12/07/2021 - 13:01

بدعة التدخل الإنساني الدولي في لبنان.. كخطر إسرائيلي أيضًا

أما أن تنضم إسرائيل أخيرًا إلى تلك البدعة، فإن في ذلك ما يتعدى الشماتة الإسرائيلية بحزب الله، وإيران، ويصل إلى حد الحذر من اختراق إسرائيلي جديد مختلف عن كل ما سبق، لبعض الأنحاء أو البيئات اللبنانية المحددة

بدعة التدخل الإنساني الدولي في لبنان.. كخطر إسرائيلي أيضًا

آخر البدع الدولية المتداولة بشأن الأزمة اللبنانية التي لم يسبق لها مثيل في العالم أجمع منذ 150 عامًا، هي التدخل الإنساني الدولي الذي تطرحه فرنسا ومعها معظم دول الاتحاد الأوروبي، وتؤيده الولايات المتحدة التي انضمت إليها إسرائيل، أو ربما حصل العكس، أي أن الإسرائيليين هم الذين بدأوا الترويج للفكرة في واشنطن.

البدعة بحد ذاتها قديمة، طُرحت أكثر من مرة في الغرب، كبديل للغزو الأميركي لأفغانستان، ثم للغزو الأميركي للعراق، أو كمدخل لأي تدخل عسكري أو سياسي في أزمات القارة الأفريقية... وهي كانت ولا تزال تطرح بين الحين والآخر كمخرج من التسوية المستحيلة للقضية الفلسطينية، التي يظن بعض مدعيّ الالتزام بالمعايير الإنسانية والأخلاقية، أو بعض المتواطئين مع إسرائيل، أن مشكلة الشعب الفلسطيني هي في فقره، لا في غربته عن أرضه.

والحال أن التدخل الإنساني الذي ورد في عدد كبير من مشاريع القرارات المقترحة على مجلس الأمن الدولي في العقود التي تلت تفكك الاتحاد السوفياتي، وتفتت الدول التي كانت تدور في فلكه، تحت عنوان تحرير شعب ما يختطفه دكتاتور أو عصابة من خطر الموت جوعًا، لم يجد طريقه إلى التنفيذ في أي منطقة من العالم، برغم القليل من النوايا الحسنة والكثير من النوايا المبيتة. ولم يشهد أي بلد مهدد بالمجاعة جسورًا جوية تلقي المواد الغذائية أو الحيوية، ولم يسجل نزول "فرق السلام" الإغاثية الدولية على أرضه. كانت قوات التدخل العسكري السريع، ولا تزال، هي السباقة دائمًا، في الإشارة إلى أن الغرب لم يكن ولن يكون مؤسسة خيرية.

التجربة اللبنانية ليست فريدة من نوعها. صحيح أنها الاسوأ في تاريخ لبنان، وفي تاريخ العلوم السياسية والاقتصادية المعاصرة. لكنها تجد مثيلاتها في الكثير من الدول الأفريقية التي عانت، ولا تزال، من طغيان فرد أو جماعة أو قبيلة، وما يتبعه ذلك من فساد استثنائي، يضع الغالبية الساحقة من المواطنين على حافة الموت أو التسول. ويمكن تعداد أكثر من عشرة بلدان أفريقية تقع في النصف الجنوبي من القارة السوداء، وتعيش حتى اليوم على شفير الانهيار التام، وربما الزوال عن الخريطة، باستثناء بعض التجارب الناجحة نسبيًا مثل غانا وبوروندي وأثيوبيا.

لكن الأزمة اللبنانية جذابة وحساسة أكثر من الأزمات الأفريقية المشابهة، نظرًا لموقعها الجغرافي المتاخم للاتحاد الاوروبي، وصلتها بعدد من الدول المهمة أو المضطربة، التي تخشى أن يتخطى الانفجار اللبناني الحدود الدولية، ويتسبب بموجات هجرة غير مرغوبة، أو بتوترات أمنية غير محمودة... لكن جاذبيتها لم ولن تصل إلى حد لجوء المجتمع الدولي إلى التدخل الإنساني في لبنان سواءً بقرار من مجلس الأمن، ما زال مستحيلًا، أو من دون مثل هذا القرار.

البدعة الرائجة حاليًا لا تتعدى الهدف الدعائي، وهي تمارس نوعًا من الضغط الإضافي على المسؤولين اللبنانيين عن الأزمة، الذين يصعب في الأصل أن يتأثروا بمثل هذه الضغوط، وأن يقلعوا بالتالي عن الفتك بمواطنيهم، مع العلم أن التلويح بالتدخل الإنساني الدولي يمكن أن يزيدهم عنادًا وإصرارًا على مواقفهم وممارساتهم المعادية للمواطن اللبناني... ويزيدهم اطمئنانًا أن هذا المواطن الذي يعاني من الجوع اليوم لن يموت غدًا، طالما أن المجتمع الدولي يشعر بعذاباته ويدرك خطورة انهيار دولته وتفكك مجتمعه.

ولن يكون من المستبعد التكهن في أن المسؤولين اللبنانيين عن الأزمة، هم أنفسهم الذين يستدعون ضمنًا ذلك التدخل الإنساني الدولي، مثلما استدعوا أكثر من مرة التدخل الإنساني العربي، وحصلوا على نتائج حسنة حتى الآن، خلال برامج المساعدات الطارئة التي تنفذ حاليًا من قبل معظم دول الخليج وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة، من دون أي حساب سياسي، لا سيما في أعقاب كارثة انفجار المرفأ العام الماضي.

قد تكون فرنسا هي مصدر البدعة الجديدة والأشد حماسة لترويجها، لأن جميع أفكارها (مبادراتها) السياسية والاقتصادية التي تكثفت إثر ذلك الانفجار، وصلت إلى طريق مسدود عندما تبيّن أنها تهدف إلى إعادة تدوير الطبقة السياسية الحاكمة، ولم يبق منها سوى الرهان المشكوك به على هيئات ومنظمات المجتمع المدني للفوز في الانتخابات النيابية المقبلة.

أما أن تنضم إسرائيل أخيرًا إلى تلك البدعة، فإن في ذلك ما يتعدى الشماتة الإسرائيلية بحزب الله وإيران، ويصل إلى حد الحذر من اختراق إسرائيلي جديد مختلف عن كل ما سبق، لبعض الأنحاء أو البيئات اللبنانية المحددة، بما يستلهم تجربة "الجدار الطيب" على الحدود الجنوبية، ليبني الكثير من الجدران المماثلة على مختلف الأراضي اللبنانية، هذه المرة تحت شعار التدخل الإنساني الدولي المُريب، والمُناقض لجوهر الأزمة اللبنانية وحلولها المعروفة من الشقيق والصديق... والعدو.

(ساطع نور الدين، رئيس تحرير "المدن" - بيروت)

التعليقات