07/10/2020 - 19:41

المستشرقون والمستغربون...

من المفيد جدا لأولئك الذين تغطي أعينهم عصابة، المفتونين بالغرب وعاداته وتقاليده وسياساته، أن يقرأوا كتاب "الاستشراق" للمفكر الكبير الراحل إدوارد سعيد، فقد يكتشفون أنهم مخدوعون، وبأنهم يفكّرون كما يريد لهم الآخرون أن يفكروا وليس بعقولهم هم ولا بحقيقتهم العميقة

المستشرقون والمستغربون...

إحدى اللوحات الاستشراقية (للرسام جان جيوم جيروم)

تعج صفحات التواصل الاجتماعي بالمستشرقين وبالمستغربين.

المستشرقون، هم أولئك الذين ينظرون إلى الشرق بنظرة استشراقية نمطية، حول عادات وعقول وممارسات الشرقيين، وبالأخص العرب ومنطقة الشرق الأوسط، وتشمل بلاد الفرس والترك والكرد وغيرهم، والمستغربون هم أولئك الذين يحملون صورة نمطية مثالية عن الغرب لدرجة مشوّهة وبعيدة عن الواقع وليست حقيقية.

في كتاب "الاستشراق" للمفكر إدوارد سعيد، يتحدث عن أفكار نمطية بناها الغربيون الأوروبيون عن العرب وبلاد المسلمين وخصوصًا منطقة الشرق الأوسط، هذه الصورة النمطية نادرًا ما يأتي مفكر غربي ويخلخلها أو ينقضها.

المؤسف هو أن العرب باتوا أكثر حماسًا من المستشرقين أنفسهم لتثبيت الأفكار النمطية عنهم، وصاروا يؤلفون الأشرطة والتسجيلات عن تفاهة العرب وتخلّفهم مقارنة بالغرب، مثلا يتمسّكون بصورة وهمية عن الرجل العربي العنيف الفاقد للرومانسية، والمرأة العربية الجاهلة، التي تسعى لاسترضاء زوجها بكل ثمن وعلى حساب كرامتها، أو العكس، فهي تفكر في دسّ السّموم لقتله أو لتحويل حياته إلى جحيم، وهذا ينطبق على الصورة النمطية للكنّة والحماة وزوجة الأب (الخالة) وهي صور عفا عليها الزمن.

إضافة إلى هذا، يعيش المستغربون العرب في أوهام بنوها حول العلاقات الرومانسية الغربية، يتمنّون أن يعيشوها!

من هذه الأوهام أن الرجل العربي خائن وَشَرِهْ لا يشبع من الجنس، بينما الغربي عاقل وراضٍ، فهو مكتفٍ بزوجة أو عشيقة واحدة، لأن علاقته مبنية على الحب والاحترام وحرّية القرار، بينما العرب خوّانون وشرهون يريدون الزواج بالسّر من اثنتين وثلاث وأربع.

هذه أوهام يدحضها الواقع، فالرجل الغربي والمرأة الغربية يمارسان الخيانة الزوجية أضعافًا مضاعفة من الشرقيين العرب بشكل خاص، وبالذات بسبب مستوى الحياة المرتفع وحياة الرفاهية والقيم المادية والسعي إلى اللذة المسيطرة والنزعة الاستهلاكية، فالخيانة الزوجية تكاد تكون من البديهيات في المجتمع الغربي، وهذا بالذات سبب عدم الالتفات إلى هذه الظاهرة بجدّية، أو بقلق كبير.

استطلاع رأي يتحدث عن أن 43% من الألمانيات يخنّ أزواجهن، مقابل 37% من الفرنسيات و33% من الإسبانيات، و49% من الرجال في هذه الدول يخونون زوجاتهم، وهذه النسبة ترتفع أكثر لتقترب من 69% في النرويج. وهذا بحسب معهد استطلاع فرنسي أجراه على 5000 مشارك، وباعتقادي أن النسبة أعلى بكثير، وهذا ما تظهره استطلاعات أخرى.

أمّا الرجل العربي المستغرب الذي يتباهى بصور السيدة الأوروبية ولباسها وجسدها المهندس بدقة، والذي يتمنى مثلها، ويعرب عن زهده في المرأة العربية! فهل يتقبّل الزواج من امرأة عربية من بنات بلاده ضاجعت قبله عددًا لا بأس به من زملاء الثانوية ثم زملاء الجامعة ثم عددًا من زملاء العمل ثم عددًا من مسوّقي مسابقات التسويق بأشكالها الكثيرة، ثم عددا من لقاءات الصدفة، لتصله في نهاية المطاف فنانة صاحبة تجربة غنية جدًا في فنون الغرام؟

كذلك فإن السيدة الأوروبية ليست بالرومانسية التي تصوّرها الأشرطة المتداولة ولا بالجمال الذي يصوّر ساقيها ومؤخرتها ولباسها المغري، أكثر مما يصوّر معرفتها وقدراتها الفكرية وإبداعها، وحتى جمال شكلها الحقيقي، أو ما نعتقده جميلا!

عندما يتبرّع رجل غربي بقسم من ثروته لمشروع ما، نرى التعقيبات الكثيرة المشيدة بكرمه وشهامته وأخلاقه، وعندما يتبرع ثري عربي من ماله تكون الردود بأنه لو كان صادقًا لما أعلن عن نفسه، وأن تبرّعه هذا فيه نوع من النفاق والرياء وحب الظهور؟

أما الأوروبي صاحب شركة إنتاج الملابس أو الممثل أو لاعب كرة القدم المتبرع فهو ملاك، لا يريد تسويق نفسه ولا الشهرة ولا يطمح بأرباح مضاعفة كمردود لتبرعه، ولا يسعى إلا لمرضاة ضميره!

لدينا الكثير مما يجب إصلاحه، وهناك الكثير مما يجب أن نتعلمه من الغربيين، وبالأساس قيم الديمقراطية واحترام الاختلاف الفكري والتعايش مع أبناء العقائد والأفكار المختلفة عما نؤمن به، ولكن عندما يتحوّل الغرب إلى العداء السافر للأجانب وللمسلمين بشكل خاص، بالصورة التي أظهرها ماكرون رئيس فرنسا بوصف العنف الفردي بأنه إرهاب إسلامي، وبالصورة التي يطلقها اليمين الفاشي المتطرف، وأنظمة باتت تعتمد على التحريض على المختلف لضمان شعبية رخيصة!

وعندما تنحاز أوروبا إلى جانب دولة الاحتلال، وتعاملها بلطف وأكف من حرير في تجاوزاتها وجرائمها وترسانة أسلحتها النووية، بينما هي مستعدة إلى محاصرة أي شعب عربي كما العراق وقتل مئات الآلاف منه، أو محاصرة إيران بذريعة النووي ودعم الإرهاب، فتظهر معاييرها المزدوجة، وبأن الحرية وقيم العدالة التي تدعيها شكلية وكاذبة، وهي مخصصة لأناس دون الآخرين.

من المفيد جدا لأولئك الذين تغطي أعينهم عصابة، المفتونين بالغرب وعاداته وتقاليده وسياساته، أن يقرأوا كتاب "الاستشراق" للمفكر الكبير الراحل إدوارد سعيد، فقد يكتشفون أنهم مخدوعون، وبأنهم يفكّرون كما يريد لهم الآخرون أن يفكروا وليس بعقولهم هم ولا بحقيقتهم العميقة.

التعليقات