07/02/2021 - 19:44

لا شرقية ولا غربية: الكنيست لا يحدد شكل مجتمعنا

كيف تعززت مكانتنا السياسية والشرطة والجريمة تفتك بنا؟ هل المقصود تهرب وخجل "كاحول لافان" من تشكيل حكومة أقلية بأصوات القائمة المشتركة؟ لكن المهمّ أن المكانة السياسية ستعزّز بشكل فعلي وحقيقي عندما تصبح إسرائيل دولةً لكلّ مواطنيها.

لا شرقية ولا غربية: الكنيست لا يحدد شكل مجتمعنا

(أ ف ب)

من المفترض أن تكون الانتخابات البرلمانية في أي دولة فرصة هامة لإثراء النقاش السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأن يقدّم كل حزب أو قائمة برنامجه ورؤيته ومشروعه؛ وتزداد هذه الأهمية في ظروف شعب يواجه احتلالا واستعمارا وتهويدا. وفي ظروفنا تحديدًا، فإن انتخابات الكنيست ليست على وجه المجتمع، وكأن الأحزاب العربية تتصارع على الحكم والهيمنة على مؤسسات الدولة؛ بل يجب أن يكون التنافس على برامج سياسية واضحة، لكن هناك من لديه فائض من الطموحات الشخصية والسياسية، ويريد جرّنا إلى معارك مجتمعية مصطنعة ووهمية، والأكيد أن الانتخابات للكنيست الإسرائيلي ليست مكانًا لمناقشتها.

وإذا تجاهلنا حجم الكذب والتضليل والتحريض من معظم الأطراف في حملاتها الانتخابية هذه الأيام، وتحويل شبكات التواصل الاجتماعي إلى منصّات للتحريض وخطاب الكراهية والفتنة الطائفية، إلا أنه لا يمكن تجاهل الادّعاء الخطير الذي تردّده الحركة الإسلامية الجنوبية بأن المعركة الحالية هي على شكل وطبيعة مجتمعنا، وكأن مجتمعنا تحسم هويته في البرلمان الإسرائيلي، وليس في ميادين العمل الوطني والاجتماعي والثقافي والإعلامي أيضًا. هوية مجتمعنا تتشكل أولًا من خلال الصراع مع الصهيونية وليس من خلال اللعبة الديمقراطية البرلمانية الإسرائيلية؛ وتاريخيًا تشكلت الهوية الفلسطينية في القرن العشرين وحتى يومنا هذا، من خلال الصدام مع الصهيونية، ورسَم ملامِحَها المناضلون في الميادين، سواءً قبل قيام إسرائيل، أو بعد انطلاق الثورة الفلسطينية في الستينيات والسبعينيات، وفي مقدمتها حركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح)، الذين لم يكونوا لا علمانيين ولا إسلاميين، بل كانوا مناضلين وثوريين، واعتبروا الثورة هي الهوية الجامعة.

تحويل معركة انتخابية للبرلمان الإسرائيلي إلى معركة مصطنعة على هوية المجتمع وشكله، ليست إلا تعبيرًا عن عجز حقيقي عن تقديم طرح سياسي جديد ومغاير عمّا سبقه، سواءً لجهة الفلسطنة أو لجهة الأسرلة. الهروب من السياسية يكون مرّة على شكل بدع إعلامية مضلّلة وخطيرة، ومرّة على إشعال قضايا مجتمعية لا تشغل بال الناس أساسًا، وانتخابات الكنيست ليست المكان ولا الزمان الصحيحين لطرحها. هذا خطر سيرتّد على مُشْعِلِهِ وسيكتوي بناره؛ هو لعب بالنار. هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني، وهو من المفترض أن يكون النقاش الأساسي في هذه الأيام، وهو التوجهات والبرامج السياسية للقائمتين العربيتين، المشتركة والموحدة، وجزء من ذلك النقاش والطروحات حول رؤية كل قائمة للدولة وتعريفها لنفسها كدولة يهودية. الحزب الوحيد الذي يطرح تصورًا جديًا هو التجمع، أي دولة جميع مواطنيها؛ فما رؤية الجبهة والإسلامية الجنوبية للدولة؟ ماذا تطرحان بهذا الشأن؟ أليس البرلمان هو المكان الذي يحدّد هوية الدولة ودورها من خلال التشريعات القانونية، ويختار من يحكم هذه الدولة ويمنحه الثقة؟

الكنيست ليس مكانًا لتحديد هوية مجتمعنا أو النقاش بذلك، والهويات أصلا لا تحدد من قبل قائمة انتخابية، بل يصنعها كل فرد منا بشكل يومي من خلال ممارساته وتعامله مع الآخرين.

