15/08/2020 - 20:28

"حرب المتوسّط": توضيح الواضح ما بين الإمارات وإسرائيل

علــي مـــواســي || عصر استدعاء الكاميرات لوضع حجر الأساس والتصفيق لذلك انتهى، اليوم يبنون المبنى كاملًا، حتّى لو كان ناطحة سحاب، ويكفي أن يُعْلِنوا للناس عن اكتماله في تغريدة على "تويتِر"، أو بفيديو قصير مُسَرَّع

(أ ب)

عصر استدعاء الكاميرات لوضع حجر الأساس والتصفيق لذلك انتهى، اليوم يبنون المبنى كاملًا، حتّى لو كان ناطحة سحاب، ويكفي أن يُعْلِنوا للناس عن اكتماله في تغريدة على "تويتِر"، أو بفيديو قصير مُسَرَّع، يَحْشُرُ أيّامًا، وربّما سنوات، في دقيقة أو أقلّ. هكذا هو الأمر ببساطة؛ إذ لا وقت لاجتماعات متأنّقة في حديقة البيت الأبيض، في عصرٍ تبني فيه إمبراطوريّة الصين مستشفًى لعلاج مرضى كورونا في 6 أيّام؛ فالزمن زمن "رشاقة" الـ 5G، وإن كانت الحركة تكتونيّة بحجم إمبراطوريّات.

وهكذا هو أمر ترسيم العلاقات الإماراتيّة - الإسرائيليّة على شكل تحالفٍ معلن، أُطْلِقَ عليه وصف "اتّفاق السلام" الّذي لم تسبقه أيّ اشتباكات، بل كلّ ما سبقه مناورات عسكريّة مشتركة، وتنسيقات استخباريّة مشتركة!

لقد بُنِيَ المبنى كاملًا على مدار سنوات طويلة من اللقاءات والاتّفاقيّات ووضع السيناريوهات وطرح الاحتمالات وبناء التحالفات وضخّ الأموال وصناعة الولاءات وجَسّ الأنباض... ثمّ لم نُدْعَ للمشاهدة، أُرْسِلَ الخبر على شكل نيتوفيكاشين طارئ إلى كلّ هواتف وحواسيب المنطقة العربيّة وغير العربيّة، وهذا حَسْبُكُم، لا تستحقّون أكثر أيّها المواطنون العرب، بل الرعايا في الدول الريعيّة. لكن ممّا يمكن أن يواسي من موقع السخرية، أنّ الأمر بلغ وزير الحرب الإسرائيليّ، الجنرال السابق بيني غانتس، ووزير الخارجيّة، الجنرال السابق غابي أشكنازي، تمامًا كما بلغ الرعايا العرب. هذا ما يحصل عندما يختصر قادة سياسيّون دولهم بشخوصهم؛ فـ "ملك إسرائيل"، كما يصف شعبويّو اليمين الإسرائيليّ زعيمهم بنيامين نتنياهو، يرى في نفسه أهمّ من دولة المشروع الصهيونيّ الذاهبة على ما يبدو إلى انتخابات رابعة خلال سنتين بسببه.

وإن كان مَسْح عاصمة عربيّة مثل بيروت أمام أعيننا، بعد ملئها بالزبالة سنوات، سيستغرق من البشريّة بضعة أيّام من التأثّر والغضب، لتتحوّل بعدها عناوين الأخبار إلى شيء آخر، فلا مانع إذن من عنوان جديد بديل، طالما أنّ ترامب ونتنياهو يواجهان ورطات سياسيّة داخليّة.

المسألة الصغرى

توضيح التحالف الإماراتيّ – الإسرائيليّ تحت لفظ "سلام"، بدا كأنّه صاعقة ألمّت بشرائح واسعة من الشارع العربيّ والفلسطينيّ؛ فهل شعوبنا ونخبنا في حالة كوما؟ هل هي مصابة بالسذاجة والعَمى إلى هذا الحدّ؟ علمًا أنّ هذا التوضيح ليس سوى ترويج إعلاميّ لاهث واضطراريّ لما هو متحقّق؛ فلا جديد يُضاف على ذروتي "ورشة البحرين" (2019) و"صفقة القرن" (2020) إقليميًّا، وما قبلهما ويتخلّلهما من قيعان عربيّة متلاحقة.

