16/03/2021 - 18:08

"زووم"...

الفرق الشاسع بين العرب واليهود في الإمكانيات وفي البنى التحتية ليس وليد صدفة، بل هو وليد سياسة منهجية ماطلت وما تزال تماطل في حلّ المعضلة السَّكنية والبنى التحتية،

توضيحية (أ ب)

قبل عام فقط، كان تطبيق "زووم" يعني تقريب أو تبعيد مجال التقاط الصورة الفوتوغرافية، ويقصد به التّركيز على بؤرة معيّنة، كذلك كان يعني غسل عدد من قطع الملابس في الغسّالة، أو الأطباق في الجلاية في دفعة واحدة، فتُسمى زوم، زومٌ ملَوّنٌ وزومٌ أبيض.

يقول البعض "عمِلْت زومًا لفلان"، أو أنه "أكل زومًا مني"، أي أنه بهدله بهدلةً شديدة التركيز، وليس في كلمة واحدة عابرة، بل عاد وكرَّر الكلمات التي وبَّخه وأهانه فيها.

ويقول من أدركه المطر في الطريق وبلَّلَه "أكلنا زومًا من المطر حتى صرنا ننقِّط".

الزُّوَيم في اللغة العربية هو المُجتمِعُ من كلِّ شيء.

وأخذ زمام المبادرة، أي أنه أمسك بزمام الأمر وقاده. زمَّ الكيس أو الحقيبة يعني أنه ربط فاها، وزمَّ حذاءه أي ربطه، وعملية الزّم هي تجميع شيء ما، مثل زمّ كُمّ القميص.

هذا يعني أن كلمة زوم المستخدمة عالميًا، ذات أصول عربية، الله يعلم متى وفي أي عصر، ولكن الكلمات تتدحرج وتنزاح مع مرور الزمن لتفيد معان مختلفة عن معناها الأصلي.

أخذ الغربُ والشرق مثل الصين واليابان زمام المبادرة، وصاروا يتقدمون في الصناعة والتكنولوجيا، التي أوصلتهم إلى تطبيقات الوسائط الإلكترونية، ومنها تطبيق "زووم" الحديث، الذي تحوَّل إلى وسيلة للتواصل بين التلاميذ والمعلمين، وصار ميدانًا لعقد الندوات والمحاضرات والمؤتمرات وغيرها، وبرز هذا أشد بروز وحاجة إليه، في جائحة كورونا.

رغم كلِّ ما يقال عن الفارق التربوي والنفسي الهائل بين لقاء الطلبة بمعلميهم وأصدقائهم مباشرة، وبين تطبيق "زووم" ذي التداعيات النفسية السَّيئة على الطلاب والمعلمين والأهالي على حد سواء، إلا أن "زووم" كان ضرورة، وبدونه كانت خسائر الطلاب ستكون أكبر مما حدث، والحقيقة أن تطبيق "زووم" في المجتمع العربي كان أقل نجاحًا من المجتمع اليهودي، أي أن خسائرنا التعليمية بسبب كورونا؛ أكبر.

هذه الأسباب نجدها في تقرير مراقب الدولة الذي نُشر في مطلع هذا الأسبوع، ومما جاء فيه، أن خطر البطالة، يتهدَّد مئات آلاف من العاملين، وذلك بسبب تغيّر طبيعة العمل الذي يزاولونه ليعتمدَ أكثر على وسائط العمل الرّقمية والتكنولوجيا الحديثة، وهذا يتطلّب مهارات وتدريبات وإعدادات خاصة، ويَظهرُ ضعفُ هذا الجانب في المجتمع العربي بشكل خاص مقارنة بالمجتمع اليهودي، وهذا يعني أن الفجوة في مجال نوعية العمل والدخل ومستوى الحياة في طريقها للازدياد بين العرب واليهود مع تقدم التكنولوجيا.

لا شكّ في أنّ من لا يلحق بركب التكنولوجيا الحديثة والرقمية سيبقى متخلِّفًا عن الركب الحضاري مهما بذل من جهود أو أموال في غير مكانها وموضعها.

أما سبب ضعف العرب في هذا المجال، فلأنه ليس جميع الطلاب يملكون الحواسيب ولا البنية التحتية التي تتيح استخدام هذه الإمكانيات بنجاعة، فالكثير من الطلاب العرب لا يملكون حاسوبًا، ولا يوجد عدد كاف من المعلِّمين المؤهلين لهذا الموضوع، وحتى عندما يتوفَّرُ هذا، فهنالك ضعفٌ في التقاط الإرسال في كثير من أحياء البلدات العربية.

إضافة إلى التعليم عبر "زووم"، فإن هناك من عملوا في وظائفهم من البيوت، ومنهم من عانى وما يزال يعاني من ضعف الاتصالات في المناطق التي يقطنها، ومن الطبيعي جدًّا أن يكون الإتصال أضعف في الأحياء العربية، لأن كثيرًا من البيوت تعاني من عدم الترخيص أصلا، وبعض الخدمات لا تصل إلى الأحياء غير المرخصة، ومنها خدمات الاتصال السليمة.

الفرق الشاسع بين العرب واليهود في الإمكانيات وفي البنى التحتية ليس وليد صدفة، بل هو وليد سياسة منهجية ماطلت وما تزال تماطل في حلّ المعضلة السَّكنية والبنى التحتية، وهذا الوضع ما كان ليكون بهذه الصورة من الفظاظة، لولا سياسة قادتها وما تزال تقودها جميع أحزاب السلطة، وعلى رأسها الليكود وخصوصًا في حقبة نتنياهو.

الغريب أن يعمل نتنياهو "زووم"دعائيًا بين الجمهور العربي، في صورٍ يبدو فيها بريئًا، بينما هو تبنى وما زال يتبنى سياسة التمييز العنصري وتفوق فيها على غيره، وجاء تحالفه الخطير مع أقصى اليمين المتطرف، ليوضِّح صورته الحقيقية، إذ وقّع معه اتفاقية فائض أصوات، وهو الحزب الصهيوني الديني الذي يدعو إلى طرد العرب واقتلاعهم من جذروهم ومن وطنهم.

هذا يعني أن كل صوت عربي إلى حزب الليكود أو لأي حزب داعم له، هو طعنة أخرى في ظهورنا جميعًا، وهو صوت مباشر إلى حزب الفاشية الصهيونية الدينية.

التعليقات