29/03/2021 - 18:06

الانتخابات الإسرائيليّة ومصير الدولة الاستيطانيّة الاستعماريّة

إذن، لا العامل الفلسطينيّ الضعيف، ولا العامل العربيّ المطبّع لديهما القدرة حاليا على جعل إسرائيل تنسحب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ولا حتى لجعل تيارها الثاني يتراجع عن صيغة دولة إسرائيل الاستيطانية الاستعمارية الموسعة.

الانتخابات الإسرائيليّة ومصير الدولة الاستيطانيّة الاستعماريّة

إحصاء أصوات أحد صناديق الاقتراع (أ ب)

تُحاجِج هذه المقالة بأن للانتخابات وظيفة في إطار الدول الاستيطانيّة الاستعماريّة، تختلف عن وظيفتها في الدول العادية، فكلّ جولة انتخابات في الدولة الاستيطانيّة الاستعماريّة هي منعطف في الطريق الممتدّ لتقرير كيفية استمرار المشروع الاستيطانيّ الاستعماريّ توسيعًا أو تقليصًا، وذلك بالعلاقة مع واقع الصراع مع الشعب الأصلانيّ، ومع العوامل الإقليمية والدوليّة، وكذلك بالعلاقة مع رؤى أطراف العملية الانتخابية داخل الكيان الاستيطانيّ الاستعماريّ لكيفية بناء الدولة ونظامها السياسيّ والتشريعيّ والقضائيّ، وفي حالة اسرائيل يُضاف لذلك عامل آخر يرتبط بطبيعة علاقة الدولة مع يهود العالم.

هذا وكان الكاتب قد حلّل في دراسة مُحكمة سابقة "وظيفة الانتخابات في النظام الاستيطانيّ الاستعماريّ: حالة إسرائيل"، حيث تقفّى هذه الوظيفة تاريخيًّا منذ نشأة الدولة عام 1948 وحتى عام 2020، ذلك في إطار مفهوم "الديمقراطيّة الاستيطانيّة الاستعماريّة" المقتبس من عالم الاجتماع التاريخيّ، مايكل مان (مان. الجانب المظلم من الديمقراطية، 2005)، وهو نموذج تتناسب زيادة ديمقراطيّته لمستوطنيه المستعمِرين طرديًّا مع زيادة إجرامه ضدّ الشعب الأصلانيّ. بهذا المعنى تُقرر كلّ عملية انتخابية تجري داخل الكيان الاستيطانيّ الاستعماريّ شكل الحكومة وتشكيلتها، وبالتالي طبيعة الإجرام الذي سيتمّ انتهاجه بعدها ضد الشعب الأصليّ بناءً على هذه التشكيلة (سالم، مجلة العلوم القانونيّة والسياسيّة - جامعة القدس، العدد الخامس، 2000).