هذا الترويج الإعلاميّ اللاهث والاضطراريّ تحت لفظ "سلام"، يريد فريق دونالد ترامب أن يحصّلوا له من خلاله، عشيّة الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، صورة نجاح ما، ولو بسيطة، في صناعة السياسة الخارجيّة، وذلك بعد فشله الذريع في ملفّي كوريا الشماليّة والنوويّ الإيرانيّ تحديدًا.

أمّا نتنياهو، فهو بحاجة ماسّة إلى مثل هذا الترويج ليحفظ شيئًا من ماء وجهه، وتحديدًا في صفوف معسكر اليمين الإسرائيليّ، الّذي يُسائله عن تطبيق "الضمّ" المؤجّل من 01 تمّوز (يوليو) الماضي إلى أجل غير مسمّى، لكنّه الآن يتلقّى نقدًا أقسى من قبل هذا المعسكر رغم كلّ التبريرات، بادّعاء أنّه فرّط بالسيادة الإسرائيليّة على "يهودا والسامرة". كما أنّ نتنياهو يرغب من هذا الترويج التقاط أنفاسه في التعامل مع أزمته الائتلافيّة المتعلّقة بالموازنة مع "كاحول لافان"، وكذلك ترميم شعبيّته بسبب تهم الفساد الموجّهة إليه، وآخر فصولها مقترح قانون لبيد بمَنْع عضو كنيست متّهم بقضايا فساد من تشكيل الحكومة، وأيضًا بسبب سوء إدارة حكومته لأزمة كورونا (Covid-19)، مقارنةً مع دول أخرى تجاوزت الأزمة نسبيًّا منذ أسابيع؛ ومن أجل هذه الرُّزْمَة كاملةً، لم يكن أمام نتنياهو سوى حلفائه العالميّين والإقليميّين، وستكون "اللهّايِة/ المصّاصَة" زهيدةً جدًّا: "تأجيل الضمّ"، المؤجّل تطبيقه أصلًا إلى أجل غير مسمّى، والّذي باتت تتضارب الأنباء حول ألفاظ "تأجيله"، "تجميده"، "وقفه"، في سياق ترسيم التحالف مع الإمارات!

والضمّ في الحقيقة منجز منذ زمن مادّيًّا، على الأرض، وبقوّة السلاح، تمامًا مثل مبنى "السلام" الإماراتيّ الإسرائيليّ المنجز أصلًا، لكنّ كثرًا من وُكَلاء/ وُسَطاء السياسة والثقافة والإعلام المعنيّين بالأمر، من فلسطينيّين وعرب، لا يريدون الإقرار بذلك، ملتزمين التزام الطالب المؤدّب في المدرسة الداخليّة بتعليمات المعلّم العَبوس القلِق، المجتمع الدوليّ وأعرافه، علمًا أنّ تحوّل خطاب "تجميد الاستيطان" إلى "تجميد الضمّ" تمّ أيضًا بوضوح شديد على مرأى ومسمع الجميع!

أمّا الإمارات، فما يعنيها دولةً لا يؤرّق شيوخها جرد حساب انتخابيّ من قبل مواطنين؛ فقد يكون "الزعامة" السياسيّة في المنطقة العربيّة، وترميم صورتها المعنويّة بعد الضربة الموجعة الّتي تكبّدتها في ليبيا على إثر عمليّة "هجوم وسط ليبيا" (2020)، الّتي نفّذتها "حكومة الوفاق" بدعم تركيّ، ضدّ "الجيش الوطنيّ الليبيّ" بقيادة خليفة حفتر، وهو المدعوم من قبل حلف أنظمة السعوديّة والإمارات ومصر وفرنسا. كما أنّه يعنيها السؤال العسكريّ الإيرانيّ، وتحديدًا في "خليج فارس"، وأيضًا سؤال نفوذها في اليمن، منذ مشاركتها العسكريّة في ما يُسمّى "التحالف العربيّ - عمليّة عاصفة الحزم" (2015) بقيادة السعوديّة، وبدعم أمريكيّ مُعْلَن، وذلك ضدّ حلف الحوثيّين والقوّات المؤيّدة للرئيس الأسبق المخلوع علي عبد الله صالح.

