26/08/2021 - 16:10

حول "التحريض في الكتب المدرسية" وشاشا بيطون

وفي المحصلة، فإنّ شاشا بيطون تعترف في بحثها، كما يقول، أنّ هناك فلسطينيين ولديهم روايتهم الوطنية الخاصة بهم، وأنّ هذه الرواية تؤثر على مواقفهم وتوقعاتهم للمستقبل وأنّ محاولة وزارة المعارف الإسرائيلية إلصاق موقف وحلّ من عندها للطلاب الفلسطينيين.

حول

شاشا بيطون (إعلام الكنيست)

في العادة، يجري بحث تجاوزات المحتل وتحريضه اللفظي وعنفه واعتداءاته الفعلية على الشعب الواقع تحت الاحتلال وليس العكس. لكنّ الأمور تنقلب رأسا على عقب في حالة الاحتلال الإسرائيلي. فيتحول، في نظر العالم، الجلاد إلى ضحية والضحية إلى جلاد، ويصبح الشعب الفلسطيني هو المطالب بإثبات براءته من التحريض ومن الإرهاب ومن العداء للسامية، ويفرض على المؤسسات الدولية وبينها الاتحاد الأوروبي متابعة ومراقبة مناهج التعليم الفلسطينية، حصريا، دون مقارنتها بمناهج وكتب التعليم الإسرائيلية لإثبات خلوها، أو بالأحرى عدم خلوها من التحريض على العنف ومعاداة السامية.

د. أساف دافيد، الباحث في معهد "فان لير" ، أشار في هذا السياق إلى انزلاق الاتحاد الأوروبي ورضوخه لضغوطات جمعيات اليمين الإسرائيلي، وأن تمويل بحث أحادي الجانب حول كتب تدريس طرف واحد في الصراع هو الطرف الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، هو خلل بحد ذاته، لأن الطلاب في جهازي التعليم في إسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة لا يتعلّم احدهما عن الآخر في فراغ، بل أنّ علاقات القوة بين إسرائيل التي تتنكر للعنف المتعاظم والضروري لصيانة الاحتلال، وبين الفلسطينيين هي من تفرض الإطار والروايات التي يجري تدريسها في جهازي التعليم الإسرائيلي والفلسطيني.

ويشير الكاتب في هذا السياق إلى الأبحاث المقارنة التي أجراها د. دانييل بارطال ود. سامي عدوان، كنموذجين للطريقة التي يمكن وفقها إجراء بحث حول كتب التعليم في المجتمعين، مبديًا استغرابه من قيام مؤسسة أوروبية محترمة مموّلة من الاتحاد الأوروبي بتجاهل منهجية المقارنة البحثية، على غرار تلك التي انعكست حتى في بحث الدكتوراه الخاص بعضوة كبيرة في حزب من اليمين الوسط، تشغل منصب وزيرة معارف في إسرائيل، هي د. يفعات شاشا بيطون.

وكان بحث شاشا بيطون، الذي حصلت بموجبه على شهادة الدكتوراه من جامعة حيفا عام 2002، أجري على أساس برنامج التربية للسلام الذي يقوده "مركز إسرائيل فلسطين للبحث والمعلومات"، الذي تأسس عام 1988، واستند إلى عيّنة تمثيلية ضمت حوالي ألف من أبناء الشبيبة جيل 15- 16 سنة، نصفهم من اليهود الإسرائيليين والنصف الآخر من الفلسطينيين.

وحول البحث، يقول الكاتب جيل بارطال، الذي نشر مؤخرًا مقالا حول الموضوع، إنّ شاشا بيطون وجدت في بحثها أن أبناء الشبيبة الإسرائيليين والفلسطينيين يختلفون في تفسير مصطلح السلام، لأن توقعاتهم من السلام تنبع من الرواية الوطنية المختلفة لكل منهما، حيث ينشغل الإسرائيليون اليهود بكونهم ملاحَقين ولذلك يسعون إلى سلام ماهيته عدم القتال، في حين ينشغل الفلسطينيون بكونهم مُقتلعين ولذلك يسعون إلى سلام يقوم على العدالة ومساواة الحقوق.

وفي المحصلة، فإنّ شاشا بيطون تعترف في بحثها، كما يقول، أنّ هناك فلسطينيين ولديهم روايتهم الوطنية الخاصة بهم، وأنّ هذه الرواية تؤثر على مواقفهم وتوقعاتهم للمستقبل وأنّ محاولة وزارة المعارف الإسرائيلية إلصاق موقف وحلّ من عندها للطلاب الفلسطينيين لا قيمة له وغير مجدٍ.

طبعا نحن لا نتوقع أن تطبق شاشا بيطون استنتاجاتها تلك على أرض الواقع في نطاق منصبها وزيرةً للتربية والتعليم في إسرائيل، خاصة في ظل انضوائها تحت لواء حزب وحكومة من أشد الأحزاب والحكومات يمينية. لكن، بالعودة إلى بحث الاتحاد الأوروبي، فإنّه وبرغم الخلل والثغرات التي اعترته وفي مقدمتها غياب المقارنة مع مناهج التعليم الإسرائيلية، فإنّه جاء مخيبا للآمال الإسرائيلية، كونه دحض الادعاء القائل إنّ الكتب المدرسية الفلسطينية لاسامية ومعادية لليهود وتحرض على العنف، وكشف عن الكثير من النماذج التي تدعو إلى التسامح والمغفرة والعدالة، كما يقول دافيد.

التعليقات