24/08/2021 - 14:33

لنعود إلى حلم الحريّة لا إلى كابوس قمعهِ

لو اعتقلت دولة الاحتلال المناضلين الفلسطينيين لقلنا إنه انتقام من نضالاتهم ضد الاحتلال. ومعظمهم تعرضوا فعلًا لملاحقات وتحقيقات واعتقالات الاحتلال.

لنعود إلى حلم الحريّة لا إلى كابوس قمعهِ

قمع متظاهرين في رام الله (أرشيفية)

لو اعتقلت دولة الاحتلال المناضلين الفلسطينيين لقلنا إنه انتقام من نضالاتهم ضد الاحتلال. ومعظمهم تعرضوا فعلًا لملاحقات وتحقيقات واعتقالات الاحتلال.

مثل هكذا اعتقالات كان من شأنها أن تعزز مناعة الشعب وتشكل حالة معنوية بعكس ما يراد لها. في المقابل، حين تمعن قوات أمن السلطة الفلسطينية في اعتقال المناضلين المعارضين لنهجها، وتقتل أحدهم تحت التعذيب، فإنها في فعلتها تكون مبعث إحباط للشعب ولنضالاته، وتنسف أمل التحرير.

الحملة المكثفة والواسعة المتمثلة بالاعتقالات، تؤكد وجود سياسة مخطط لها، ومصالح متضاربة لدى قوى متنفّذة في السلطة. قد تعكس الصراعات القيادية داخل تنظيم "فتح" الحاكم تحت الاحتلال، إلا أن تدفيع المعارضة السياسية المناضلة ثمن ذلك هو جريمة بحق الشعب الفلسطيني. مهما كانت مشاكل حركة فتح كما كل تنظيم هي مسؤوليتها الداخلية وهي نتاج وضعها لا وضع غيرها.

الوضع الراهن ينذر بالقضاء على جوهر ما حققه شعبنا في مسيرته الكفاحية الطويلة، وبالذات خلال هبّة الكرامة الأخيرة التي فتحت آفاق الأمل باستعادة الشعب لعافيته والحالة الفلسطينية لزخمها، بل من شأن حملة القمع القضاء على بوادر تجدد الحلم والأمل الحقيقي الذي تراكم بفعل الشعب وتضحياته.

التلويح بنظرية المؤامرة لتبرير الاعتقالات لا يخرج من إطار المؤامرة بل هو مؤامرة بحد ذاتها. إن غياب معارضة منظمة وبديل حقيقي تعددي وديمقراطي ومتنوّر وصاحب مشروع سياسي تحرري، وتضاف إليه الفجوة بين النخب وعموم الشعب هو مسألة خطيرة ومنفذ لممارسات الملاحقات والاعتقالات السياسية المدانة والتي لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال.

إنّ تغييب مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، يجعل الحالة الفلسطينية برمتها رهينة لمزاج قيادي تحدده الصراعات الداخلية، وليس الحديث عن الانقسام الذي بات واقعا بائسًا أعاد إنتاج نفسه ونخبه الفلسطينية والإقليمية، ولا تملك القوى السياسية القدرة على تجاوزه، هذا في حال كانت معنية بذلك. بتنا في وضع تقوم به دولة الاحتلال بمجزرة يومية في أنحاء الضفة الغربية، بينما نحن نقمع بعضنا بعضًا.

تعلمنا تجارب حركات التحرر الوطني أن الكثير منها تحوّلت بعد التحرر من الاستعمار من حركة الشعب إلى مؤسسة حاكمة فاسدة قمعية، بينما ما تؤكده الحالة الفلسطينية الهشّة هو أنّنا بلغنا جوانب من هذه الحالة دونما التحرر الوطني، بل في ظل تقهقر روح التحرر الوطني التي لازمت المشروع الفلسطيني الحديث منذ انطلاقته.

كما تعلمنا تجارب حركات التحرر الوطني أنه من دون إطلاق العنان للحريات الديمقراطية والتعددية الأوسع السياسية والاجتماعية سيبقى التحرر الوطني مبتورا ومنقوصا. التحرر الوطني هو مشروع الشعب، كل الشعب، ولن يتحقق غير ذلك.

المتوخى من رأس الهرم القيادي الفلسطيني من الرئيس محمود عباس أن يحسم هذا الأمر وينهي حالة الاحتقان الخانقة، وأن لا يورث شعبنا ثقافة القمع والقهر، ولا تزال مفاتيح الحل في يديه إن أراد ذلك. وحاليًا، هذه فرصته الأهم في نظرة إلى المستقبل.

مطلوب الاعتذار رسميًا عن مقتل نزار بنات ومحاكمة المسؤولين، ومطلوب المبادرات لحوار وطني حول المشروع التحرري الفلسطيني وكيفية الاستفادة من هبة الكرامة وانطلاق الشعب في كافة أماكن تواجده، ومطلوب قبل أي شيء آخر إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ووقف حملة التنكيل بإرادة الشعب وبإنجازاته وبحلم التحرير.

التعليقات