29/04/2020 - 13:42

الحرب الإسرائيلية على لبنان 1982.. خداع الذات

مع اقتراب ذكرى مرور عقدين على إتمام الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من جنوب لبنان، الذي تمّ في أواخر أيار/ مايو 2000، بدأ في دولة الاحتلال انشغال واسع بدلالات ذلك الانسحاب الذي اعتبر بمثابة خاتمة لما سُميت "حرب سلامة الجليل" التي

الحرب الإسرائيلية على لبنان 1982.. خداع الذات

أنطوان شلحت

مع اقتراب ذكرى مرور عقدين على إتمام الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من جنوب لبنان، الذي تمّ في أواخر أيار/ مايو 2000، بدأ في دولة الاحتلال انشغال واسع بدلالات ذلك الانسحاب الذي اعتبر بمثابة خاتمة لما سُميت "حرب سلامة الجليل" التي شنتها إسرائيل على لبنان والمقاومة الفلسطينية عام 1982، وأطلقت عليها لاحقًا تسمية "حرب لبنان الأولى" بعد إطلاق تسمية "حرب لبنان الثانية" على حرب تموز/ يوليو 2006.

وفي خضم هذا الانشغال، يمكن أن نستقطر مسألتين متصلتين: الأولى، أن إحدى قواعد الحياة المهمة أن الأحداث المأساوية الجديدة تتسبّب بنسيان المآسي القديمة. ومن هنا، نلاحظ أن الحنين إلى تلك الحرب ظهر بادئ ذي بدء إثر وقوع الثانية.

وبناء على هذا، جرى التذكير بأن نشوة الحرب الأولى استمرت لأشهر قليلة، وانقلبت إلى نقد لاذع وشديد بعد احتلال بيروت، والمذبحة التي ارتكبت في مخيمي اللاجئين، صبرا وشاتيلا.

وظهر بمرور الأعوام جيل من الإسرائيليين يجهل أو يتجاهل الأدبيات النقدية التي نشرت حول الحرب في عقد الثمانينيات، وما أثارته، في حينه، من مشاحنات داخلية.

كما أن الادّعاءات والانتقادات الحادّة التي أثيرت بشأن أداء الجيش الإسرائيلي في الحرب الثانية نحّت جانبًا الاتهامات التي وجهت في الحرب الأولى إلى وزير الدفاع الإسرائيلي، أريئيل شارون، واتهم بموجبها بتضليل حكومة إسرائيل ورئيسها مناحيم بيغن (ومن هنا جاء عنوان الكتاب شبه الوحيد عن تلك الحرب وهو "حرب تضليل"، لإيهود يعاري وزئيف شيف).

وتمثّل هذا التضليل، بحسب المنتقدين، في أنه عرضت على الحكومة خطة مقلصة في أهدافها، كان الهدف بموجبها احتلال منطقة في جنوب لبنان بعمق 40 كيلومترًا، والامتناع عن الدخول في مواجهة عسكرية مع القوات السورية في لبنان.

ولكن في مقابل ذلك قيل، مع إبقاء إمكان الجزم مفتوحًا، إن النية والنشاطات التي جرت، منذ بداية الحرب، استهدفت عمليًا شن عملية واسعة النطاق، هدفها، بالإضافة إلى القضاء على ما سميت "دولة منظمة التحرير الفلسطينية" داخل لبنان، ضرب الجيش السوري وطرد قواته من لبنان، واحتلال معظم أراضي الدولة اللبنانية وعاصمتها بيروت، وإقامة نظام موال لإسرائيل وتوقيع معاهدة سلام معه.

الثانية، سوف يستمر المؤرّخون في تقصّي هذه الأسئلة، وقد يقدّمون إجابات دقيقة، حين يصبح هذا الأمر متاحًا، وفقًا لأنظمة قانون الأرشيف الإسرائيلي. غير أنه، بنظرة إلى عدة أعوام خلت، يُخيّل أن التفسير أو الرأي القائل إن حكومة إسرائيل، ومناحيم بيغن الذي ترأسها في حينه، وقعا بالفعل ضحية تضليل كامل طوال الوقت، خلال فترة الحرب والإعداد لها، هو تفسير يميل إلى التبسيط أكثر من اللازم، وينسب إلى السياسيين، وخصوصا بيغن، قدرًا من السذاجة والجهل.

وهذا ما أثبته مثلًا بحث أعدّ في عام 1992 وربما هو الوحيد الذي رفع الجيش الإسرائيلي السرّية عنه بعد أكثر من 20 عامًا، وكشف عن وجود نيةٍ إسرائيليةٍ مسبقة لاحتلال بيروت، والاصطدام بالقوات السورية في لبنان، وأن القيادة الإسرائيلية حينذاك، رئيس الحكومة بيغن ووزير الدفاع شارون ورئيس هيئة أركان الجيش رفائيل إيتان، أخفوا ذلك عن الحكومة والمواطنين.

وأنجز البحث ضابطان في الجيش الإسرائيلي، المقدم مئير مينتس، الذي قُتل في غزة عام 1993، وضابط الاستخبارات العقيد المتقاعد إيتان كليمر، وكان البحث مُصنفًا بأنه "سرّي للغاية"، وينطوي على تأكيد أن إسرائيل استعدت لاجتياح لبنان قبل وقت طويل من تنفيذه في حزيران/ يونيو 1982.

وما يتعيّن قوله، في هذا الصدد، بنظرة طائر، أنه إذا كان رفع غطاء السريّة عن وثائق وأبحاث أوجد أداة للنقد السياسيّ المستند إلى وقائع، سواء في الكتابة التاريخية أو غيرها، فإنه لم يعبّد بعد الطريق لكتابةٍ تهدف إلى تعرية الخداع الذاتي لدى المجتمع الإسرائيلي، في ما يتصل بسلسلة طويلة من الحروب، وهو خداع ما زالت كذبة "اللاخيار" أحد مصادره الرئيسية.

التعليقات