29/10/2021 - 11:53

شعبنا كريم وهُم يستحقّون

لعلَّ أكثر الصفات الممقوتة التي يتذمُّر الناس منها هي الجحود ونكران المعروف، ودوس الحقوق وهضمها.

شعبنا كريم وهُم يستحقّون

وقفة إسناد للأسرى بالخليل (أرشيف وفا)

لعلَّ أكثر الصفات الممقوتة التي يتذمُّر الناس منها هي الجحود ونكران المعروف، ودوس الحقوق وهضمها.

كان العرب يقدسون قيمة الوفاء وحفظ الجميل، وذموا ناكريه، في شعرهم ومقولاتهم:

إن أنت أكرمت الكريم ملكته... وإن أنت أكرمت اللئيم تمرَّدا

من الصفات التي يفاخر العرب فيها، هي الوقوف إلى جانب الأصدقاء في الشدائد، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، والهبوب لمساعدتهم في لحظات الضيق، حتى دون أن يطلبوا ذلك، وعمل المستحيل لمساعدتهم من دون مِنَّة.

هذا مطلوب بين الناس العاديين، منهم وإليهم، فما بالكم بمن ضحوا لأجل وطنهم ولأجل شعبهم، من شهداء وأسرى وجرحى؟ أولئك الذين دفعوا أرواحهم، أو سنين من أعمارهم، وباتت أسرهم بلا معيل، أودعوها أمانة في عنق الشعب الذي ضحوا لأجله، بعدما أوكلوا أمرهم لله.

من المؤسف والمثير للغضب أنه في الوقت الذي يقضي فيه الأسرى زهرة أعمارهم وراء القضبان، هناك من قطع رواتب العشرات منهم.

لا نريد الخوض في الأسباب التي حدت بالسُّلطة الفلسطينية إلى قطع رواتب بعضهم، لأنه لا يوجد أي سبب ممكن أن يُبرِّر أو يُقنع بقطع راتب عن أسرة شخص ضحّى في حياته، سواء كشهيد أو أسير.

قد لا تتفق مع الخطّ السياسي لهذا الأسير أو ذاك، بل وتعارضه بقوّة، لكن أي خلاف مهما كان عميقًا فهو لا يعطي الحق للسُّلطة أن تقطع راتبًا لأسباب كثيرة وخطيرة.

أوَّلا، لأنَّ المستفيد من الراتب هم أبناء أسرة الأسير، فالراتب مهما كانت قيمته، فهو يقيهم شرَّ سُّؤال الناس ويحفظ كرامتهم، هذا أقل ما يمكن تقديمه.

إن حرمان الأسير من راتب أو دعم منظِّم يردع الآخرين، ويجعلهم يفكرون ألف مرة إذا ما كان شعبهم يستحق عطاءهم وتضحيتهم! وهذا يضيف إلى معاناتهم، فهو عقاب آخر فوق العقوبة التي فرضها الاحتلال عليهم.

إن قطع الرواتب على خلفيات عقائدية أو نتيجة ضغط من الاحتلال، يمس بقيمة النضال لأجل الحرية، ويزعزع الثقة بين الجمهور والسُّلطة، ويضع شعبنا كله تحت طائلة سؤال أخلاقي! كيف يسمح شعبٌ بمثل هذه الإجراءات ضد من ضحُّوا لأجله؟

هذا التصرُّف يثير الشكوك حول جدية شعارات الكفاح لأجل الحرية والاستقلال!

دعم أسر الشهداء والأسرى والجرحى على رأس سلم أولويات أي شعب ينشدُ حرِّيَّته.

التخلّي عن رفيق درب أو عن صديق أو مناضل في خضمِّ المعركة والصراع هو خيانة لا لبس فيها، لأنَّ التخلي يعني ردع الآخرين والتهديد بمعاقبتهم إذا ما ناضلوا.

التخلي عن الأسير هو وصمة عار تاريخية لن يمحوها الزمن، على جبين من مارسها ومن صمت عنها.

قطع الرّواتب عن بعض أبناء هذه الشريحة هي جريمة أخلاقية أولا، وطعنة في ظهر مناضلي شعبنا، هي خيانة لأصدقاء شعبنا ممن يقفون إلى جانبه ويقدّمون الدعم له.

قطع الرّواتب هي هدية ثمينة للاحتلال، يستخدمها للضغط على الأسرى أنفسهم من خلال تساؤل بسيط... انظر كيف تركوك؟ انظر كيف تخلّوا عن أبناء أسرتك؟ كيف ستعيش زوجتك الآن؟ ومن يدفع قسط التعليم عن أبنائك؟ إنها طريقة للابتزاز وتجنيد العملاء.

في هذه الأيام يهدِّدُ من قُطعت رواتبهم بإضراب مفتوح، وقد أرسلوا رسالة إلى السلطة الفلسطينية ورئيسها السَّيِد محمود عباس.

نضم أصواتنا إلى أصواتهم، ولا أظن أنَّ أحدًا من أبناء شعبنا يتقبل هذا، كل شعبنا يطالب بإعادة الرواتب لأسر الأسرى والشهداء.

الأموال التي تقدَّم للشعب الفلسطيني ليست ملكًا للسلطة برئاسة السَّيد محمود عباس، وليست ملكًا لأي مسؤول وصاحب قرار، إنها للشعب الفلسطيني، سواء تلك التي تعاد من الضرائب التي تجنيها دولة الاحتلال من مختلف المصادر المتعلقة بشعبنا، أو تلك التي تتبرع بها دول عربية، أو دول صديقة، إضافة إلى الضرائب التي يدفعها المواطنون في الضفة والقطاع.

من يشترط تقديم مساعدة للشعب الفلسطيني مقابل معاقبة عائلات الأسرى الشهداء هو في الواقع يطلب الخيانة مقابل المال، يطلب إذلال من ضحَّوا ومعاقبتهم، كي يكونوا عبرة لغيرهم، وللأجيال القادمة.

دعم الأسرى وأسر الشهداء واجب أخلاقي أوّلاً، وهو من شيِم الشعوب التي تحترم نفسها، وشعبنا في خانة الشعوب المحترمة، ويحترم من قدّموا التضحيات لأجله، ولن يفرط في حقوقهم، إنهم كرماء وشعبنا كريم وهم يستحقّون.

اقرأ/ي أيضًا | احترمني كي أحترمك...

التعليقات