05/01/2021 - 09:33

لماذا غيّرت "حماس" موقفها من الانتخابات؟

تضمّنت الرسالة التي وجهها إسماعيل هنية إلى الرئيس محمود عباس موافقة حركة "حماس" على عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بالتوالي والترابط، خلال ستة أشهر من إصدار مرسوم أو مراسيم الانتخابات. فلماذا غيّرت "حماس" فجأة موقفها من الانتخابات المتزامنة إلى

لماذا غيّرت

(أ ب أ)

تضمّنت الرسالة التي وجهها إسماعيل هنية إلى الرئيس محمود عباس موافقة حركة "حماس" على عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بالتوالي والترابط، خلال ستة أشهر من إصدار مرسوم أو مراسيم الانتخابات. فلماذا غيّرت "حماس" فجأة موقفها من الانتخابات المتزامنة إلى المتتالية، وهل يجعل هذا التغيير طريق إجراء الانتخابات ممهدًا؟

رواية "حماس" القائلة بأن تغيير موقفها يعود إلى حصولها على ضمانات من دول عربية وأجنبية صديقة بالتزام الرئيس بإجراء الانتخابات خلال ستة أشهر غير ملائمة، إذ تشير إلى وضع الشؤون الفلسطينية بأيدي الآخرين، ولا يمكن أخذها على محمل الجد، فكيف تضمن هذه الدول إجراء انتخابات المجلس الوطني للفلسطينيين في الخارج وهي لا تريدها، وهذا الأمر ليس بيدها، بل بأيدي الفلسطينيين أولًا، وأيدي البلدان التي يقيم فيها الفلسطينيون في اللجوء والشتات ثانيًا.

فعلى سبيل المثال، إن إجراء الانتخابات للفلسطينيين في الأردن - الذين يشكلون أكثر من ثلث الفلسطينيين - بحاجة إلى إعداد سجل للناخبين، وإلى موافقة الأردن وموافقة فلسطينيي الأردن أنفسهم، فليس من السهل أبدًا أن يشارك فلسطيني يحمل الجنسية الأردنية في انتخابات ستسبب له إشكالات على خلفية ما تثيره من ازدواج في الولاء في وقت القضية الفلسطينية أبعد ما تكون عن الحل العادل المطلق أو النسبي.

يمكن لو هناك إرادة وجدية لدى القيادة والقوى الفلسطينية لجرى البحث مع الأردن في مسألة مشاركة الفلسطينيين في الأردن المقيمين ممن لا يحملون الجنسية الأردنية، الذين يقدر عددهم بمليون فلسطيني، وهذا أمر صعب حدوثه أيضًا، ولكن يستحق اختباره على أرض الواقع.

الحقيقة أن لا نية لإجراء الانتخابات للمجلس الوطني في الخارج وهذا أمر معروف ومسكوت عنه، وإن ما يمكن أن يجري في أحسن الأحوال فيما يتعلق بتمثيل الفلسطينيين في الخارج التوافق الوطني على أساس "نظام المحاصصة".

ما سبق يعني أن تغيير موقف "حماس" لا يعود إلى الضمانات التي حصلت عليها، بل هذا كان سلمًا للتراجع لا أكثر، لذا لنجرب البحث عن تفسير آخر.

تدرك "حماس" مثل "فتح" والآخرين مغزى سقوط دونالد ترامب ونجاح جو بايدن، وهي تسعى لتأهيل نفسها على طريقة تناسبها بدعم من حلفائها، وخصوصًا قطر وتركيا والإخوان المسلمين، للاستعداد لتوليه سدة البيت الأبيض، أسوة بما فعل الرئيس والسلطة في رام الله حين أجرت سلسلة من التغييرات بدأت بإعادة العلاقات والتنسيق الأمني مع إسرائيل، ومرورًا بتغيير مرجعية وأسس التعامل مع الأسرى، ولم تنته بتبني موقف معتدل جدًا من استئناف العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة لا يشمل دعوتها التراجع عن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فضلًا عن القبول باستئناف المفاوضات من دون شروط كما صرح رياض المالكي وأكثر من "مسؤول فلسطيني رفيع" لمصادر إعلامية إسرائيلية وأجنبية، وذلك لضرب الحديد وهو ساخن، وإقناع سيد البيت الأبيض الجديد بالاهتمام بالقضية الفلسطينية بدلًا من وضعها في آخر سلم الأولويات، وكأنّ الاهتمام وحده كافيًا، وليس ضمن أي سياق ولتحقيق أية أهداف.

إذن، "حماس" هي الأخرى تراهن على التغيير الذي حصل في الولايات المتحدة، بدليل من عدم إصرارها على إلغاء الالتزامات المترتبة على اتفاق أوسلو كأساس للوحدة، وتستعد لتولي بايدن لدرء مخاطره وجلب منافعه، فهو يتبنى "حل الدولتين"، ويدعم إجراء الانتخابات لتجديد شرعية السلطة، وقد يدعم دمج "حماس" في السلطة أسوة بما فعله رئيسه السابق باراك أوباما حين امتطى صهوة حصان الربيع العربي بهدف تغيير الأحصنة العربية الأميركية الهرمة بأحصنة جديدة تحظى بدعم شعوبها؛ حتى لا تستمر كراهية الشعوب العربية والإسلامية للولايات المتحدة لأنها تدعم حكامًا فاسدين ومستبدين انتهت مدة صلاحيتهم.