في هذه المقالة الموجَزة سيتمّ المضي قدما لتحليل ما وصلت إليه هذه الوظيفة للانتخابات من استعصاء في ضوء عقد أربع جولات انتخابية على خلفيّة العوامل الداخليّة والإقليميّة والدوليّة المؤثرة؛ رسميّةً وشعبيّةً، وتتم المحاججة هنا أن هذا الاستعصاء يرتبط بوجود تيارين صهيونييْن قديميْن- جديديْن داخل إسرائيل؛ يحاججان بطرق مختلفة: أحدهما يرى تبعا لحراك العوامل الداخلية والإقليمية والدولية بأن يتمّ الاكتفاء بدولة استيطانيّة استعماريّة مُقلَّصة تضمّ فلسطين المحتلة عام 1948، مضافًا لها القدس الشرقيّة الموسّعة، والكتل الاستيطانيّة الاستعماريّة في الضفة، مع عدم السماح بعودة جماعيّة للّاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وإقامة دولة فلسطينيّة خاضعة للسيطرة الأمنيّة الإسرائيليّة على بقايا الضفة وقطاع غزة، ويطرح ذلك أحزاب "يش عتيد" والعمل، و"كاحول لافان"، وتتشارك معهم حركة "ميرتس" في رفض تقسيم القدس ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين جماعيًّا إلى داخل دولة إسرائيل. قوام هذا التيار هو 38 عضو كنيست في الانتخابات الإسرائيليّة الأخيرة هذا الشهر. وعلى الصعيد الداخليّ يريد هذا التيار الحفاظ على الشكل العلمانيّ للديمقراطيّة الاستيطانيّة الاستعماريّة، ويرفض قمع "اليسار الصهيونيّ" وتهميشه (مع أن بعضا من أطرافه يدعو لوقف تحكُّم المتدينين اليهود بالنظام السياسيّ مما يخلق لهم تناقضا مع الأحزاب الدينيّة)، ويطرح توسيع الحقوق الفرديّة والثقافيّة والدينيّة للفلسطينيين داخل إسرائيل (ولكن بدون الاعتراف بحقوق قومية لهم) ويشمل ذلك طرح إمكانية التحالُف مع أحزاب عربيّة لتشكيل ائتلاف حكوميّ مع تفضيل أحزاب على أخرى (مثلا: تفضيل القائمة الموحّدة، برئاسة الدكتور منصور عباس على القائمة المشتركة حاليا، وتفضيل حزبَي أيمن عودة رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وأحمد الطيبي رئيس الحركة العربية للتغيير من القائمة المشتركة، ورفض حزب التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ العضو في القائمة ذاتها).

التيار الثاني يلتفت بشكل أقلّ للعوامل الإقليمية والدولية، ويهتمّ بشكل أكبر بما يريده اليهود من فرض حقائق على الأرض جريا على ما طرحه جابوتنسكي وقبله هرتسل صاحب العبارة المشهورة: "إذا أردتها، فإنها ليست حلما (If you will it .It is not a dream)"، لذا يرى هذا التيار ضرورة الاستمرار في بناء دولة استيطانيّة استعماريّة موسّعة، وفي هذا الإطار لا يُخفي هذا التيار خططه لتوسيع دولة إسرائيل لتشمل كل الضفة أو أجزاءً واسعة منها، ومنع إقامة دولة فلسطينيّة، وتوسيع القدس الكبرى شرقا حتّى البحر الميت، وجنوبا حتّى مشارف مدينة الخليل، وشمالا حتّى منتصف الطريق إلى نابلس مع ربط القدس بطريق سريع مع مستعمرة "أريئيل" المقامَة على أراضي محافظة سلفيت، واقتلاع فلسطينيي الغور وجبال الخليل والقدس من بلادهم، ورفض عودة اللاجئين حتّى بأعداد رمزيّة، وترك مصير قطاع غزة مُعلّقًا إلى حين نضوج ظروف تسمح بمعالجة وضعه.

وقد طرح نتنياهو خلال زيارة له لأوكرانيا في آب/ أغسطس من عام 2019 "مقترَحًا" لترحيل فلسطينيي غزة وتسهيل ذلك إلى أي بلد ترغب باستقبالهم. وعلى الصعيد الداخليّ يسعى هذا التيار للسيطرة على جهاز القضاء، وتهميش اليسار، وتحويل الإعلام إلى بوق للسلطة الحاكمة. بالنسبة لفلسطينيي الداخل يحصر هذا التيار حقوقهم بالجانب الفرديّ والدينيّ، ولكنه يختلف عن التيار الأول بأنّ هناك من يدعو من صفوفه إلى تسهيل طرد العرب ونزع الجنسيّة الإسرائيلية عنهم، أو نقلهم من وضع التجنّس إلى وضع الإقامة الدائمة أو المؤقته كما هو حال فلسطينيي القدس الشرقيّة المحتلة عام 1967.

