06/08/2020 - 18:43

"الفوضويون" والاحتجاجات الإسرائيلية: حجة للقمع أم نافذة للتغيير؟

وترى الكاتبة أنّ نشاط الفوضويين والفوضويات هو ميدان لعنف الشرطة، "ليس بسبب سلوكهم التظاهري، بل بسبب الرسائل التي يبعثونها والتي تستأنف على وجود منظومات السلطة وأجهزة قمعها".

(أ ب)

في حين استغلّ اليمين حضورهم لتبرير قمع الاحتجاجات المتواصلة أمام منزل رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو، تنصّل منهم "اليسار والمركز الصهيوني" اللذان يخشيان من أن تصطبغ الاحتجاجات بلونهم وسلوكهم. إنّهم "الفوضويون" الذين أعطوا لحركة الاحتجاج الإسرائيلية الأخيرة بعض الزخم بعد تحويلها، أحيانا، إلى مواجهات عنيفة مع الشرطة، ذكّرتنا بتعامل الأخيرة مع العرب.

المتظاهرون الذين خرجوا عن طور الاحتجاجات الهادئة المعتادة واقتحموا حواجز الشرطة ورجموا أفرادها بالبيض والحجارة وأغلقوا شوارع في مركز المدينة وقاموا بتعطيل القطار الخفيف، جوبهوا بعنف شرطوي أسفر عن إصاباتٍ في صفوفهم واعتقال العشرات منهم واقتيادهم إلى مركز شرطة المسكوبية.

وبغضّ النظر إذا كانت الشرطة تستغلّ هذا "الكلاشيه" (الفوضويون) لقمع الاحتجاجات والتعامل معها بيد حديديّة أم أن حضور وسلوك هذه المجموعات يؤدي إلى مثل هذه المواحهات، فإنّ النتيجة واحدة، عبّر عنها أحد الكتّاب الإسرائيليين بقوله إن "الفوضويين" ليسوا مشكلة الاحتجاجات "بل هم المدماك الأهم فيها"، لأنه من الصعب احتواء مطالبهم من خلال "عناق الدّب"، كما حدث في حالات سابقة، وذلك لأن مطالبهم، أصلا، غير واضحة وغير محددة.

وبينما اعتبر البعض اتهامات اليمين واتباع نتنياهو للمتظاهرين بأنّهم "فوضويون" لنزع الشرعية عنهم وتبرير قمعهم، كما أسلفنا، خرج آخرون ضد استخدام المصطلح ("الفوضوييّن") كوسيلة للإساءة والاتهام وإسباغ الشرعية على عنف الشرطة من قبل أتباع نتنياهو وضد درء "التهمة" عن المتظاهرين من قبل معارضيه، وكأن العنف والقمع الشرطويّين هما أمر مشروع للتعامل مع "الفوضويين"، إذا وُجدوا.

وكان وزير الأمن، في حينه، نفتالي بينيت، قد أصدر مطلع العام أوامر عسكرية تقضي بإبعاد 30 ناشطا من حركة "فوضويين ضد الجدران" عن الضفة الغربية، في خطوة تعتبر سابقة ضد إسرائيليين من "اليسار"، وذلك بدعوى الحد من المس بالجنود الإسرائيليين من خلال المظاهرات الأسبوعية، التي تقام ضد جدار الفصل العنصري في النبي صالح وكفر قدوم ونعلين وبلعين.

في هذا السياق، كتبت "الناشطة الفوضوية" (كما عرّفت نفسها) شيري إيزنر مقالًا نشرته صحيفة "هآرتس"، كتبت فيه أنّ "الفوضويّة" ليست مصطلحا خاليًا من المضمون يمكن لمن يشاء ملؤه بما يحلو له. "’الفوضوية’ هي أيديولوجيا مناهضة للتراتبية والقمع، وهي تعرّف الدولة والحكومة والشرطة والجيش كأجسام تتأسس على صور وأشكال قمعية مثل الرأسمالية، العنصرية، وسطوة القوة وكراهية النساء، التمييز ضد المعاقين والمثليين وغيرها، وتهدف الفوضوية إلى تفكيك منظومات سلطة القمع وبناء مجتمع غير تراتبي يقوم على التضامن والتعاون المتبادل وتوفير الحاجات الأساسية لبني البشر على اختلافهم".

وفي راهن الاحتجاجات الإسرائيلية الحالية، فإنّ "الفوضويّة"، كما تقول الكاتبة، توجّه انتقادها لأداء الحكومة في إدارة الأزمة الراهنة، وتربط بين سياستها المتعلقة بأزمة كورونا وسياستها التدميرية تجاه الفلسطينيين، الأثيوبيين، الشرقيين، النساء والمثليين والفقراء وغيرهم، وترى فيها حكومة تفضل غنى الطغمة السياسية على حياة الناس.

وترى الكاتبة أنّ نشاط الفوضويين والفوضويات هو ميدان لعنف الشرطة، "ليس بسبب سلوكهم التظاهري، بل بسبب الرسائل التي يبعثونها والتي تستأنف على وجود منظومات السلطة وأجهزة قمعها".

من جهة ثانية، تنفي شيرا مايكين، في مقال آخر، ما يشاع عن الفوضوية بأنّها تسعى إلى الفراغ وانعدام النظام. وتقول "إنّها تدعو في الحقيقة إلى إلغاء المنظومات والأنظمة التي تفرض نظامها على الناس وتدعو إلى خلق نظام منسجم وغير إكراهي، ليس كالليبرالية التي تقدس الحريات الشخصية على حساب التضامن الاجتماعي وليس كالماركسية التي تفرض التضامن على الفرد وتدعو لمجتمع متساو وليس لمجتمع حرّ".

وتقتبس الكاتبة نوعام تشومسكي الذي يعتقد أنّ المبدأ الأساسي للفوضوية ينبع من الليبرالية الكلاسيكية مباشرة ومن عصر التنوير، الذي يرى أنّ كل سلطة عليها واجب إثبات شرعيتها، وإذا ما فشلت بذلك فيجب حلها وبناؤها من جديد. ويقول تشومسكي، وفق ما تورد عنه الكاتبة، إنّ الناس يمكن أن يعيشوا ألف سنة دون أن يعرفوا أنّهم مستعبدون في منظومات القوة على غرار النساء والعبيد، لأن هناك منظومات قمع يتقبلها الناس كأمر طبيعي، في حين تحدُث الثورات والتغيرات الكبيرة عندما يكف الناس عن تقبل هذا الواقع، مشيرًا إلى أنّ الفوضوية تأخذ كل ذلك على محمل الجد، فهل يحول الفوضويون الاحتجاجات الإسرائيلية إلى خطوات جدية.

التعليقات