إن التفسير السابق على وجاهته لا يكفي وحده لتفسير تغيير موقف "حماس"، فالحركة تراهن أيضًا على أن خصمها السياسي الداخلي (فتح) في وضع صعب جراء فشل مشروعه السياسي، ويخشى خوض الانتخابات رغم كل المرونة والتنازلات التي أقدمت عليها، والتي ستجعل حصة "حماس" من مقاعد المجلس التشريعي أقل في أحسن الأحوال مما حصلت عليه في السابق، أي أنها تراهن على الخلافات الداخلية في "فتح" على خلفية الصراع على الخلافة والحكومة، وعقد المجلس المركزي، وملء مقعد صائب عريقات، واستحقاق المؤتمر الثامن لحركة فتح، وتراجع شعبية الرئيس كما تشير الاستطلاعات، وموقع مروان البرغوثي، وتيار محمد دحلان، ومطالبة الجيل الشاب بأن يأخذ مكانه في الحركة والسلطة والمنظمة.

إضافة إلى ما سبق، الأولوية لدى "حماس" الاحتفاظ بسلطتها في غزة، وهي بحاجة إلى أن تستظل بمظلة الشرعية التي تحظى بها السلطة للتخفيف من أعبائها الثقيلة، وإلى أن تشارك في المنظمة، وإذا تحقق ذلك، فهذا جيد جدًا، وهو قد يكون متاحًا، لأن جولة المصالحة الحالية لا تشترط إنهاء الانقسام أولًا، ولا إنهاء سيطرة "حماس" على القطاع وهيمنة "فتح والرئيس على السلطة والمنظمة، بل تقوم على انتخابات ستجري تحت الاحتلال والانقسام وفي ظل إطار سلطة الحكم الذاتي. أما إذا تعذر تحقيق ذلك فتسعى "حماس" من خلال المرونة التي قدمتها لئلا تتحمل المسؤولية، أو عدم تحملها وحدها عن استمرار الانقسام.

وما يعزز أسباب تعديل "حماس" لموقفها أنها لا تريد مواجهة عسكرية مع إسرائيل في وقت غير مناسب لها، في ظل تردي الوضع العربي بعد تطبيع وتحالف عدد من الدول العربية مع إسرائيل، وفي ظل المؤشرات عن أن الحكومة الإسرائيلية القادمة ستكون يمينية، وربما أكثر تطرفًا من الحكومة الحالية، إضافة إلى مراقبة "حماس" للتطورات لدى حليفتها القوية تركيا التي تحضر لاستدارة تكتيكية كاملة في علاقتها مع إسرائيل وأوروبا ومصر وبقية الدول العربية استعدادًا لاستقبال بايدن. كما أنها لا تريد ولا تفضل أن تقفز إلى حضن إيران كليًا في وقت تستعد طهران لاستقبال بايدن واحتمال تجديد الاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي إن حدث يجعل إيران عنصرًا يساهم في التهدئة والاستقرار في المنطقة.

رغم ما سبق وفي ظل تعديل "حماس" لموقفها إلا أن طريق الانتخابات الشاملة ليست سالكة تمامًا. فالحوار حول أسس الشراكة والقضايا الأخرى سيبدأ بعد صدور المراسيم، وإمكانية الاتفاق عليها أقل من عدم الاتفاق حولها.

كما أن إسرائيل بالمرصاد، وهي لاعب رئيسي يجب أن تعطي الضوء الأخضر لإجراء الانتخابات حتى تُجرى، وهي يمكن أن تفعل ذلك إذا ضمنت أن الانتخابات ستكرس سلطة أوسلو وتساهم في استمرار الانقسام واحتواء "حماس"وسيرها أكثر في طريق الترويض.

لقد ملّ الشعب من مسلسل حوارات واتفاقات المصالحة الذي لا ينتهي، وأصبح مستمرًا مثل المسلسلات المكسيكية والتركية التي لا تنتهي رغم الاعتقاد دائمًا أنها شارفت على الانتهاء.

من يريد إجراء انتخابات حرة وديمقراطية وتحترم نتائجها وتكون خطوة إلى الأمام عليه أن يسعى لأن يتم الاتفاق أولًا على الهدف الوطني، وأشكال النضال والمفاوضات والمقاومة، وأسس الشراكة الوطنية، وكيفية التعامل مع سلطة الحكم الذاتي والتزاماتها، لتكريسها أم لتغييرها.

ومن يريد تجسيد الدولة الفلسطينية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتحترم نتائجها من أطراف المجتمع الدولي، خصوصًا أوروبا وروسيا والصين وتركيا والدول العربية، عليه أن يسعى لرفع المنظمات الفلسطينية عن لائحة الإرهاب، أو إزالة الفيتو عن اشتراكها في الحكومة القادمة، واحترام نتائج الانتخابات مهما كانت، مقابل تخليها عن سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة، والموافقة على أن يكون القانون الدولي والشرعية الدولية جزءًا من برنامج الحكومة الفلسطينية. كما عليه العمل لإنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات أولًا كمدخل لإجراء الانتخابات.

أما من يريد أو يتجاهل خطورة إجراء انتخابات هدفها تكريس الأمر الواقع، وإعادة إنتاجه من خلال القائمة المشتركة إن تجاوزت العراقيل والاتفاق على محمود عباس كرئيس توافقي وتوزيع أعضاء المجلس الوطني بالتوافق وتجنب تشكيل حكومة انتقالية تسبق الانتخابات، فعليه أن يتحمل مسؤولية ما سعى إليه أو سكت عنه.

التعليقات