث الأمكنة والظروف والعناصر الأساسية التي يشترك فيها مع غيره من الأحياء، فجعل حياة بعض المخلوقات مستحيلة، فانقرضت آلاف الأصناف من الحيوان والحشرات والنباتات، أو تشوّهت.

صحيح أن الإنسان يقتل الحيوان كي يعيش في صراعه لأجل البقاء، إلا أنه في الواقع قتل من الحيوان والنبات أكثر بآلاف المرات عن حاجته، ورغم ذلك يوجد فقراء ويوجد جوعى ويوجد من لا يملكون ماء الشّفة، وذلك أن الخلل الكبير هو في توزيع هذه الثروات، بين الدول وكذلك بين أبناء المجتمع الواحد نفسه.

بلا شك أنّ جريمة قتل الإنسان وسحق الشعوب هي الأفظع، عندما تكون الأهداف النهائية للحروب هي مراكمة الثروات والأموال والتباهي بالبطش والقوة.

إلا أن جشع الإنسان أدّى إلى ظهور أمراض وعاهات وتشوّهات تشبه التشويهات في البشر والحيوان والنبات التي ظهرت في السنوات التي تلت إلقاء القنابل النووية على اليابان عام 1945، وانفجار فرن تشيرنوبيل الذري في أوكرانيا قبيل انتهاء الحقبة السوفييتية عام 1986.

جشع الإنسان للمال والثروات والسيطرة، أدى إلى هلاك ملايين الأصناف من الحيوانات والحشرات والنباتات في البر والبحر والفضاء، فإهمال الإنسان ورعونته وطمعه سبّب حرائق هائلة في الغابات الاستوائية، ما أدى إلى هلاك ملايين من الأحياء وتخريب التربة وتلويث الهواء والإضرار بإنتاج الأوكسجين.

وها هو النحل، وبسبب الاستخدام الواسع للمبيدات بسبب الزراعة غير العقلانية لبعض المحاصيل بات في تناقص مستمر ويهدد المحاصيل بالخطر، فهو ينقل اللقاح من زهرة إلى زهرة وله الفضل الأكبر في حصول الإنسان على الفاكهة والخضار، وتناقصه يعني نقص الخضار والفاكهة، وتهديد موارد البشرية من الغذاء النباتي.

الطبيعة تصلح نفسها بنفسها حتى تستقر، لتضمن توازنًا وتناغمًا على الأرض نفسها، وبين الأرض والكواكب الأخرى، ولهذا تثور الطبيعة على نفسها وعلى الإنسان بين حين وآخر، بصفته جزءًا من الطبيعة وليس خارجًا عنها، فإذا مرضت الطبيعة فلا بد أن يمرض الإنسان كذلك.

هناك من يزعم بأن أعداد البشر صارت كثيرة، ولا بد من التخفيف، كي تكفي موارد الأرض الجميع.

أصحاب هذه النظرية هم أصحاب التفكير الفاشي والإجرامي والنازي، الذين ينظرون إلى بني البشر كحشرات، هي مقولة سطحية وأنانية، تشبه نظرية المجال الحيوي النازية، وترمي إلى إشباع أطماع حاكمي الدول القوية وخصوصًا الولايات المتحدة، التي يرى قادتها وخصوصًا الحاليين برئاسة ترامب بأن كل شيء مباح ما دام أنه قد يجلب المال للشركات الأميركيّة العملاقة، ولأجل السيطرة على الموارد فهم مستعدون لتدمير دول وإبادة شعوب، وتخريب البيئة في أي مكان كان.

مساحة الأرض تكفي لمليارات أخرى من البشر، فهناك مساحات شاسعة في البر، هي أضعاف المناطق المأهولة والمستغلة في الزراعة، إضافة إلى البحار التي تغطي حوالي 71% من سطح الكرة الأرضية، والتي لم يُستثمر منها للحياة السلمية سوى القليل، ولو أن الإنسان كرّس طاقاته في العلوم والبحث واستصلاح الصحارى واكتشاف أعماق البحار بدلا من مصاريفه الخيالية على التسلح، لكان وضع البشرية أفضل بكثير ومع حفاظ على البيئة.

يحتاج البشر إلى تصالح مع أنفسهم أولا في مجتمعاتهم، وبين مختلف الأمم والشعوب والانتماءات، والتعامل مع أنفسهم وبعضهم كمكملين وليسوا كمتصارعين حتى الفناء على الثروات، وليس أقل من هذا يحتاجون إلى العيش بسلام وتصالح بيئة الكرة الأرضية، هذه مسؤولية الدول العظمى قبل كل شيء.

هذا الطموح البعيد لن يتم، إلا بوجود أنظمة أكثر حكمة في فهم دور الإنسان ومكانته وعلاقته بأخيه الإنسان وبالطبيعة والبيئة، هذا يتطلب نشوء أحزاب جديدة مختلفة جذريًا عن ما نعرف، ذات رؤية عالمية شاملة للإنسان وموقعه ودوره في الطبيعة، مثل أحزاب الخضر هنا وهناك، مع توسيع الرؤية لتصبح لتشمل الشعوب كلها في حركة أممية سلمية وخضراء، لا أحزابًا متصارعة على الثروات لصالح هذه الشريحة أو تلك، ولا لصالح هذه الفئة أو تلك، حتى اقتلاع أنظمة الحكم المستهترة أو الغبية والتي أعماها الجشع، ونقل السلطات إلى أيد أمينة على مصالح المجتمع البشري وبيئته وشركائه من جميع المخلوقات.

التعليقات