هذه المنافع، للثلاثيّ الأميركيّ – الإسرائيليّ – الإماراتيّ، ذي العلاقة المباشرة مع إعلان أوّل أمس الترويجيّ، تحت لفظ "سلام"، تُمَثِّل المسألة الصغرى، وقد يبدو أنّ موضوعها الأساس فلسطين وشبعها، لكنّ ثمّة مسألة كبرى تجعل ما هو فلسطينيّ جزءًا بسيطًا من كُلٍّ إقليميّ وعالميّ.

المسألة الكبرى

المسألة بأبعادها الكبرى لا فلسطينيّ في عمقها، ولا سياسة، بل صراعات جيوسياسيّة على جبهات عدّة، تُمَظْهِرُها الأنظمة وقادتها للشعوب على شكل مواقف هويّاتيّة ومبدئيّة وسياسيّة، مثل "القدس" و"التطبيع" و"آيا صوفيا" و"تجميد/ تأجيل الضمّ" و"السيادة الوطنيّة" و"نزاع اللّاجئين التركيّ اليونانيّ" و"الانقلاب في مصر" و"الحكومة الشرعيّة في ليبيا" و"وحدة اليمن" و"الشرعيّة الدوليّة"، ودون ذلك من مقولات طنّانة رنّانة تخفي تحت بلاطاتها قبوًا عملاقًا من المصالح الاقتصاديّة والعسكريّة، المتضاربة والمتقاطعة، ولا سياسة أيضًا في هذا القبو سوى إدارة الموارد.

أبرز هذه الصراعات الجيوسياسيّة المتصاعدة أخيرًا، ما يصفه الإعلام بـ "حرب شرق المتوسّط"، حيث يختبئ في باطن البحر، كنز يُقَدَّر بـ 122 تريليون قدم مكعّبة من الغاز الطبيعيّ، وغير ذلك من ثروات نفطيّة، وهذا فقط المعلن رسميًّا عنه، ما يجعل دول شرق حوض المتوسّط، أي كلًّا من تركيا، ولبنان، وإسرائيل المُسْتَعْمِرَة للمكان الفلسطينيّ، وقبرص، واليونان، ومصر، وليبيا، وإيطاليا، دولًا معنيّةً مباشرةً بالأمر، ولا سيّما مع النزوع التدريجيّ في سياسات الطاقة عالميًّا من النفط نحو الغاز بديلًا، وتحديدًا في ظلّ فوضى صناعة النفط العالميّة وأزماتها غير المتوقّفة، وآخرها أزمة النفط الصخريّ في الولايات المتّحدة بسبب جائحة كورونا. ومن مؤشّرات النزوع نحو الغاز مثلًا، سياسات التمدّد القطريّة المتعلّقة بصناعة الغاز المُسال، وهي تُعَدّ مالكةً لثالث أكبر احتياط غاز طبيعيّ في العالم (15%)، بعد روسيا وإيران، حيث وقّعت أخيرًا اتّفاقيّةً مع شركات في كوريا الجنوبيّة، بقيمة 19.2 مليار دولار، لبناء 100 ناقلة غاز، لها أن تنتشر كمخازن ضخمة حول العالم، ما سيسمح باستمرارها في أن تكون لاعبًا مركزيًّا غي السيطرة على هذه السوق والتحكّم بها عالميًّا لأمد طويل، وباستقلاليّة نسبيّة، وتحديدًا في ظلّ العقوبات والتقييدات الغربيّة عمومًا، والأميركيّة خصوصًا، المفروضة على إيران وروسيا. وهذا بالتأكيد لا يرضي الخصوم في مجلس التعاون الخليجيّ.

هنا تلتقي مصالح روسيا وتركيا وإيران وقطر، كون كنز الأبيض المتوسّط سيهدّد صناعة الغاز في هذه الدول إن خرج تمامًا عن سيطرتها، بالإضافة إلى أنّ تركيا بحاجة ماسّة إلى مصدر طاقة؛ فهي دولة غير منتجة لها، وتستورد ما يقارب 95% من احتياجاتها منها، ما يكلّفها نحو 50 مليار دولار سنويًّا، ما بات يثقل كاهلها أمام أعباء الدولة الاقتصاديّة الأخرى.

