28/12/2020 - 21:26

القائمة المشتركة؛ موجز لأزمة في فترة وجيزة

لا يمكن إصلاح المُشتركة بمنحها فرصة أخرى، وعودتها بالشكل الذي هي عليه يعني تذكرة منها لنا من أجل مقاطعتها! فما أحوجنا في ظروفنا لقيادة همّها الأجيال القادمة لا الانتخابات المقبلة، على الأقل إن لم تحل مشاكلنا، تكون قيادة تليق بها.

القائمة المشتركة؛ موجز لأزمة في فترة وجيزة

ما هي الأزمة؟ إنها تنامي الفوضى وغياب اليقين ضمن نظام ما، يقول إدغار موران في كتابه "في مفهوم الأزمة"...

حلّت الكنيست نفسها، والذهاب لانتخابات أخرى، لم يعد خبرا، بقدر ما بات مبتدأً، فالانتخابات المقبلة هي الرابعة في أقل من عامين، والناس لا تملك ثقة تمنحها كل أربعين يوما، إلا إذا كانت مجانية، وفي الحقيقة هي كذلك، فماذا عن المُشتركة وأزمة ثقة جمهورها فيها؟

حظيت القائمة المُشتركة في الانتخابات الأخيرة بثقة جماهيرية عربية، ما لم تحظ به أي قائمة عربية خاضت انتخابات الكنيست من قبل، إذ حازت على مجموع 581.507 من الأصوات، أسفرت عن 15 نائبا، أوصلتهم جماهيرهم لمقاعد البرلمان بثياب العيد.

ليس من داعٍ لشرح الأسباب التي جعلت الجماهير العربية في الداخل تمنح تلك الثقة للمُشتركة في آخر انتخابات، لأننا نعرفها، خصوصا في ما يتعلق بخطاب التعبئة الذي جرى في حينه، والذي يوقعنا منطق تفسيره في فخ تبريره، غير أن تلك الثقة المجانية وبذلك الحجم، لا نظن أنها ستُمنح للمُشتركة مجددا في الانتخابات المقبلة، وهذا ما يعرفه نواب مركباتها جيدا. ليس بسبب ما لم تنجزه المشتركة، إنما لما مثلته المشتركة وفي فترة وجيزة، من إخفاق في أن تكون بقدر تلك الثقة الممنوحة لها أولا، وثانيا؛ لأنها لم تكن كقيادة بمستوى اللحظة التي تتطلبها المرحلة، من تاريخ العرب في الداخل.

أما عن إنجازاتها، فإن خطاب "الإنجاز" بذاته كان واحدا من إشكالات أزمة المشتركة، فضلا عن شكل "السياسي" الذي بات يُنتجه خطاب "الإنجازات" على ألسنة بعض نوابها، الذين جعلوا من خطوط عرفناها حمراء، مجرد خطوط في الرمال.

ملامح الاستياء

إن الاستياء الشعبي القائم من القائمة المُشتركة، متباين ودوافعه مختلفة، لطالما مثّلت المُشتركة بمركباتها الأربعة، وداعمين من خارجها، التركيب المُعقد للأقلية العربية في الداخل الفلسطيني.

فالمستاءون، منهم من بيّنت له المشتركة، أنها لم تتقن لعبة التأثير في سياسة صنع القرار في إسرائيل، ومنهم من استهجن مواقف بعض نوابها، الداعمة لحقوق وحريات اجتماعية "المثليين مثلا"، ومنهم من يريد للمُشتركة البقاء، بينما لا يريد لوجوه بعضها أن تبقى. والأهم في ذلك، الاستياء الذي دوافعه وطنية، بعد انزلاق المُشتركة بكل خِفّتها وبكامل مركباتها، إلى براثن الأسرلة، منذ التوصية على جنرال "ألوان العَلم"، وصولا إلى مقايضة بعض نوابها لبيبي اليمين.

إن دوافع هذا الاستياء، ليست مبررة كلها بالطبع، غير أن المُشتركة ذاتها من يتحمل مسؤولية ذلك، لأنها غررت بجمهورها في أكثر من حملة انتخابية على أننا كعرب "يمكنّا الرقص في عُرسٍ غير مدعوّين إليه أصلا"، مما حدا بها، وخصوصا في الكنيست الأخيرة، الذهاب إلى حد "رمي الرضيع مع ماء الحمّام"، أي فعل كل يمكن فعله لإثبات أننا مؤثرون، بينما أثناء ذلك، كانت تتخلى المُشتركة عن حقوق سياسية ومسؤوليات وطنية، من أجل إحقاق حقوق مدنية، وقضايا مطلبية لم تنجزها في الأخير.

سياسة خنق "السياسي"

إن قضايا حارقة، في مرحلة فارقة من تاريخنا، مثل الجريمة، ومصادرة الأرض وهدم البيوت، وغيرها العشرات مما هو متصل بالمسكن والصحة والتعليم، تحتاج إلى تسييس وفعل سياسي ممتد على مساحات أوسع مما تتيحه قبة البرلمان، غير أن الذي جرى في السنوات الأخيرة، هو اختزال للسياسة ضمن المسار المؤدي للكنيست فقط. بدأ ذلك قبل المشتركة، وجرى تكثيفه في ظلها، إلى أن غدا "السياسي" غير ممكن، إلا على أرضية الدولة العبرية وبشروطها.

تخيّل أنه لولا انتهاء دورة رئاسة لجنة المتابعة قبل أيام، ما كنّا لنتذكر أن لدينا لجنة متابعة، والتي يُفترض أنها الجسم السياسي التمثيلي الأعلى لدينا في البلاد. بكل صمت بارد جرت تزكية رئيسها الحالي لدورة رئاسية ثانية، مثل أي تمديد يجري لرئيس أي جمعية خيّرية -بصرف النظر عن أهلية رئيس لجنة المتابعة الحالي في متابعة رئاستها-، وذلك بلا أي قيد أو شرط أو مراجعة حتى، لأن "السياسي" لم يعد ممكنا إلا ضمن سياسة الوصول للكنيست.