وفي ما يتعلّق بالائتلاف الحكوميّ يرفض قسم من هذا التيار مشاركة العرب فيه لأسباب يعتبرونها مبدئيّة، فيما بعضهم مستعدّ لمشاركة بعض العرب "المقبولين" في الاتفاق الائتلافيّ وليس في الحكومة كما هو مطروح حاليًّا على منصور عباس من قِبل بعض أقطاب الليكود. يضمّ هذا التيار 72 عضو كنيست من انتخابات هذا الشهر يشملون الليكود، وأحزاب يمينا والقائمة الصهيونية المتدينة و"تيكفا حداشا" و"يسرائيل بيتينو"، والحزبان الدينيان "شاس" و"يهدوت هتوراه"، وهي أحزاب تتنافس كلّها حول أيها أكثر تطرفا ضد الشعب الفلسطينيّ، فـ"تيكفا حداشا" و"يمينا" أكثر تطرّفا من الليكود، و"يسرائيل بيتينو" هو صاحب فكرة تجريد فلسطينيي المثلث من الجنسيّة الإسرائيليّة ونقلهم مع مناطق سكناهم إلى مناطق السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة ولكن مع سلب 70 بالمئة من أراضيهم التي صودرت بعد عام 1948، وإبقائها جزءا من إسرائيل، وهو ما تمّ إدراجه في "صفقة القرن" الأخيرة.

زاد من الاستعصاء الذي رافق الانتخابات الأربعة الأخيرة في إسرائيل بين منطق الدولة الاستيطانيّة المقلّصة، وتلك الموسعة، ذلك التناقُض الذي نشب داخل التيار الثاني، والذي نجم عنه عدم قدرة هذا التيار على تشكيل حكومة منفردة من قوّاه. بدأ الأمر برفض حزب "يسرائيل بيتينو"، الانضمام إلى حكومة تشمل الأحزاب الدينيّة، ثم امتد ليشمل تمرّد غدعون ساعر على نتنياهو الذي لم يعطِه أيّ منصب وزاريّ رغم حصوله على موقع متقدّم في الانتخابات الداخليّة لليكود، وهو ما دفعه للانشقاق وتشكيل قائمة "تيكفا حداشا" للانتخابات الأخيرة. وقد منعت هذه التناقضات، نتنياهو، من تشكيل حكومة حصريّة من التيار الثاني بعد جولات الانتخابات الثلاث الماضية، وقد تمنعه من القيام بذلك بعد جولة الانتخابات الرابعة هذا الشهر، مما يلوّح بإمكانية التوجّه إلى انتخابات خامسة.

هنالك عاملان يفسّران نشوء هذه التناقضات داخل التيار الثاني، أحدهما يتعلّق بغياب أية مقاومة فلسطينيّة فعّالة مع ما ينشأ عن ذلك من حالة من الاسترخاء داخل الكيان الإسرائيليّ، تسمح بطغيان التناقضات الداخليّة العامّة (مثل الصراع العلمانيّ - الدينيّ داخل التيار الثاني ذاته)، والشخصيّة (مثل صراع ساعر - نتنياهو).

يزيد تدهور الوضع العربيّ وعدم قدرته على توفير أي ضغط فعليّ على إسرائيل، من حدّة تأثير هذا العامل. أما العامل الثاني المكمِّل فيمكن إعادته إلى ما تطرحه نظريّة "الجشع مقابل الضيم: Greed Versus Grievances" المعروفة في نظريات تفسير الصّراعات. وفي حال تطبيق هذه النظرية على الحالة الاستيطانيّة الاستعماريّة في فلسطين، يمكن أن يجد المرء أنّ الجشع هو ما يفسّر سلوك نتنياهو الفاسد، كما يفسّر الجشع مزاودة حزب "يمينا" على نتانياهو عندما علّق ضمّ 30 بالمئة من أراضي الضفة إلى إسرائيل أعطته إياها صفقة القرن في ضوء اتفاق التطبيع مع الإمارات، فلسان حال حزب "يمينا" يقول: لماذا نقلّص جشعنا على الاستحواذ طالما أن العرب لن يستطيعوا اتخاذ أيّة خطوة فعليّة يمكنها أن تمنع ما نفعل؟ من الجهة المقابلة يجد المرء أنّ الضيم لفقدان الأرض والوطن والكرامة هو ما يحرّك مقاومة الشعب الفلسطينيّ ضد مشروع الاستحواذ والاستئصال الجشِع.