وهنا يصبح لتركيا وزن جيوسياسيّ ضخم فوق ما كان لها سابقًا، يجعل التقارب حدّ التحالف مع نظامها الحاليّ بقيادة رجب طيّب أردوغان أمرًا مُلِحًّا؛ ولا سيّما بعد توقيع الاتّفاق الثلاثيّ الإسرائيليّ – اليونانيّ - القبرصيّ، في كانون الثاني (يناير) 2020، القاضي بإنشاء خطّ أنابيب غاز "إيست ميد"، بطول 1900 كيلومترًا، لنقل الغاز من المياه الإقليميّة المستَعْمَرَة إسرائيليًّا، مرورًا بقبرص، فكريت اليونانيّة، فإيطاليا، نحو مختلف أنحاء أوروبّا، ما يعني تهديدًا اقتصاديًّا جدّيًّا لكلّ من ثلاثيّ الغاز الأكبر في العالم: روسيا، إيران، قطر. وقد جاء هذا الاتّفاق بعد شهرين من توقيع تركيا تفاهمين مع حكومة "الوفاق الليبيّة"، ممثّلةً بفايز السرّاج، في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، لترسيم الحدود المائيّة بين الدولتين، يتيح لتركيا حرّيّة ملاحة وتنقيب واسعة عن الغاز والنفط في المتوسّط، وتحديدًا شرق – جنوب قبرص، قريبًا من الساحلين اللبنانيّ والسوريّ.

هذا جاء بالتزامن مع إقرار الكونغرس الأميركيّ، في منتصف كانون الأوّل (ديسمبر) 2019، قانونًا، يفرض عقوبات على الشركات والأفراد الّذين يتعاملون مع خطّ أنابيب الغاز الروسيّ "نورد ستريم 2"، الّذي من المزمع أن ينقل الغاز مباشرةً إلى ألمانيا، مع مضاعفة حجم الضخّ، متجاوزًا مسألة المرور من أراضي أوكرانيا وبولندا، الحليفتين للولايات المتّحدة؛ وقد أُنْجِزَ 80% من هذا الخطّ حتّى الآن، بتأييد من الاتّحاد الأوروبيّ، وترى فيه الولايات المتّحدة توسّعًا نفوذيًّا، اقتصاديًّا وأمنيًّا، لروسيا في أوروبّا.

ومن فصول "حرب المتوسّط"، اتّفاقيّة ترسيم الحدود بين اليونان ومصر الموقّعة بداية آب (أغسطس) الحاليّ، بعد 12 جولة فنّيّة لتحديد المنطقة الاقتصاديّة بين الدولتين، وقد فضّل نظام السيسي هذه الاتّفاقيّة على مقترح ترسيم الحدود المائيّة التركيّ – الليبيّ، رغم أنّه يضمن لمصر 7 آلاف كيلومترًا مربّعًا أكثر من الاتّفاقيّة الموقّعة مع اليونان.

يردّني هذا كلّه مجدّدًا إلى بيروت، حيث ما زالت أسئلة كثيرة تكتنف انفجار مينائها، تمامًا قبالة ما يُتَوَقَّع بأنّه مخزون ضخم من الغاز الطبيعيّ والنفط، وملامح الحضور الدوليّ الكريم هناك بُعيد الانفجار بذريعة "المساعدات الإنسانيّة"، وتحديدًا من قبل الرئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، الّذي طار إلى لبنان بعد قرابة 48 ساعة لترتيب أوراق دولته ذات التاريخ الاستعماريّ هناك، لتَتْبَعَه بعد ذلك وزيرة الجيوش الفرنسيّة فلورنس بالي، وهذا كلّه في سياق تصاعد الصراع بين تركيا وفرنسا في ليبيا والمتوسّط، تخلّلته مناوشات عسكريّة بينهما خلال الشهور الماضية؛ وقد تحرّكت فرنسا عسكريًّا خلال الأيّام الماضية، باتّجاه جزيرة كريت وبيروت، في ما يبدو أنّه انتشار عسكريّ للحدّ من التوسّع التركيّ، ولا سيّما أنّ فرنسا تخشى على مصالحها في ليبيا، وتحديدًا مصالح شركات الطاقة التابعة لها، وعلى رأسها عملاق التنقيب الفرنسيّ "توتال".