حتى "السياسي" في ظل سياسة المشتركة في الكنيست، فهو نزوع نحو "التوسط" أكثر منه نحو "التمثيل"، فالتكثيف لناحية الخطاب الحقوقي والمطلبي على أهميته وأولويته بالنسبة للعرب، يجري نزع التسييس عنه في اللحظة التي يتصرف فيها بعض النواب كـ"وسطاء" بين جمهورهم والدولة لا كـ"ممثلين" عنهم، إلى أن صارت السياسة برنامجا "لِما يطلبه الناخبون".

يتسابق رئيسي أكبر مركبين في المشتركة على نجومية مبتذلة، بعد أن لم تعد هِمّة أحمد الطيبي تُعيلهُ على مجاراة رعونة عودة ومنصور، بينما التجمع متلعثم، يسير على رؤوس أصابعه، لا قادر ولا معني حتى باسترداد صوته، إلى أن غدا مشكولا على خاصرة أحد أكبر مركبات المشتركة.

خطاب "التأثير" كمقدمة للأسرلة

أرادت المشتركة دخول لُعبة التأثير في خارطة السياسة الإسرائيلية من داخلها، -"الموضوع مش لعبة بالمناسبة"-، بدفع وبدعم جماهيري عبّأ له بعض نوابها أثناء الحملة الانتخابية، مما رفع سقف توقعات جمهورها بإمكانية التأثير والتغيير، فكانت التوصية على غانتس مرتين، في الثانية جرى شد التجمع الوطني إلى بيت الطاعة وإلزامه فيها، تحت طائلة الالتزام بقرار الأغلبية، بعد أن رفض في المرة الأولى. في المحصلة آثر الموصى عليه التحالف مع من أرادت المشتركة التخلص منه بتوصيتها.

بالتالي، لِمَ كل هذا الاستهجان من جنوح الحركة الإسلامية الجنوبية نحو الليكود؟ ما كان لمنصور عباس تحوله من سياسة "النزول تحت الأرض" إلى مجاهرته علنا بمقايضة حكومة نتنياهو، لولا أن كانت التوصية على غانتس مقدمة فتحت البوابة لكل ذلك، "فإذا كنّا قد صرنا من المشيّعين، فلـِمَ لا يكون البكاء عند رأس الميت"؟ هذا ما شجع الحركة الإسلامية بكامل طقم مركّبها من لِـحى وجلابيب، إلى حد تغيّبهم عن الجلسة التي أسفرت عن حل الكنيست، في محاولة منهم، لإنقاذ حكم من جرى تعبئة العرب على التصويت من أجل التخلص منه.

ما لم تلتقطه القائمة المُشتركة هو قوتها التي منحها إياها الالتفاف الجماهيري حولها في الانتخابات الأخيرة، ومن هنا قولنا، إن المشتركة لم تكن بمستوى اللحظة التي تتطلبها المرحلة. كان الأوّلى بها الاستثمار بهذه الثقة الجماهيرية، كقوة يمكن تفعيلها سياسيا واجتماعيا للتأثير من خارج اشتراطات الخارطة السياسية الإسرائيلية، لا أن يتم الزج بها إلى داخلها في حضن غانتس، والذي قد لا يجتاز نسبة الحسم في الانتخابات المُقبلة.

ليست الأسرلة بالضرورة تعني تخلينا كعرب عن ثقافتنا، إنما هي بتأطير ثقافتنا العربية ضمن إطار التنوع الثقافي لإسرائيل بأفقها الصهيوني. وهذا ما أرست المشتركة قواعده سياسيا، تحت سذاجة شعار "التأثير".

ماذا بعد؟

إن كل هذا، لن يمنع عودة، من العودة ليُطل بنفسه على جمهوره مجددا، بلغة أقرب للتنمية البشرية منها إلى السياسية الرصينة، والتي لم تعد تصلحُ حتى لإقناع فتاة بالعدول عن فسخ خطبتها! في محاولة منه ومن رفاقه النواب، لاحتواء ولملمة ما خلّفوه من عَطبٍ وفوضى وقصور.

لكن، ما الذي ستعود به القائمة المشتركة على الناس في حملتها للانتخابات المقبلة؟ -هذا إذا ظلت المُشتركة قائمة ولم يجرِ تفكيكها- فها هو نتنياهو، ربما قاب قوسين أو أدنى في طريقه لمغادرة المشهد، وقد ينتظره القضاء من أجل حساب، وسواء ذهب وكتابه بيمينه أو كتابه بيساره، فالثابت هو أن الإطاحة بنتنياهو بكل يمينيته غير ممكنة، إلا على يد من يقف على يمينه، ولكن ما لنا ولكل هذا القاموس؟ فـ"اليسار واليمين" مشكلة أصحاب الدولة، ونحن لسنا كذلك، بل مُشكلتنا هي الدولة ذاتها، بهويتها وماهيتها معا. هذا هو الواقع الذي أثبتته وقائع المشتركة نفسها، والأجدى بنا الانشغال بهمومنا نحن لا هم.

لا يمكن إصلاح المُشتركة بمنحها فرصة أخرى، وعودتها بالشكل الذي هي عليه يعني تذكرة منها لنا من أجل مقاطعتها! فما أحوجنا في ظروفنا لقيادة همّها الأجيال القادمة لا الانتخابات المقبلة، على الأقل إن لم تحل مشاكلنا، تكون قيادة تليق بها.

التعليقات