عدا العامليْن الواضحيْن السابقيْن، هناك عامل ثالث جدليّ ومتناقض، وهو عامل التطبيع العربيّ الأخير مع إسرائيل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وعمّا إذا أدّى هذا التطبيع لكبح جماح التوجّه لدولة استيطانيّة استعماريّة موسعة عند بعض أطراف التيار الثاني، وبخاصّة الليكود بقيادة نتنياهو، واستبداله بالاكتفاء بدولة استيطانية استعمارية مقلصة. هذا وقد لوحظ بعد التطبيع العربي الأخير استغلاله من قبل نتنياهو لتعميق التناقض مع الأردن، ولا سيّما في موضوع الإشراف على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس والسعي لنزع الإشراف الهاشميّ عليها، ومن جهة أخرى أجّل نتنياهو خطوة تشريع الضمّ لـ30بالمئة من الضفة إلى إسرائيل، ولكن لم يضيره ذلك بشيء حيث استمر في عملية الضم الفعليّ والزاحف بدون اعتراض من دول التطبيع العربية الجديدة، على الأمر. ينجم عن ذلك أن التطبيع يؤدي لتمكين إسرائيل للعمل على ضرب الدول العربية ببعضها البعض، ويعزز من قدرتها على المضي قدما في الضمّ الزاحف في ظلّ غياب خطوات فعلية عربية ضد ذلك، ولكنه قد يستجيب لبعض الطلبات العربية غير الأساسية بالنسبة إليه مثل الطلب الحالي له من الإمارات العربية المتحدة والمُكرَّر من أطراف دولية عدة بأن لا يضم إلى حكومته القادمة التيارات التي تكره العرب وتدعو لقتلهم وطردهم (التيار الكهاني المسمى ’عوتسما يهوديت’ و المنضوي في قائمة الصهيونية الدينية ويتزعمه إيتمار بن غفير).

إذن، لا العامل الفلسطينيّ الضعيف، ولا العامل العربيّ المطبّع لديهما القدرة حاليا على جعل إسرائيل تنسحب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ولا حتى لجعل تيارها الثاني يتراجع عن صيغة دولة إسرائيل الاستيطانية الاستعمارية الموسعة.

وفي ظل العجز الواضح للتيار الأول عن تشكيل حكومة بدون مشاركة أطراف من التيار الثاني المؤيد لفكرة الدولة الاستيطانية الاستعمارية الواسعة وبالتالي التنازل لها، فإن الفرصة الأكبر تبقى للتيار الثاني لتشكيل حكومة أو الذهاب لانتخابات خامسة، ولا سيما أن التيارين لا يمكنهما رغم تحالفاتهما مع قوى صهيونية أخرى (وبخاصّة التيار الأول)، تشكيل حكومة بدون دعم لسان ميزان الانتخابات الأخيرة ممَثلا بالقائمة الموحّدة التي يقودها الدكتور منصور عباس.

في هذا الإطار قد يستطيع التيار الأول استصدار قرار بالأغلبية داخل الكنيست لمنع نتنياهو المتّهم جنائيًّا من تشكيل حكومة، ولكنه سيحتاج لموافقة منصور عباس للحصول على تلك الأغلبيّة، وقد لا يرافق عباس على ذلك أملا بالحصول على مطالب من نتنياهو ، وإن وافق، فإن الطريق لن تصبح ممهدة لتشكيل حكومة من التيار الأول بدون عباس وهو ما ترفضه أحزاب "يمينا" و"تيكفا حداشا" التي سيحتاجها التيار الأول لتشكيل حكومة، وعليه فإن الخلاصة هي إما تشكيل حكومة من الليكود (بقيادة نتنياهو أو سواه إذا ما تم عزله بقرار كنيست، وحينها ستنضم قائمة ’تيكفا حداشا’ للزعيم الآخر الذي سيحلّ محل نتنياهو لتشكيل حكومة، هذا عوضا عن مشاركة ’يمينا’ المستعدة أيضا للمشاركة في حكومة يرأسها نتنياهو)، وإما الذهاب إلى انتخابات خامسة لتحقيق نصر واضح للتيار الثاني؛ تيار الدولة الاستيطانية الاستعمارية الموسعة.