أمّا الأمر الثالث، وهو الادّعاء بأن الانتخابات بالنسبة للمواطن العربي هي بين نهجين، نهج المشتركة كما عُبّر عنه حتى اليوم تحت هيمنة الجبهة؛ والنهج الثاني هو الذي يحاول صنعه النائب د. منصور عباس، كما عبّر عنه في المؤتمر العام للحركة الإسلامية الجنوبية، مؤخرًا؛ وهو في الحقيقة ليس أكثر من محاولة للتمايز عن المشتركة، والجبهة تحديدًا، وليس نهجًا حقيقيًا لسبب بسيط، بأنه لا يملك رؤية سياسية وفكرية متكاملة لمكانة العرب في إسرائيل، ويتجاهل قضية طابع الدولة اليهودي، ويختزل السياسة بأدوات برلمانية مجربة سابقًا ولم تؤت أكلها.

النهج الآخر، وهو يختلف بالدرجة وليس بالنوع. نعم يختلف بالدرجة وليس بالنوع بمعنى أنه يعتمد كليّةً على الأدوات البرلمانية وبلا رؤية سياسية شاملة، وهو من العباءة ذاتها، التي تتجاهل طابع الدولة اليهودي ويحوّل العمل البرلماني إلى علاقات شخصية (قصة زيارة أيمن عودة لموشيه آرنس ليؤثر على نتنياهو للمصادقة على الخطة 922 هي فضيحة وليست شطارة، هذا استجداء وليس عملا سياسيًا، ولا أدري لماذا تجيز الجبهة مثل هذه الممارسات – هذا ليس نهج توفيق زياد بكل تأكيد).

النهجان يضعان كل رهاناتهما، وبالتالي رهان الناخبين، في سلة واحدة، وهي سلة الكنيست التي يهيمن عليها اليمين، ولا يقدمان رؤية سياسية أو حتى برنامجًا سياسيًا انتخابيًا. النهجان يؤدّيان إلى النتيجة ذاتها: حقوق المواطن العربي مرهونة بالتوازنات الحزبية في الكنيست، وتحولها إلى سلعة للمساومة في العمل البرلماني، ويتجاهل مرة أخرى طبيعة الدولة والنظام الذي يحكم البلاد من النهر للبحر. هذا لا يعكس عدم تسييس للقضايا الوطنية فقط، بل يعكس عجزًا عن تقديم أو صياغة رؤية سياسية أو برنامج سياسي حقيقي متوسط أو طويل المدى.

هذا النهجان الشبيهان والمختلفان بالدرجة وليس بالنوع، يحاولان تصوير أنفسهما وكأنهما تياران متصارعان، ولكن في الحقيقة هما ينطلقان ويصبان في الكنيست. سيدعي الإسلاميون أنّ الحركة الإسلامية معظم نشاطها ميداني وخارج الكنيست، هذا صحيح، ولكن نشاطها السياسي المركزي كله في الكنيست.

أمّا قضية تعزيز مكانة المواطنين العرب كما يردد البعض في أعقاب تشكيل المشتركة، فهذا تضليل أو قصور في الفهم السياسي؛ كيف تعزّزت مكانة المواطن العربي السياسية في ظل تشريع "قانون القومية" وفي ظل عمليات الهدم والتهجير اليومية في النقب مثلا؟ كيف تعززت مكانتنا السياسية والشرطة والجريمة تفتك بنا؟ هل المقصود تهرب وخجل "كاحول لافان" من تشكيل حكومة أقلية بأصوات القائمة المشتركة؟ لكن المهمّ أن المكانة السياسية ستعزّز بشكل فعلي وحقيقي عندما تصبح إسرائيل دولةً لكلّ مواطنيها.

وإذا أردنا أن نكون كريمين، وأن نعتبر النهجين المذكورين كتيارين، فإن السؤال الذي يطرح أين التيار الثالث؟ ولا أقصد مقاطعة الانتخابات. التيار الثالث موجود، وهو التيار المركزي والرئيسي في المجتمع، أو هكذا كان ويفترض أن يكون، أي التيار الوطني صاحب الرؤية السياسية الشاملة، الذي يجمع الوطني والقومي والمتدين وغير المتدين، وبالنسبة له التحدي الأساسي والجوهري هو طابع الدولة اليهودية والنظام الاستعماري الاستيطاني الذي يقوم على الفصل العنصري في البلاد؛ لا يبحث عن تغيير في أو مستوى درجة التمييز، بل يسعى لتحديه وإلغائه. النهجان المذكوران لا يتجاوزان كونهما إستراتيجية تسويق سياسي، أما التيار الثالث فهو رؤية شاملة والأهم أنه يرى في نفسه جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية، لا شرقية ولا غربية، جذورها في الأرض وفروعها في السماء.

من المعيب أن نحوّل معركة انتخابية للبرلمان الإسرائيلي إلى معركة على "هوية مجتمعنا"، المهم هو هوية الشعب الوطنية.

التعليقات