لهذه الأسباب، وغيرها الكثير ممّا عُرِفَ وخفي؛ فإنّ أردوغان سيغضب كلّ هذا الغضب كزعيم دولة، إلى درجة أن يهدّد بقطع العلاقات مع الإمارات، فالمسألة ليست "القدس وخيانة فلسطين"؛ هذا تمظهر قيميّ ضروريّ لأغراض خلق المعاني السياسيّة وصناعة الرأي العام، ومنح القرارات السياسيّة، وتحديدًا التنفيذيّة، شرعنةً ما عبر ما هو مبدئيّ/ قيميّ يمسّ الشارع. لذلك عندما يسأل أحدهم عن علاقة أنقرة بتل أبيب، ولماذا لا تُقْطَع العلاقات معها، يتجاهل حجم التهديد الاقتصاديّ والعسكريّ المهول الّذي تتسّببه الإمارات لتركيا عبر خطوات من هذا النوع، حتّى يبلغ الأمر لدى أنقرة هذا المبلغ؛ الأمر ببساطة، مصالح الدولة التركيّة.

مسألتنا بين المسألتين

ليس الشعب الفلسطينيّ "شعب الجبّارين"، على الرغم من الجمال البلاغيّ المُنْبَعِث من هذا التعبير وإرثه المعنويّ، بل هو شعب مسحوق مُسْتَضْعَف محاصَر مشتّت، محروم من حقّه في تقرير مصيره فوق أرضه، ومن تواصل بناته وأبنائه على نحو طبيعيّ، ومن تمتّعهم بحقوقهم الأساسيّة في العمل والتعليم والصحّة والتملّك والتنقّل ودون ذلك؛ وعلى الرغم من هذا، فإنّ التيّار المركزيّ في هذا الشعب، صامد ويناضل دون انقطاع، ودون راحة، منذ الاستعمار الإنجليزيّ حتّى اليوم.

ليس ترسيم العلاقات الإماراتيّة – الإسرائيليّة تحت لفظ "سلام"، أمرًا جديدًا يواجهه الفلسطينيّون؛ فمسار التطبيع الرسميّ مع الحركة الصهيونيّة ومشروعها السياسيّ الدولاتيّ (إسرائيل)، إن كان عالميًّا، أو إسلاميًّا، أو عربيًّا، بل حتّى داخليًّا فلسطينيًّا، يمتدّ منذ ما قبل النكبة ويستمرّ حتّى اليوم. هذا لم يوقف عجلة النضال نحو الحقوق المدنيّة والقوميّة يومًا، وبمختلف الأدوات والأشكال وحقول العمل، على الرغم من الأثمان الباهظة.

إنّ إسرائيل بصفتها نظام فصل عنصريّ استعماريّ استيطانيّ، متطوّر تقنيًّا، أخطبوطيّ النفوذ، يعرف كيف يدغدغ شرائح منّا بجزرة الفتات ويعمل على تفكيك هويّتنا وشرذمتنا ليسود، إسرائيل ليست أمرًا قائمًا بذاته، بل هي خلاصة تقاطع مصالح أنظمة وجهات وأفراد، تشمل أيضًا فلسطينيّين وعربًا ومسلمين، ويجب ألّا نبقى قابعين في دائرة المستغرب الساذج من هذا، وكأنّنا لم نعش "كامب دايفيد"، أو "وادي عربة"، أو "أوسلو"، وغيرها الكثير.

يملك الفلسطينيّون العديد من نقاط القوّة لو أحكموا التبصّر، صناعةً لعقد اجتماعيّ- سياسيّ جديد، من قِبَلِ جيل جديد، يبحث عن الحلول جماعيًّا، لا فرديًّا وشلليًّا ونخبويًّا ونجوميًّا وفئويًّا؛ إذ أكبر الرابحين فيهم خاسر في لعبة الإمبراطوريّات وصراعاتها، وعلى ذلك أن يكون على قاعدة قيميّة مرجعيّتها حقوق الإنسان والأفراد، وعبر أنساق عمل مُتْقَنَة مستقلّة قدر الإمكان عن أيّ مرجعيّات مشترطة، لا مكان فيها للنرجسيّات وصناعة "الزعامات السياسيّة" التقليديّة. أنساق عمل تبحث عن تحالفات عالميّة على مستوى مجتمعات العالم والشعوب، وضمن مشروع سياسيّ وطنيّ واحد، يجيب عن احتياجات الفلسطينيّين اليوميّة والقوميّة، يشملهم جميعًا في مختلف أماكن وجودهم: القدس، قطاع غزّة، أراضي 48، الضفّة الغربيّة، الشتات.

التعليقات