تبقى هنالك عوامل أخرى لإجبار تيار الدولة الاستيطانية الموسعة على أن يتراجع نحو دولة استيطانية استعمارية مقلّصة تتسع أو لا تتسع لدولة فلسطينيّة على البقايا وفق الصيغة التي عرّفت بها في بداية هذا المقال، وهذه العوامل بايجاز هي: أولًا: موقف أميركيّ- دوليّ صارم، ولا يبدو ذلك في الأفق كما عالج الكاتب في دراسة أخرى ستُنشَر قريبا في مجلة سياسات، إذ أن أقصى ما يمكن أن يطرحه العالم هو دعوة الطرفين للعودة للمفاوضات وترك النتائج لتكون رهنا بما يتفقان عليه. ثانيا: موقف عربيّ صارم، وهذا لا يبدو أيضا في الأفق ولا سيّما ضدّ عملية الضم الزاحف الجارية على الأرض بوتيرة متسارعة. ثالثا: موقف يهود العالم، ولا سيّما يهود أميركا تجاه إسرائيل، حيث يؤيد ما يزيد عن 70 بالمئة منهم الحزب الديمقراطي الأميركي المساند لدولة إسرائيلية استيطانية استعمارية مقلّصة وليس موسعة، وهذا قد يكون له بعض التأثير، هذا علما بأن التيار الثاني في إسرائيل شكل تيارا أميركيًّا موازيًا ومؤيدا لسياساته، قاده الملياردير، شيلدون أدلسون حتى وفاته هذا العام باسم "المجلس الإسرائيلي الأميركي".

مقابل هذه العوامل هناك أخرى قد تعزّز التوجّه لدولة استيطانيّة استعماريّة مُقلّصة ومنها: تراجُع قدرة الجيش الإسرائيلي على احتلال أراض جديدة أو البقاء في أراض واسعة بسبب تراجُع الإرادة للقتال المباشر، وتدهور استعدادات سلاح المشاة في الجيش للالتحام المباشر مع " العدو ". ثانيا: تراجُع أفُق الهجرة إلى اسرائيل والمستوطنات في الضفة والقدس. وفي السنوات الأخيرة تحاول إسرائيل تعويض ذلك من خلال نسبة النموّ الطبيعي العالية للسكان، ولا سيما في قطاع المتدينين، أو من خلال جعل مواطني إسرائيل الأغنياء يشترون بيوتا في مستعمرات الضفة تكون بيوتا ثانية لهم، غير تلك التي يمتلكونها داخل إسرائيل. ولكن هذه الإجراءات لها حدود، ولا تُغني عن الحاجة لهجرة واسعة من يهود الخارج. هذه المعضلة قابلة للحلّ فقط في حال قرّر يهود الولايات المتحدة تنظيم هجرة واسعة منهم إلى إسرائيل. ثالثا: تراجُع حالة كون إسرائيل هي المكان الآمن لليهود في العالم، فقد بات وجود اليهود في دول العالم أكثر أمنا لهم من إسرائيل المهددة بالصواريخ من كل حدودها. رابعا: إمكانية تصاعُد الكفاح الفلسطينيّ بأوجهه الستّة: الكفاحية الميدانية، والاقتصادية والتنموية، والقانونية، والسياسية الدبلوماسية، والإعلامية، والمعرفية، مدعوما من قوى التضامن و المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات على المستويات الشعبية والبرلمانية العالمية. وخامسا: قرارات من محكمة الجنايات الدولية قد تجبر إسرائيل على الحذر أكثر في تنفيذ سياساتها الاستيطانية الاستعمارية التوسّعية.

هذا وقد يترتّب على هذه العوامل الخمس ما هو أكثر من مجرّد انكفاء إسرائيل عن مشروعها الاستيطاني الاستعماري الموسّع، لصالح إعادة انبعاث الكفاح الوطني الفلسطيني بثوب جديد تجعل العالم كلّه ساحته. هذا وقد بقي عامل آخر لم يُناقَش هنا وهو المتعلّق بدور فلسطينييّ الداخل إذا وحّدوا جهودهم وهو ما سيُخَصَّص له مقال آخر في الأيام القادمة.

التعليقات